لماذا يحظى موضوع النشاط العملي والمجتمع باهتمام وسائل الإعلام في هذه الأيام؟

لماذا يحظى موضوع النشاط العملي والمجتمع باهتمام وسائل الإعلام في هذه الأيام؟

لابد أن لذلك علاقة بالدور الأساسي الذي تلعبه الشركات في المجتمع المعاصر. وحيث إن الشركة هي الموجد الرئيسي للقيمة، فإنها تنتج السلع والخدمات، وتوفر الوظائف، وتولد الإبداعات وتدفع الضرائب، وتسهم في المجتمعات...إلخ. وهذا يجعلها تحت الأنظار، وأكثر قابلية للأذى من قبل محيطها الخاص لأن معاملاتها مع المجتمع لها آثار إيجابية وربما سلبية. وعلى سبيل المثال، فإنها يمكن أن تتسبب في تلويث البيئة وتجور على الموارد غير المتجددة وتقاوم الاعتراف بنواحي القصور لديها وتحجم عن مناقشتها ومعالجتها، وتتلاعب في سجلاتها وتستغل ما في القانون من ثغرات لإدارة صفقات غير مدرجة في الميزانية، أو تدفع أكثر مما يستحق عليها من ضرائب عن فترة ما لترد إليها في نهاية العام. وعملت تكنولوجيا المعلومات أيضاً على تسارع عملية العولمة. كما أن اختصار الزمن والمسافات جعل من سلوك العمل التجاري ودوره في عملية العولمة أكثر وضوحاً وانكشافاً، وبالتالي أقل تحصناً.
ولمزيد من التفصيل حول ضعف الحصانة هذه، نقول إنها نتاج الضغط التنافسي العالي على الشركات وزيادة الوعي لدى المجتمع. فأولاً، مع كفاح الشركات للبقاء على الساحة في بيئة يسودها التنافس الشديد، يمكن أن تقع في إغراء تنفيذ الأعمال بمواصفات أقل جودة لكي تسلم القيمة التي يتوقعها حملة أسهمها، أو بيانات الأرباح المتوقعة المعلنة للمحللين الماليين. وثانياً، فإن التكنولوجيا المتمثلة في الإنترنت ووسائل الإعلام المتطورة كشبكة CNN، و"بلومبيرغ"، تزيد توعية الناس بسلوك الشركات. وهناك الكثير من القصص عما تقترفه الشركات من أعمال (كالفساد وأعمال الاتجار التي يقوم بها كبار المسؤولين فيها والتهرب الضريبي والإعلانات الخادعة)، والمجتمع يزداد حساسية تجاه سلوك الشركات ويطالبها بشفافية أكثر وحس أعلى بالمسؤولية، ويتوقع من عمليات الشركة الخاصة بإيجاد القيمة أن تأخذ "الصالح العام" في الحسبان.
إن الناس العاديين لا يشاطرون الناس العاملين في "وول ستريت" عقليتهم. فهم ليسوا على دراية مثلهم بالمصادر التي تدر الأرباح، أو بالخيارات المتوافرة في سوق الأسهم، أو بالأساليب التي تجنبهم الخسارة المالية، ولكنهم يودون أن يكون لعالمهم معنى. ولذلك تراهم يثيرون الكثير من الأسئلة. هل يعمل اقتصادنا المتحرر الجديد على توفير عالم أفضل لغالبية المواطنين على هذا الكوكب؟ وهل تعتبر الفجوة الآخذة بالاتساع بين الأغنياء والفقراء على المستويين المحلي والعالمي مقبولة، بمعدل ما لدينا من نمو واستهلاك؟ وهل يمكن أن يكتب الدوام لنموذجنا في التطور؟ وهل يأتي لنا هذا المعدل المتسارع في التغير التكنولوجي (هندسة الجينات، ووضع خرائطها GMO والاستنساخ) بعالم أفضل؟
ويرى الكثيرون أن الإجابات عن هذه التساؤلات موجودة في نظامنا الاقتصادي، ولها علاقة متزايدة باستراتيجيات الشركات وسلوكها. ولأسباب وجيهة أو غير وجيهة)، فإنها تجعل النشاطات العملية قابلة للتأثر جداً بهذا الوعي والاهتمام المتزايدين لدى المجتمع المدني.
ولكن ألا يخفف من ذلك دور الحكومات والهيئات التنظيمية والجهات الأخرى المهتمة بأمور الشركات:
سيكون من الرائع إذا لم تواجه الشركات معضلات في تحديد استراتيجيتها العالمية وتنفيذها، ويعود الفضل في ذلك إلى قواعد اللعبة الواضحة (القانون)، وعلم الأخلاق وقواعد السلوك، والآليات المتوازنة والقائمين على الشركات أو المواثيق العالمية في سبيل إدارة تطور مستدام. ولكن ليست هذه هي القضية.
وكثيراً ما تعاني الحكومات تحت الضغوط الانتخابية قصيرة المدى من صعوبة بالغة في التحكم بسلوك الشركات. وفي الوقت ذاته، تتنقل الشركات الحرة من بلد لآخر للحصول على ميزة أفضل، وتنقل مواقع صناعاتها أو بعض أعمالها الإدارية معتمدة على المصادر الخارجية، وتهدد بدفع ما يترتب عليها من ضرائب لبلد آخر، وتدير بصورة خلاقة أسعار التمويلات أو تعويضات المديرين التنفيذيين أو تستغل، الثغرات الموجودة في الأنظمة بمهارة.
وكثيراً ما يأخذ الضغط لتسليم القيمة لحملة الأسهم أولوية على الإسهامات التي تقدمها الشركات للمجتمع المحلي، أو على الاهتمام بتحديد مفهوم "الصالح العام". وبعدئذ، تدخل الشركة في خطر أن تصبح عاجزة عن الاهتداء لهدفها، وأن يعميها هدفها المحدد، أو ما تقدمه من وعود للمحللين الماليين. أما اليوم، فمن المؤكد أن الكم الهائل من البحوث عن مديري الشركات سيساعد على تطوير الآليات التي تأخذ في اعتبارها الجوانب الأخرى التي تهمها أمور الشركة. وعلى العموم، فإن التأثير الكوني المتنامي للنموذج الأنجلو سكسوني يبدو جازماً بصورة متناقضة مع ذلك في وقت اهتزت فيه مصداقيته كثيراً بفعل فضائح شركات إنرون، وويرلدكوم وتايكو، وغيرها، كما اهتزت الثقة في الطريقة الأمريكية لهيمنة الشركات. وبالنسبة للشركات العالمية، فإنها تحاول تحديد قواعد كونية للعبة، إلا أنها كثيراً ما تعدم الوسيلة لضمان تنفيذها إذا كان للحكومة والمنظمات الدولية أثر محدود في تحقيق توازن أفضل بين الجهات المهتمة بأمور الشركات.

