ثقافة وفنون

"قمم" عسير تطل على التاريخ.. وتزدان بالفنون الأدائية

"قمم" عسير تطل على التاريخ.. وتزدان بالفنون الأدائية

"قمم" عسير تطل على التاريخ.. وتزدان بالفنون الأدائية

"قمم" عسير تطل على التاريخ.. وتزدان بالفنون الأدائية

"قمم" عسير تطل على التاريخ.. وتزدان بالفنون الأدائية

عسير وجبالها نابضة بالحياة، الحصن المنيع الذي تحطمت على أسواره غارات الأعداء، وقاومت الحملات العسكرية إبان الحكم العثماني لإخضاعها، وسجلت بطولاتها على صفحات التاريخ، وبحضور مهرجان قمم الدولي للفنون الأدائية الجبلية اكتمل تألقها.
ففي المهرجان، الذي يسدل الستار على نسخته الثانية غدا الجمعة، توجد فرق العالم لتعبر عن فنونها وفولكلورها الجبلي، في أداء يهدف إلى التقريب بين الشعوب، عبر أساليب تعبيرية انتقلت بإرثها جيلا بعد جيل، وأبرزت ثقافة المملكة وحضارتها، على أرض تعد خزينة طبيعية ذات تراث إنساني عريق.

فنون تقرب الشعوب
بحضور واسع من أهل عسير وزوارها، افتتح المهرجان بمسيرة كرنفالية في شارع الفن في أبها، احتشد المؤدون على عربات بديكورات الدول المشاركة، وفي محيطها، إذ تحاكي الجانبين الثقافي والفولكلوري للدول المشاركة، إضافة إلى الأزياء التراثية والشعبية التي تمتاز بها، لتضيف تنوعا ثريا في المهرجان الذي تشارك فيه 16 فرقة محلية و14 فرقة دولية، تقدم معا نحو 32 لونا أدائيا جبليا من داخل المملكة وعدد من دول العالم، تلاه حفلة غنائية للفنانة نجوى كرم، صاحبها عروض للدبكة اللبنانية.
سلطان البازعي الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية، أكد لـ"الاقتصادية" على هامش المسيرة، بأن المهرجان ينقل ثقافات الشعوب وأزياءها وتاريخها، في عرض تثقيفي ممتع، ويسهم "قمم" وهو أول مهرجان عالمي متخصص في الفنون الأدائية الجبلية، في التعريف بالمواقع التراثية الأثرية في منطقة عسير، ويقدم صورة إيجابية فريدة عن فنون المملكة وفولكلورها وتراثها، ويشارك في تطوير قطاع المسرح والفنون الأدائية، في أجواء احتفالية مميزة، فضلا عن الارتقاء بجودة الحياة وتطوير القطاع الثقافي، بالمواءمة مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، والاستراتيجية الوطنية للثقافة.
وأضاف البازعي أن المواقع السبعة التي اعتمدت لتقديم فعاليات المهرجان فيها مناطق لتقديم الحرف اليدوية ونتاج الأسر المنتجة والمأكولات المحلية، حيث تبني الهيئة على النجاح الذي قدمه المهرجان في النسخة الأولى، ويهدف إلى رفع مستوى الوعي بالفنون والموروث القديم في المملكة والعالم، ويعرف الزوار بتاريخها، وفنونها، وأساليبها، وكيفية أدائها، مضيفا أن للتراث دورا في تقريب الشعوب، وهي الرسالة الأساسية التي يركز عليها مهرجان قمم الدولي، ما يعزز مكانة المملكة على الخريطة الثقافية العالمية.

