واقع الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية ينتابه كثير من الضعف

واقع الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية ينتابه كثير من الضعف

لا يزال موضوع الرقابة الشرعية موضع اهتمام جميع العاملين في القطاع المصرفي الإسلامي، بأنواعها داخلية وخارجية وشرعية ومهنية. فقد ناقشت الندوة قضايا رئيسة وطرحت تساؤلات عدة من بينها مدى استقلالية هيئات الرقابة عن إدارات البنوك، وهل الفتاوى الصادرة تساير أعمال البنك ونشاطاته؟ تلك بعض الأمور التي تناولتها ندوة "الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية" التي أقيمت بالتعاون بين مجلة المصرفية الإسلامية والهيئة الإسلامية العالمية للتمويل والاقتصاد، حيث حضرها نخبة من خبراء واختصاصيي المصرفية الإسلامية وممثلي البنوك الإسلامية، وتناول الدكتور عبدالباري مشعل خبير الرقابة الشرعية العديد من المحاور في محاضرته.

فقد أكد الدكتور يوسف الزامل المتخصص في الاقتصاد والتمويل أن الهيئة بالتعاون مع مجلة "المصرفية الإسلامية "التي تصدر عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر تهدف من إقامة ورش العمل هذه، مناقشة مختلف القضايا التي تتعلق بالاقتصاد والتمويل الإسلامي، والتي يشارك فيها المختصون والخبراء في هذا المجال ويثرون اللقاء مع المتحدث الرئيس لهذه الندوة بآرائهم وملاحظاتهم القيمة من منطلق خبراتهم الطويلة المثمرة.
ثم تحدث الدكتور عبدالباري مشعل عن الرقابة الشرعية في مجال المصارف الإسلامية مركزا على تحليل الواقع والنظر إلى المستقبل في ضوء معطيات موضوعية موجودة على مستوى الصناعة المالية الإسلامية أو على صعيد التطورات الجزئية في بعض الدول الإسلامية.
فقد بدأت الرقابة الشرعية مع نشأة البنوك الإسلامية، ولكن الواقع قد تجاوز قضايا الجانب التاريخي أو التكييف الشرعي لمسألة الرقابة الشرعية لأنها لا تضيف شيئا لها، بل ربما يؤخر تطور الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية كمهنة يجب أن تواكب المهن الأخرى من حيث التشريعات أو الممارسة أو المساءلة والمحاسبة.
ثم حدد الدكتور عبدالباري مشعل ثلاث نقاط كمحاور رئيسة لهذا الموضوع:
أولا: تعرف الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية بأنها مجموع الإجراءات التي تتخذها المؤسسة بغرض تحقيق الالتزام الشرعي في المعاملات المنفذة، وهذا أشمل من المفهوم القريب إلى الذهن، وهو أن الرقابة الشرعية يقصد بها الفحص اللاحق للمعاملات المنفذة، فالمعنى الأول وهو الإجراءات الهادفة إلى تحقيق الالتزام الشرعي نجد أنه أوسع من قضية الفحص اللاحق، فهو يمتد إلى جميع الجهود التي تبذلها المؤسسة والمؤسسات ذات العلاقة في سبيل تحقيق الالتزام الشرعي على مستوى المؤسسة, والمقصود بالمؤسسات ذات العلاقة هي أولا إدارة المصرف نفسه فهي تقع عليها مسؤولية الالتزام الشرعي أساساً وليس أية جهة أخرى، لذلك فعليها أن تتخذ جميع الوسائل والإجراءات الكفيلة لتحقيق الالتزام الشرعي على مستوى المؤسسة.
وهذه الإجراءات لا تتوقف عن إقامة فريق للمراجعة الشرعية أو التدقيق الشرعي أو عند إقامة الهيئة الشرعية نفسها، لكن هناك عناصر أخرى تتعلق بالعاملين ككل وتتعلق بأدلة العمل التفصيلية التي تنفذ على أساسها المعاملات وهي من المعضلات الأساسية في البنوك الإسلامية، تصدر الهيئات الشرعية القرارات الشرعية لكن هذه القرارات لا تصلح أساسا لضمان الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية لأنها لا تندمج ولا تتحول إلى إجراءات عمل بأدلة العمل التي تستند إليها المؤسسة في تطبيق المعاملات، فعندما يوضع أمام الموظف مرجع، دليل معتمد ومكتوب فيه الإجراءات المحاسبية والمصرفية وقرار الهيئة الشرعية على الجانب الآخر فإنه لا يستطيع تطبيق القرار، لأن تطبيق القرار يتطلب إجراءات محاسبية وإدارية وربما فحصه مع (التعليمات والتشريعات) الصادرة من البنك المركزي، لذلك يوجد هناك فجوة في البنوك الإسلامية، فالإجراءات الشرعية لم تتحول كأدلة عمل إجرائية تفصيلية يمكن أن يستند إليها الموظفون في التنفيذ على صعيد الأدلة هي سبب كل المخالفات التي تتعرض لها كل البنوك.
العنصر الثاني للضبط الشرعي على مستوى المؤسسة هو الهيئة الشرعية التي تقوم بمهمة الإفتاء والتوجيه الشرعي والمراجعة اللاحقة، أما العنصر الثالث فهو البنك المركزي والسلطات الإشرافية الأخرى، لكن واقع الحال في الصناعة المالية الإسلامية أن الرقابة الشرعية تعاني من فجوة بين ما يجب على السلطات الإشرافية الاهتمام به ورعايته وبين الواقع الذي يقول إن هذه المؤسسات تعمل دون رقابة من السلطات الإشرافية على صعيد الضبط الشرعي، فالسلطات الإشرافية من كثير من البلدان التي يوجد بها بنوك إسلامية لا تمارس أية دور يتعلق بالرقابة الشرعية.