كما أن الأطراف الأخرى المهتمة بأمور الشركات لها تأثير على سلوكها. فالمستهلكون أخذوا يطلبون الكثير، وأصبحوا أكثر تنظيماً (في بعض البلدان). فهم لا يريدون أن يساء إليهم في حالات يتضح فيها اختلاف المعلومات المتاحة لهم بجلاء، كما أنهم يتذمرون من الإعلانات الخداعة، ويقاطعون هذه الماركة أو تلك إذا لم يتفقوا مع سياسة إحدى الشركات أو سلوكها.
ويستطيع المجتمع المدني أن يسمع صوته من خلال المنظمات غير الحكومية التي تعبر عن معارضتها للسلوك التجاري في حالات استنزاف الموارد غير المتجددة وحقوق العاملين، والسياسات المتعلقة بالجذور أو النوع، والسلامة وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك. ومرة أخرى، يعود الفضل إلى تكنولوجيا المعلومات التي بفعلها يمكن سماع صوت المنظمات غير الحكومية من سياتل إلى جنوا، مروراً بواشنطن أو براغ أو بورتو. البحري. ونتيجة لذلك، تقوم بعض مجالس إدارة الشركات بمناقشة وتفهم الرسائل الموجهة إليها وإدخالها في مجهوداتنا الخاصة بمسؤوليتها الاجتماعية.
والموظفون أيضاً لهم مساهمتهم. فهم قلقون من أصحاب العمل الذين لا يستطيعون وعدهم باستخدام طويل الأمد، بل بمجرد إمكانية الاستخدام. وإنهم يخشون انعدام الاستقرار الوظيفي. وكل منهم يريد أن يحترم ويعامل كإنسان ويكره أن يعتبر مورداً، "ماكينة" أو "أداة" أو ورقة نقدية. وإنهم يريدون حماية خصوصيتهم من فضول أصحاب العمل. ولكن في عالم من الشركات الغثة والوضيعة، فإنهم يفكرون مرتين قبل أن يطلقوا الصافرة.
من أين سيأتي التغيير؟
يمكن أن يأتي التغيير من حملة السهم، فبإمكانهم أن يجبروا رئيس مجلس الإدارة على التنحي، أو يفصلوا رئيس المديرين التنفيذيين، أو يقوموا بعزل فريق الإدارة العليا. ويمكن للمستثمرين في المؤسسات أن يطالبوا بمزيد من الشفافية والسرعة في المعلومات المالية التي يتلقونها، وربما أمكن للنشطاء من حملة أقلية الأسهم ممارسة الضغط لإجراء تغييرات في الجهة المتحكمة بالشركة. وتلعب وسائل الإعلام دوراً مهماً للحث على التحلي بقدر أكبر من المسؤولية في الشركات من خلال التحقيق المهني الحر، الذي يفضح السلوك الفردي أو الجماعي غير المقبول، ويحث بعض حملة الأسهم والمجتمع المدني على مقاومة ذلك. ورغم ما ذكرته سابقاً، فلا غنى عن دور الحكومة في تصحيح حالات الخلل التي تعتري السوق وأحياناً في استبدال مؤشر السوق، كأن يقوم بحماية الضعيف أو بتسوية الملعب.