سفراء اليمن
لم يغب اليمن عن مهرجان قمم، الذي سجل حضورا ثمينا بفرقة أدائية، أكد مؤدوها أنهم سفراء وطنهم إلى المملكة، وخطفوا الأنظار بمهاراتهم في أداء فن البرعة اليمني، إذ لفت الدكتور حمزة المفلحي المشرف على فرقة براعة يافع من اليمن لـ"الاقتصادية"، أن مشاركتهم جاءت تلبية لدعوة هيئة المسرح والفنون الأدائية للمشاركة في هذا الكرنفال العالمي الأول من نوعه، وقال، "سعداء بأن نكون فرقة من أصل 16 فرقة أدائية دولية مشاركة، مسؤوليتنا كبيرة بأن نمثل إرثا وموروثا عريقا أمام الآلاف من الضيوف والزوار الذين يتعرفون على فن البرعة للمرة الأولى".
وأوضح أنهم شاركوا بفن البرعة، أحد الأداءات الجبلية المعروفة في منطقة يافع جنوبي اليمن، انطلاقا من حرصهم - أفرادا وفرقة - على نقل هذه الثقافة إلى العالم أجمع، عبر مهرجان قمم الدولي للفنون الأدائية الجبلية، مبينا أن فن البرعة أدرج ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية في 2010.
وحضر الزي اليافعي في قلعة بن عضوان التاريخية، في أداء يؤدى في الأغلب في الأعياد ومناسبات الأفراح، ويتميز بطابع خاص جدا، من حيث حركاته وارتدى أعضاء الفرقة الإزار والجنبية.
أما المغاربة، فحضروا بفن "عبيدات الرمى"، بفرقة قدمت من خريبكة المغرب، وأدت الفن الغنائي من فنون التراث الشعبي المغربي الذي يجمع مجموعة من المغنيين والمؤدين بلباس تقليدي مرددين عبارات من الشعر المحلي، ويسمون "خدام المخزن"، لأنهم يقومون بعروض مسرحية بعد الصيد بعمل حلقة واستعراض الطرائد تحت قصائد ومحاكاة حركة الأرنب والأسد والغزال في سرعاتهم، التي ارتبطت بشكل وثيق بجذور التراث المغربي القديم وما زالت مستمرة إلى الآن.
وتعني "الرمى" رماية بالبندقية أو السلاح، و"عبيدات الرمى" هم رماة كان همهم الأساس هو التدريب على الرماية بالبندقية والاستعداد الدائم للدفاع العسكري، ولكل فرقة أو مجموعة مقدم يقوم على تسييرها.

العراقيون يبهرون بـ"الجوبي"
من العالم العربي حضر العراقيون واللبنانيون والسودانيون والعمانيون، وقدم مؤدون من بغداد لون "الجوبي"، الذي يؤديه العراقيون في أغلب المناسبات الاجتماعية.
وشاركت فرقة "الروسانية" بلون "الجوبي" ذي اللحن الشجي الذي يصاحبه صوت الطبل، ليعطي الإيقاع العام للأداء الفولكلوري منذ القدم، حيث كانت الطبول فيها من الجلد، قبل إدخال آلة "الأورج" حديثا، فيما يرتدي المؤدون لباسين أحدهما باللون الأسود والآخر بالأبيض.
وتعد الجوبي رقصة بدوية وقروية يرقصها مجموعة ما بين خمسة إلى عشرة أشخاص عن طريق مسكهم بيد بعضهم بعضا، يدعون بالجوابة "أهل الجوبي" وعازف "اليرغول" أو الشبابة والطبل.
أما اللبنانيون فحضروا باستعراض فن الدبكة البعلبكية في قصور وقلاع منطقة عسير، ضمن المواقع السبعة التي حددها مهرجان قمم للفنون الأدائية الجبلية في نسخته الثانية، وقدمت الفرقة ضمن فن الدبكة لوحة متنوعة من الفنون الأدائية الجبلية التي عرفت بها لبنان، كان من أبرزها الفن الجبلي والساحلي، شارك في أدائها مجموعة متراصة من النساء والرجال، حيث وظفت المجموعة عددا من الإيقاعات المتنوعة، لبعض الأغاني التراثية، ما أضفى نوعا من الجمال والحماس على العروض المقدمة.
وتعد الدبكة، واحدة من أهم الفنون الأدائية الفولكلورية المنتشرة في بلاد الشام عموما، ولبنان خاصة، ويصطف المؤدون إما على شكل صف وإما على شكل قوس أو دائرة، والفريق يتكون من الرجال أو النساء، فيما يقود الأداء أول المؤدين وهو يحدد بشكل عام منحى الأداء، ويقوم عادة بأداء حركات إضافية تظهر مهاراته، عبر حركات بالأرجل، تتميز بالضرب على الأرض بصوت عال.