حوكمة الرقابة الشرعية
هناك كثير من نقاط تعارض المصالح على مستوى الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية، ولغياب التشريعات لا نجد أية اهتمام من قبل الممارسين بقضايا الحوكمة، ففي بعض التطبيقات يجمع عضو الهيئة بين عضويته بالهيئة، وكونه مديرا تنفيذيا في نفس المؤسسة أي في النهاية هوموظف يتبع المؤسسة ماليا وإداريا، وهذا موجود في بعض التطبيقات بالمملكة والخليج، هذا الأمر يمثل تعارض واضح في المصالح، لكن نلاحظ أن سوريا رغم أنها بدأت متأخرة في تطبيق ودخول مجال الصيرفة الإسلامية، حيث بدأت على خبرة 30 سنة ماضية في البنوك الإسلامية فأصدرت عدة تشريعات كان آخرها دليل الحوكمة ونصت على أشياء دقيقة جدا فيما يتعلق بمسألة تعارض المصالح مثل مسؤولية تدريب وتأهيل الهيئات الشرعية، هل هي مسؤولية المؤسسة أم مسؤولية الهيئات الشرعية نفسها؟
لا شك أنها مسؤولية الهيئات الشرعية، فعليها أن تدرب نفسها وتعد نفسها قبل أن ترتبط بالمؤسسات الإسلامية، أما مسؤولية الصرف من المؤسسات المالية على تطوير أعضاء الهيئات الشرعية يؤول إلى شكل من أشكال تعارض المصالح.
هناك مبدأ أن مسؤولية التنفيذ تقع على المؤسسة ومسؤولية التوجيه وإبداء الرأي تقع على الهيئة الشرعية والرقابة الشرعية.
ولا شك أن جانب التدقيق الشرعي هو من مهام الهيئة الشرعية فيما يتعلق بالتدقيق الخارجي، وبالتالي عندما يكون لدينا هيئة شرعية فقط لا يعني أن ننفذ المعاملات بشكل صحيح، ولكن يجب الاطلاع على تقرير الهيئة الشرعية نفسه عن تنفيذ المعاملات وللأسف البنوك الإسلامية السعودية لم تصدر تقريرا عدا بنك الجزيرة أصدر مؤخرا تقريرا عنه يعبر عن مدى التزام البنك بأحكام الشريعة الإسلامية، لكن البنوك الأخرى تصدر بيانا فقط ولكنها لا تصدر حكما في معاملات المؤسسة، فالقارئ للبيان لا يعرف ما هو رأي الهيئة الشرعية في تطبيقات المؤسسة.
كثير من البنوك الخليجية الإسلامية تصدر تقريرا نمطيا على غرار تقرير المحاسب القانوني تقر فيه في فقرة مختصرة - بعد سرد المقدمات المهنية - بأن المؤسسة التزمت في معاملاتها بأحكام الشريعة الإسلامية خلال السنة المالية المنتهية، وهذا الأمر مطلوب لدى الجمهور ولدى المؤسسة ولدى الجهات الإشرافية في كثير من الدول، ففي الكويت لا يمكن أن يصادق البنك المركزي على التقرير السنوي المالي للمؤسسة ما لم يكن معه تقرير هيئة الرقابة الشرعية عن مدى الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك في البحرين وفي سوريا وفي السودان أيضا.
كذلك يؤكد الدكتور مشعل أن البنوك الإسلامية دائما على المحك بين استغلال الهوية والمصداقية، فكثير من البنوك الإسلامية للأسف الشديد تستغل الدين لأهداف مادية، ولكن يجب أيضا في نفس الوقت أن تلزم المؤسسة بتبعات الهوية ورفع الشعار.
ويشير مشعل إلى أن الواقع الذي تعيشه الرقابة الشرعية والموجود على صعيد الصناعة المالية للبنوك الإسلامية، ينتابه نقاط ضعف كثيرة أهمها:
< ضعف استقلالية الهيئات الشرعية في المصارف أو النوافذ الإسلامية، فالمصارف الإسلامية تعاني من ضعف إذا كانت الهيئة الشرعية يتم تعيينها من قبل الجمعية العامة في الأمور الخمسة، التعيين والفصل والمساءلة والتقرير والمكافأة، لكنها في واقع الأمر تفرط في مهمة التدقيق الشرعي أو المراجعة، كذلك هي تهتم جدا بالفتوى، مع أن نصف المسؤولية التي تقع على الهيئة الشرعية هو التدقيق الشرعي والتوجيه، فالتدقيق أهم من الفتوى لأن الفتوى لا تعني الالتزام بالتطبيق.
< واقع الحال في البنوك السعودية الإسلامية الأربعة أن الهيئة تستعين بإدارة للرقابة الشرعية في داخل البنك، وهذه الإدارة هم أنفسهم موظفون في داخل البنك فتعتمد الهيئات الشرعية على نتائج التدقيق الشرعي لإدارة لا تحقق فيها صفة الاستقلالية التي تتمتع بها هيئة الرقابة الشرعية، لذلك علينا أن نهتم بموضوعية الاستقلالية وليس بتشخيصها.
< غياب التدقيق الشرعي الداخلي، فالمدير أو الرئيس التنفيذي للمؤسسة ليس له أية أدوات تعطيه تقريرا عن مستوى الالتزام الشرعي، هذا الأمر موجود في البنوك السعودية كلها والبنوك الخليجية أيضا، فالرئيس التنفيذي يبقى يطلع على فريق التدقيق الداخلي وهو يمارس مهامه الفنية فقط في علاقته بالهيئة، في حين أن المطلوب من الرئيس التنفيذي أن يعين فريقا للتدقيق الشرعي الداخلي يكون تبعيته له من حيث التعيين والمكافأة والمسألة والتقرير، بحيث يطلع على مستوى الالتزام لأن المسؤول عن التنفيذ هو الإدارة العليا في المؤسسة أو البنك من رئيس مجلس الإدارة فما دون وعليها يتعين أن يكون لها ذراع في داخل المؤسسة يبين لها مستوى الالتزام.
< ضعف السلطات الإشرافية في المؤسسات المالية الإسلامية من حيث تكرار العضوية، واستمرارية العضو في المؤسسة لسنوات لا حدود لها، فلا يجب أن يكون المحاسب القانوني للمؤسسة عضو لأكثر من سنين أو ثلاث على أكثر تقدير هذا بجانب غياب القواعد والأدوات والأطر المهنية الملزمة للممارسة المهنية فلا يوجد ضابط لممارسة الهيئات الشرعية لا على صعيد الفتوى ولا على صعيد التدقيق.
وتحدث مشعل عن أثر ضعف الرقابة الشرعية على صناعة المصارف الإسلامية، ثم انتقل إلى مستقبل الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، حيث يرى أن التطوير القادم للرقابة الشرعية يتحدد في اعتماد الإطار المهني للممارسة والمحاسبة والجزاء على غرار المهن الأخرى.
ثم الفصل بين الفتوى والتدقيق وأخيراً إلغاء الهيئات الخاصة على مستوى المصارف واعتماد مرجعية موحدة على مستوى البنوك العاملة بالدولة على غرار اعتماد المرجعية المحاسبية ومرجعية المعتمدات المستندية ومرجعية القانون أيضا في كل دولة.

أثر ضعف الرقابة الشرعية في صناعة المصارف الإسلامية

* ظاهرة تصنيف العلماء من قبل المصارف بين متشددين ومتساهلين
* ظاهرة تركيز المصارف على العلماء المتساهلين حسب التصنيف
* ظاهرة ضعف ثقة الجمهور ببعض العلماء
* ظاهرة المنافسة التجارية في المنتجات على أساس الفتوى وليس الجودة
* ظاهرة وجود مجموعات المصالح على صعيد تعيين الهيئات الشرعية
* ظاهرة تعارض المصالح في ممارسات أعضاء هيئة الرقابة الشرعية
* ظاهرة رفض الخلاف في المسائل الخلافية
* ظاهرة ضعف الممارسة المهنية للتدقيق الشرعي (الهيئات والعينات)

الأكثر قراءة