وسيأتي التغيير من كل هؤلاء المهتمين بأمور الشركات، إلاّ أن ذلك لن يكون كافياً، لأن من بين هؤلاء أيضاً أحفاد أحفادي، وعلى الشركة وكبار مسؤوليها أن يستمعوا إليهم، ولكنهم في الواقع لا صوت لهم.
أين ستقع هذه المسؤولية في النهاية؟ ما هي الإيحاءات؟
أنا لست متشائماً: وإنما أعتقد فقط أننا إذا واصلنا إدارتنا للعالم على النحو الذي نقوم به الآن على المستويين المحلي والعالمي، فإن أحفادنا سيرثون نوعاً من الحياة الاجتماعية والبيئية التي سيلوموننا عليها، ولهم الحق في ذلك.
وإذا كان التغيير مطلباً، وإذا اتفقنا على أن الأفراد والشركات يلزمهم التحلي بقدر أكبر من المسؤولية، ينبغي علينا أن نبدأ الآن من الجهة التي بيدها السلطة في المجتمع حالياً. ومرة أخرى، تتركز هذه السلطة بيد الشركات لكونها الموجد الرئيس للقيمة. وسلوكها يشكل القوى التي تحرك المجتمع وتطور التقنيات (واستخدامها) ونوعية حياتنا، حيث إن السلطة تمنح المسؤولية.

وإن قدراً كبيراً من هذا الالتزام بالمسؤولية هو بيد القائمين على رأس الشركات. وبتحديد الاستراتيجيات وتنفيذها وفتح المصانع وإغلاقها، وبتسويق المنتجات والخدمات والاستثمار في المصادر والتنمية، يقوم كبار رجال الأعمال بتشكيل العالم الذي نعيش فيه، إذ إنهم يجعلون الأمور مختلفة.
أين مكان كليات إدارة الأعمال من هذا كله؟

إنها هي التي تتولى القيادة. فكما نرى في المطابع الأكاديمية والتجارية، فإن كليات إدارة الأعمال ودورها محل جدل كبير. وإذا كان 40 في المائة من كبار المديرين التنفيذيين الخمسمائة حسب مجلة فورتشين الأمريكية من حملة شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، فإن تأثير التربية الدراسية في مجال الأعمال على أمريكا وحدها يعتبر عظيماً. وإذا كانت شركات مثل إنرون، وآرثر أندرسون، وويرلد كوم، وتايكو، وزيروكس، وميريل لينش، تستخدم شهادة الماجستير في إدارة الأعمال لترقيهم إلى الوظائف العليا، فعندها، يتعين علينا، نحن في كليات إدارة الأعمال، أن نتوجه لأنفسنا ببعض الأسئلة:

ما نوع القادة أو المديرين الذين ننتجهم أو نطورهم؟ وما هي القيم التي نشترك معهم فيها؟ وما هي القيم الكامنة وراء النماذج التي نقوم بتدريسها أو المجسدة في الأدوات التي نعطيها؟ وهل نحن على استعداد لإثارة التساؤلات حول النماذج المهيمنة في زمننا؟ وهل نحرص ونناقش المشاكل المستعصية المعقدة المتأصلة التي نواجهها في رفع القيمة للمساهمين إلى أقصاها وذلك في مختلف مجالات العمل؟

ومن الواضح أنه ينبغي على إدخال الضجة الحالية الموجودة خارج كليات إدارة العمال في جداول اجتماعات هذه الكليات لدعم أولئك الأشخاص المنوطة بهم مهمة تعديل مناهج شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وإعادة تصميم البرامج التطويرية. وربما يتعين على كليات إدارة الأعمال أن تبدأ بمناقشة أدوارنا ومسؤولياتنا في المجتمع، لأنه إذا لم نبادر نحن، فمن المحتمل أن يذكرنا المجتمع بذلك، وليس بالضرورة أن يتم ذلك بوجه مبتسم.

ولكن في INSEAD ماذا يفعلون حيال هذا البعد الخاص "بالشركات والمجتمع"، ماذا تفعلون وماذا يمكنكم أن تفعلوا؟
هناك وعي متزايد الآن، وسيستمر ذلك لعدة سنوات مقبلة، وهناك رؤية تلوح في الأفق، حيث إن المسؤولية تزداد تجسداً، والفعل آتٍ. ولقرابة عقد من الزمن، استثمرنا في مجالات "البيئة والمسؤولية"، وفي إدارة الشركات واخلاقياتها. وفضلاً عن ذلك، تم إدخال البعد الخاص بالمسؤولية في عدد من مشاريع البحث في ميادين الإدارة العملية أو العامة. وتقوم INSEAD عدة مرات في العام بعقد دورة "المعضلة الأخلاقية" في الجامعات الأوروبية والآسيوية، وإعطاء وحدة تمهيدية بعنوان "الثقافة والإدارة والقيم". وهذه الدورة إلزامية لجميع طلبة الماجستير في إدارة الأعمال. وهناك أيضاً ما يسمى "يوم الأخلاق" في بداية كل عام تتاح فيه الفرصة للطلبة المذكورين لاستكشاف أهمية الأمور المتعلقة "بالمسؤولية" في حياة الشركات، وفي الصفقات التي تتم بين المؤسسة التجارية والمجتمع.
وفي هذه الأيام، فإن معظم البرامج التعليمية الموجهة إلى المديرين التنفيذيين على مدى أسبوعين على الأقل تتضمن وحدة عن "القيادة والمسؤولية". وأيضاً في برنامج AVIRA (الموجه إلى الرؤساء التنفيذيين) نكرس كثيراً من الوقت لبعد "المسؤولية" بالنسبة إلى كبار رجال الأعمال.
وعموماً، فإن كل ما ذكر لا يعدو كونه جهوداً متواضعة على طريق طويل محفوف بالمخاطر. وينبغي أن يكون الهدف إنتاج ومشاطرة العلم الذي يمكن أن يسهم في تطوير القادة، ممن لديهم حس أخلاقي حاد، والمديرين الخلوقين، والشركات التي لديها إحساس بالمسؤولية الاجتماعية. وكما يوضح سؤال الذكاء هذا، فإننا على الطريق الصحيح.
ويمكننا أن نحلم بكلية لإدارة العمال ستكون أدركت في الوقت المناسب أن هذا القرن الجديد سيزداد فيه الشعور بالمسؤولية الروحانية لدى القادة الذين سيرون في هذه الأبعاد شرطاً أساسياً لبقائهم. وعندها سيكون النقاش الغني والساخن الجاري حالياً بين الزملاء من أساتذة إدارة الأعمال في الجامعات، غيّر ثقافاتهم وعقلياتهم.

الأكثر قراءة