جبال العالم تلتقي قمم عسير
من جورجيا، أشار قائد الفرقة الجورجية باتشانا شانبوريا إلى أن العروض الجبلية الجورجية تشابه في مضمونها العروض الجبلية السعودية، وتشمل أداء فن سيفانتي، وفن تشامبا، وفن فازا، مبينا بأن فرقته تتكون من 15 فردا من الذكور والإناث، يقدمون ثلاثة عروض فولكلورية يومية لمدة سبعة أيام، ناقلين من خلالها التراث الوطني الجورجي، بالزي التاريخي.
وأضاف، "نحاول في عروضنا الأدائية الممتدة لأكثر من 100عام، التجديد بإدخال فنون أخرى إليها لنكون مواكبين للتطور، مع الاحتفاظ بأصل الأداء".
فيما أدت الفرقة الهندية ثلاثة عروض فولكلورية تضمنت فن رأسا ليل، وفن شالوم، وفن ثانغ تا، عبر مؤدين للفنون من تلال مانيبور، وهي ولاية تقع في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، قدموا إلى المهرجان بفنونهم التقليدية التي يبلغ عمرها آلاف الأعوام، وارتدت الفرقة خلال عروضها الأدائية التنورة الطويلة المطرزة بالزخارف الذهبية والفضية وقطع من المرايا الصغيرة، وبعض العناصر الطبيعية كالزهور والأغصان، ويسمى هذا النوع من اللباس بـ"كوميل"، أما النساء فيرتدين الـ"دوتي أو دوترا أو دورا" وهو قماش عريض ملون مطوي وملفوف ومربوط عند الخصر، ليسمح بحرية الحركة للساقين، ويرتدي العارضون "دوتي" أصفر يميل إلى البرتقالي اللامع، وذلك أثناء استعراض اللورد كرشينا، في "رأسا ليل".
كما حضر التنين الصيني في العروض الأدائية، وبحسب السيدة أيونا قائدة الفرقة الصينية، فإن المجموعة الفنية المكونة من 15 فردا، تقدم ثلاثة عروض يومية، تشمل أداء ثلاثة فنون جبلية صينية هي فن التنين الصيني، والفن الأدائي الجبلي، وكذلك فن الأكمام المائية الصينية.
وتوحدت النساء في الفرقة الصينية المؤدية للعروض الجبلية باللباس الوطني الـ"تشينسام" الذي يعد أحد أشكال اللباس التقليدي، وهو زي فضفاض يتميز بالألوان المشرقة والمحتشمة، إذ يظهر وجهها وكفيها فقط.
أما الزي الذي ارتداه الرجال فيسمى "الهانفو"، وهو فضفاض يتكون من قميص بأكمام واسعة وتنورة طويلة، ويعد لباسا فخما، حيث يصنع من الحرير، وحاليا يتم ارتداؤه فقط في الاحتفالات والمسلسلات التلفزيونية والأفلام التاريخية، وكذلك عند استقبال الضيوف أو المشاركة في الفعاليات الثقافية.

المأكولات الشعبية بمذاقها الأصلي
أصحاب الحرف اليدوية من رسامين، وصانعي خزف، وحلي، إلى جانب مشاركة كبيرة للأسر المنتجة، حضروا في "قمم"، إلى جانب متاجر للمأكولات والحرفيين والهدايا التذكارية، حضرت في سبعة مواقع هي: بسطة القابل، قصر أبو شاهرة بالمسقي، قلعة شمسان، قرية بن عضوان التاريخية، قصر مالك التاريخي، قصور آل مشيط، وقلاع أبو نقطة المتحمي.
ويحتضن كل موقع من مواقع المهرجان مجموعة من الفعاليات والمناطق، مثل معرض الأزياء وفعاليات المسرح، وفعاليات لأهل القرية، ومنصات للعزف المباشر أمام الجمهور، ومنطقة للطفل، وفعاليات الطهي الحي الذي يقدمه أشهر الطهاة المحليين.
وبالتعاون مع نادي أبها الأدبي، تعقد 14 ندوة حوارية وورش متخصصة عن تاريخ هذه الفنون، وأساليبها، ودلالاتها، وأزيائها، وتشكيل الفرق الأدائية، فيما يختتم المهرجان غدا بحفلة للفنان خالد عبدالرحمن وعروض الألعاب النارية، لتضفي بهجة فوق بهجة "قمم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون