ثقافة وفنون

"جريمة العروس الهندية".. حب فزواج فضحية

"جريمة العروس الهندية".. حب فزواج فضحية

"جريمة العروس الهندية".. حب فزواج فضحية

"جريمة العروس الهندية".. حب فزواج فضحية

يميل البشر بغريزتهم الطبيعية إلى القضايا الغامضة، والنهايات المفتوحة والقضايا الاجتماعية الغريبة، التي تدخلهم في دوامة طرح الأسئلة لإيجاد الحلول، ويشعرون كأنهم جزء من الرواية التي يقرؤونها، ويساعدون الكاتب على توقع الأحداث وسيرها ورسم النهايات التي تناسبهم. وأدب الجريمة عالم قائم بحد ذاته، يعتمد على ركيزتي التشويق والغموض، يدخل القارئ في متاهات البحث عن الفاعل، يفترض الأحداث، ويضع التصورات، يخرج أحيانا عن المتوقع، ويصور تفاصيلا تشعر بها كأنك تعيش القصة وأنت تقرأها، وفي الجزء الخامس من سلسلة المحقق "كونراد سيير" تقدم ملكة الجريمة النرويجية الكاتبة "كارين فوسم" روايتها الجديدة بعنوان "جريمة العروس الهندية" حبكة بوليسية تشكل امتدادا في الشكل لرواياتها السابقة ضمن السلسلة خاصة "جريمة على حافة البحيرة"، و"جريمة في الظلام"، لكنها في المضمون تأخذنا إلى نهاية مفتوحة، نطوي الصفحة الأخيرة ويبقى في جعبتنا عديد من الأسئلة التي تكثر إجاباتها وتتنوع كل حسب قراءته. ترجمت الرواية إلى أكثر من 25 لغة ونالت عديدا من الجوائز العالمية. وتولت مهمة ترجمتها إلى اللغة العربية هند عادل وصدرت عن دار العربي للنشر مصر.
الحبكة في سطور
قبل أن تدخل متاهة البحث عن القاتل، تعيش مع "جوندر يومان" الشخصية المحورية في رواية "جريمة العروس الهندية"، رحلة البحث عن زوجة مناسبة، يومان الذي توفي والده وهو صغير وكبر بين امرأتين والدته وأخته ماري، تميز بشخصية انطوائية إلى حد ما، لديه تعلق شديد بوالدته التي أصيبت وهي في الـ70 من عمرها بورم في المخ أفقدها الوعي لفترات متقطعة، ورغم أنها كانت مجرد جسد نائم غير أن روحها كانت تغمره بما يحتاج إليه من حنان ودعم، كان ينتظرها بصبر لكي تعود مجددا ألام التي أحبها وعرفها، وكانت تردد على مسامعه وهي على فراش المرض في المستشفى دائما، "سيحين وقتك أنت فتى طيب يا جوندر ستقابل امرأة مناسبة يوما ما وسترى". تبدأ القصة عندما يقرر يومان الرجل النرويجي التقليدي الذي يعمل في محل لبيع الماكينات الزراعية الزواج، لا يؤمن بطرق الزواج التقليدي، يرى صورة ويقرر على أساسها زوجته المستقبلية، لهذا رفض نصيحة شقيقته بأن يتصفح كتاب صور لفتيات من مختلف أنحاء العالم، لكن رغم اعتراضه على الأسلوب غير أن عينه حفظت جمال المرأة الهندية، لهذا قرر أن يسافر إلى الهند ليختار عروسا مناسبة له، فمبوباي "فيها نساء جميلات بنقطة حمراء على جبهاهن وعيون كحيلة وابتسامة رائعة. نظرت إليه إحداهن من الكتاب فشرد في أحلام جميلة". وجد يومان فتاة أحلامه وتزوجها. عاد أولا إلى وطنه على أن تلحق به، لكنها لم تصل، فيوم وصولها يحدث أمر طارئ يمنعه من الذهاب لاستقبالها في المطار. ينتظرها لكنها لم تأت، وبعد البحث يكتشف مع الشرطة وجودها جثة هامدة في إحدى الغابات. ماتت الزوجة الهندية التي اختارها، أو بالأحرى قتلت، ماذا حدث، وكيف حدث ومن المسؤول عن هذه الجريمة البشعة، ولماذا اختار زوجة يومان بالتحديد؟ أسئلة كثيرة تطرحها الرواية ولا تنهيها بإجابات واضحة، ما يجعل الغموض سرا من أسرارها التي تأخذ القارئ إلى مفترقات متنوعة.
تحول الحلم إلى حقيقة
"لا أحد يحلم مثل جوندر. أغلق عينيه وسرح بعيدا إليها. كانت خفيفة كالريشة بثوبها الأحمر وعينيها العميقتين الداكنتين مثل زجاج أسود، وشعرها المغطى بوشاح مزين بأطراف ذهبية. ستكون أفضل مصادفة أن يقابل هناك امرأة تتحدث الإنجليزية. لا يهم إن كانت شابة أم عجوزا. لا يتوقع الإنجاب، فهو ليس طموحا إلى هذه الدرجة. لكن إن كان لديها طفل فسيعده جزءا من الصفقة. قد يضطر إلى التفاوض هناك"... بهذه الطريقة عبرت "كارين فوسم" عن صفات "يومان"، الذي فعلا فاجأ الجميع وسافر إلى الهند، حلم بزوجة هندية وحقق حلمه، صحيح أنه متريث ولا يبدو متحمسا إلى شيء، لكنه صبور ويسعى إلى هدفه بخطا ثابتة.. قابل وأعجب وتزوج، لكنه لم ينعم طويلا بهذا الزواج، بل دخل عالم الجريمة من باب زوجته، وشارك في عملية البحث عن القاتل والأسباب التي أدت إلى ارتكاب هذا العمل الشنيع. إضافة إلى التشويق، تطرح تلك السلسلة عديدا من الأزمات الاجتماعية، كما تلعب فيها الطبيعة في البلاد دورا حاسما، فمعظم الجرائم تقع داخل قرى صغيرة تحيط بها الجبال والغابات، حقيقة تجعلنا نطرح جدلية علاقة الطبيعية الجغرافية بنمو الروح الشيطانية التي تقتل وتغتصب وتستبيح الحرمات بين ظلمة الغابات واكتظاظ الأشجار.
جوندر يومان البخيل
تبدو شخصية "جوندر يومان" غير نمطية إلى حد كبير، فهو شخص منطو على نفسه، لا يخرج إلا إلى عمله، لا صداقات له، ولا حياة اجتماعية خارج حدود عائلته الصغيرة والدته وأخته ماري، وعندما قرر السفر إلى الهند للبحث عن زوجة، أخفى عن الناس السبب الرئيس لزيارته، حتى إنه تردد في البوح بالسبب أمام نفسه، وكان يقول أمام الآخرين إنه يريد أن يرى العالم، لكن ما يعرف عن يومان أنه شخص غير مبذر إطلاقا، تقريبا لا يخرج ولا يقبل دعوات إلى حفلات الكريسماس أبدا، بل يشغل نفسه في المنزل أو الحديقة أو السيارة. إنه رجل ذو عزيمة يحقق هدفه بهدوء وبطء، فلديه دائما متسع من الوقت. هادئ إلى حد الملل، ويتابع التفاصيل بكل دقتها، دون أن يتفاعل معها. شخصية تجعلك تشك في أن يكون المشتبه الأول بجريمة القتل رغم أنه بقي خارج دائرة الشبهات.
المحقق سيير
ينتمي "المحقق سيير" في الرواية إلى الطراز القديم، يتمتع بمهارات خاصة لكن عيبه الوحيد هو السجائر التي يدخنها طوال الليل، وهو يفكر في القضية التي أمامه. لا شيء يشغل عقله عنها، لا يتهاون في سعيه نحو الحقيقة، وسلاحه ليس مسدسه، لكن إيمانه القوي بالعدالة والتعاطف العميق مع الضحية والرغبة في معرفة كيف يفكر العقل الإجرامي. هو المحقق الذي يشك في كل شيء ويلاحق جميع التفاصيل، ويحاول الإمساك بخيوط عدة قبل أن يبدأ في تحقيقه، فالحقيقة لا تأتي من جهة واحدة، وبرأيه قد يكون أضعف شخص في الرواية هو المجرم المختبئ خلف براءة مقنعة، هذه الشخصية الشكاكة تأخذك إلى دهاليز أسرار العمل البوليسي ويقنعك في مكان ما أن أي شخص وكل شخص يمكن أن يكون الجاني، يومان نفسه، أخته والدته، أهلها، مجتمعها، مجتمعه، المشتبه به هو كل من وطأت قدمه أرض الجريمة حتى لو كان شاهد عيان.
التعاطف مع الجناة
وأنت تبحث كقارئ بين السطور عن مجرم خبيث استغل عروس هندية بريئة وسط الظلام وسفك دمها بأعصاب باردة، تشعر كأنك تتعاطف مع الجاني حتى لو لم تظهر ذلك، وكأنك تبرر فعلته، وتعطيه أسباب تخفف من فظاعة الجرم الذي ارتكبه، ولعل هذه من أبرز سمات "فوسم" في الكتابة، كما تميل فوسم في بناء رواياتها إلى المجتمعات الريفية الصغيرة بدلا من المدن الكبرى، لذا فالجرائم غير معقدة نسبيا، كون المتورطين فيها أناسا عاديين تم دفعهم إلى الحافة، لكن في الأغلب ما تكون هناك عواقب غير متوقعة وتطور مفاجئ في نهايات رواياتها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون