التضخم والفائدة يغيران التوجهات نحو الأوعية الاستثمارية في السعودية خلال 2022

التضخم والفائدة يغيران التوجهات نحو الأوعية الاستثمارية في السعودية خلال 2022

شهد عام 2022 تغيرا واضحا في توجهات المستثمرين نحو الأوعية الاستثمارية في السعودية.
ففي الوقت الذي فقدت فيه بعض الأوعية الاستثمارية التقليدية جزءا من بريقها، دخلت أوعية استثمارية جديدة إلى قائمة اهتمامات السعوديين. فعلى سبيل المثال نجحت الودائع الادخارية -ذات العائد المرتفع- وأدوات الدين السعودية في مقاومة التضخم الذي جاء وسط ارتفاع أسعار الفائدة.
ودفع ارتفاع أسعار الفائدة المستثمرين في السعودية إلى تكثيف بحثهم عن أوعية استثمارية تمنحهم عوائد مرتفعة، بعد اقتطاع نسبة التضخم منها.
وتغيرت تصورات المستثمرين في 2022 بعد أن تقلصت عوائد بعض الأوعية الاستثمارية التقليدية كالأسهم مثلا. وحصد المستثمرون عوائد إيجابية من جراء الاستثمار في الصكوك الحكومية، بعد إضافة معدلات التضخم عن عام 2022.
غير أن ما يسمى "بالعائد الحقيقي" الخاص بالصكوك الحكومية، تقلص 40 في المائة مقارنة بما كان عليه في 2021. وفي الوقت الذي وصف فيه المصرفيون أدوات الدخل الثابت كأصول لم تحظ بدعم المستثمرين نظرا لاضطراب أداء السندات الدولارية في 2022، لا تزال فئة أدوات الدين المقومة بالريال تمنح عوائد أعلى من التضخم في السعودية.
واستمر العائد الحقيقي على أدوات الدين الحكومية، المقومة بالريال، في المنطقة الإيجابية خلال عام 2022، الأمر الذي يصعد بجاذبية أدوات الدخل الثابت تلك في أعين المستثمرين المحليين والدوليين.
وأظهر رصد لوحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، استند إلى بيانات "آي.إتش.إس ماركت"، أن العائد الحقيقي لمؤشر "ايبوكس تداول للصكوك الحكومية بالريال السعودي" قد بلغ 1.56 في المائة بنهاية أكتوبر 2022.
وتعد تلك البيانات إيجابية للمستثمرين في السعودية، حيث إن عوائدهم الاستثمارية لن تتناقص بشكل كبير لمصلحة التضخم خلال الفترة المقبلة. مع العلم أن العائد الحقيقي قد بلغ 2.63 في المائة بنهاية أغسطس 2021، أي أن العائد الحقيقي الحالي قد تقلص 40 في المائة. يذكر أن العائد الحقيقي قد كان سلبيا خلال النصف الأول من 2021.
وأظهر الرصد أن العائد الحقيقي لأطروحات الصكوك العامة والمفتوحة للأفراد والقادمة من الشركات المدرجة قد بلغ 2.50 في المائة. مع العلم أن العائد الحقيقي قد يتجاوز 6 في المائة مع الصكوك عالية المخاطر -ائتمانيا- التي يتم تسويقها عبر منصات "الفنتك" في السعودية.
وأصبح المستثمرون في المملكة يفاضلون بين الأوعية الاستثمارية من أجل تحقيق عوائد مرتفعة، ولا سيما خلال 2023.
وتتوافق تلك المعطيات مع ما يجري في الأسواق المتطورة التي أسهم فيها ارتفاع التضخم في تآكل عوائد الاستثمارات، على سبيل المثال التضخم في الولايات المتحدة فوق 7 في المائة حاليا.
ويقوم المستثمرون في السعودية بتقييم أكثر الاستثمارات التي تمنحهم عائدا فوق 3 في المائة، ذلك لكون أي عائد أقل من نسبة التضخم سيعد "عائدا حقيقيا سالبا".
وفي الوقت الذي تبرز فيه الأسهم والعقار والذهب كخيارات استثمارية شعبوية، برزت على السطح خيارات استثمارية آمنه، متمثلة في الصكوك الحكومية وصكوك الشركات المدرجة -المفتوحة للأفراد- وكذلك الودائع الادخارية، التي قد يصل العائد على الودائع فيها فوق 4.90 في المائة.
الصكوك الحكومية
مع استقرار العائد الحقيقي في"المنطقة الإيجابية" فإن المستثمرين يحصلون بذلك على عائد حقيقي في السوق السعودية، عبر شرائهم أدوات الدين الحكومية، مقارنة بمناطق جغرافية أخرى حول العالم. مع العلم بأن السندات ذات العائد السالب -متركزة في سندات حكومات منطقة اليورو- قد شارفت على الاختفاء وتحول معظمها إلى المنطقة الإيجابية. ففي السابق كان المستثمرون يدفعون لجهة الإصدار من أجل الاحتفاظ بأوراقهم المالية ضمن محافظهم، بل كانوا يخسرون جزءا من أموالهم في حال الاحتفاظ بسندات ذات العائد السالب إلى حين أجل الاستحقاق.
ومنذ أن سجل التضخم 6.1 في المائة في يوليو 2020، تحولت عوائد الصكوك الحكومية إلى النطاق السالب وذلك للمرة الأولى على الإطلاق وبالتحديد منذ طرح السندات الحكومية المقومة بالريال في 2015. ويعد العائد الحقيقي السلبي، الذي حدث في بعض فترات 2020 و2021، طبيعيا في السعودية، حيث يماثل اتجاها شبيها ظهر في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، وهو مدفوع بالتعديل الذي طرأ على نسبة ضريبة القيمة المضافة في منتصف 2020.
وتشهد معظم الاقتصادات الكبرى حول العالم تسارعا للتضخم في الأشهر الماضية مع تعافي الطلب وإعادة فتح الاقتصاد، إضافة إلى أزمة نقص المواد الأولية واضطرابات العرض.
وبحسب بيانات الرصد وصل العائد الحقيقي على أدوات الدين الحكومية للسعودية -وهو العائد الاسمي مطروحا منه التضخم- إلى 1.56 بنهاية أكتوبر. وتباطأ معدل التضخم السنوي في السعودية لأول مرة منذ مايو الماضي، إلى 3 في المائة، خلال أكتوبر 2022، مقارنة بـ3.1 في المائة كان قد سجلها، في سبتمبر من العام نفسه، بحسب بيانات حكومية رسمية.
وبلغ العائد على مؤشر "ايبوكس تداول للصكوك الحكومية بالريال السعودي"، الذي تديره"آي.اتش.إس ماركت" للخدمات المالية مستوى 4.56 في المائة، ما يعد أكثر من معدل التضخم المسجل في 2022.
وحول العائد الحقيقي، فإنه نظريا، في حال بقاء مستويات التضخم في السعودية إلى ما دون العائد السنوي الخاص بمؤشر "ايبوكس تداول للصكوك الحكومية بالريال السعودي"، فإن المستثمرين سيواصلون تحقيق عوائد إيجابية وذلك بعد الأخذ في الحسبان القدرة الشرائية على استثماراتهم. ويتم النظر إلى التضخم من حيث التكلفة التمويلية، إذ يؤثر التضخم في العملة التي تستخدم في الاستثمارات وذلك بسبب العلاقة مع القدرة الشرائية وقيمة التدفقات النقدية التي ستأتي لاحقا.
البحث عن مصادر دخل أخرى
بشكل عام فإن العائد الحقيقي المنخفض على أدوات الدين، في الأسواق الناشئة، يسهم في تحفيز المستثمرين على البحث عن مصادر دخل أخرى تمنح عائدا أعلى من العائد الحقيقي في حال دخوله للمنطقة السالبة، حيث يقوض ارتفاع التضخم العائد الفعلي الذي سيحصل عليه المستثمرون.
وعانت الاقتصادات الكبرى أخيرا ارتفاع معدلات التضخم أعلى من المستهدف، بفعل اضطرابات سلاسل التوريد وتعافي الطلب مع انتهاء تدابير الإغلاق المرتبطة بتفشي وباء "كوفيد - 19 والأزمة الأوكرانية.
من ناحية أخرى، قال جيمس سوانسون، الخبير الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة أبحاث كابيتال ايكونوميكس التي مقرها لندن في البيان الصحافي الذي صدر من شركة الأبحاث في منتصف نوفمبر "إنه من المتوقع أن تتباطأ معدلات التضخم على ما هي عليه الآن في 2023". وتتوقع "كابيتال ايكونوميكس" أن يصل التضخم إلى ما بين نطاق 1.5 في المائة إلى 2 في المائة في 2023.
استند رصد وحدة التقارير الاقتصادية، حول العائد الحقيقي، إلى بيانات على منصة "آي إتش إس ماركت" للخدمات المالية التي تعد واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري.
السندات المرتبطة بالتضخم
في الأرجنتين، يحاول الأفراد التحوط من التضخم عبر نوع آخر من الاستثمارات، حيث أفادت تقارير إعلامية في يونيو 2021 بارتفاع حجم الأموال الموجهة إلى الصناديق التي تستثمر في السندات المرتبطة بالتضخم بنحو 40 في المائة في آخر 30 يوما، ما يرفع إجمالي الصعود منذ بداية العام إلى 340 في المائة.
ويستثمر 23 صندوقا مشتركا في عشرة سندات مرتبطة بالتضخم في الأرجنتين. وحصد المستثمرون في صناديق الاستثمار المرتبطة بالتضخم عوائد 25 في المائة هذا العام، مقابل 11 في المائة لصناديق الدولار و20 في المائة لصناديق السندات بالعملة المحلية.
السندات الحكومية المحمية من التضخم
تم تقديم السندات الحكومية المحمية من التضخم Tips خلال 1981 في المملكة المتحدة، و1997 في الولايات المتحدة. إذا تم الاحتفاظ بها حتى تاريخ الاستحقاق، فإنها توفر عائدا مساويا لعائد السندات الحقيقي الحالي، إضافة إلى معدل التضخم الفعلي. فهي، بحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز"، خالية من مخاطر التخلف عن السداد، حتى في حال التضخم المفرط، لذا فهي تحوط جيد طويل الأجل ضد موجة تضخمية كبيرة.
توفر السندات الحكومية المحمية من التضخم حماية ممتازة ضد التضخم المرتفع للغاية على المدى الطويل، إلا أنها يمكن أن تكون متقلبة للغاية على مدى فترات أقصر من وقت الاستحقاق لأن العائدات الحقيقية يمكن أن تتغير بشكل حاد.
تآكل جاذبية الأسهم
كانت "فاينانشيال تايمز" قد نشرت تقريرا لها في سبتمبر 2022 أشارت فيه إلى أن ارتفاع العائد الحقيقي على السندات السيادية الأمريكية "بعد استقطاع نسبة التضخم" قد أدى إلى تآكل جاذبية الأسهم في "وول ستريت".
وبلغ العائد على سندات الخزينة المحمية من التضخم لأجل عشرة أعوام 1.2 في المائة خلال سبتمبر 2022، ارتفاعا من سالب 1 في المائة تقريبا في بداية 2022، حيث يراهن المتداولون على أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة بشكل كبير ويبقيها مرتفعة لأعوام مقبلة في الوقت الذي يحاول فيه تهدئة التضخم.
تتم متابعة العائدات الحقيقية من كثب في "وول ستريت" ومن قبل صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي، كونها توفر مقياسا لتكاليف الاقتراض للشركات والأسر، إضافة إلى مقياس للحكم على القيمة النسبية لأي عدد من الاستثمارات.
تراجعت هذه العائدات إلى عمق المنطقة السلبية في ذروة جائحة فيروس كورونا، حين خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد، ما دفع المستثمرين نحو الأسهم والأصول الخطرة الأخرى بحثا عن العوائد. وقد انعكس ذلك الآن مع تشديد البنك المركزي الأمريكي سياسته بوتيرة سريعة.
تتعرض الشركات سريعة النمو التي قادت الانتعاش في "وول ستريت" من أعماق أزمة فيروس كورونا في 2020 لضغوط كبيرة من ارتفاع العائدات الحقيقية. ذلك لأن العائدات الحقيقية المرتفعة تقلل -أو "تخصم"- من قيمة الأرباح التي يتوقع أن تولدها هذه الشركات بعد أعوام من الآن في النماذج التي يستخدمها المستثمرون لقياس مدى ارتفاع أسعار الأسهم.
ديون الأسواق الناشئة بالعملات المحلية والتضخم
ترى شركة "بيمكو" أن ديون الأسواق الناشئة بالعملات المحلية يمكن أن توفر للمستثمرين فرصة ذات عائد مرتفع مع مخاطر منخفضة، بسبب الفارق الحاد بين معدلات الفائدة الحقيقية مع الدول المتقدمة. وقالت شركة الاستثمار عبر مدونة، "إنه في الوقت الذي تقوم فيه البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بتعديل سياستها لمكافحة التضخم، تسبب النهج المتنوع وتوقيت التحركات في إيجاد فروق مرتفعة بين معدلات الفائدة الحقيقية في الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة".
وأضاف التقرير المنشور في يونيو 2022 "نعتقد أن هذا يمكن أن يوفر للمستثمرين فرصا لتحقيق عوائد عبر الديون المحلية في الأسواق الناشئة".
وأشارت "بيمكو" إلى أن الفارق بي معدلات الفائدة الحقيقية في الأسواق الناشئة والدول المتقدمة أصبح مرتفعا بشكل غير معتاد، ما قد يوفر فرصة نادرة لعائد محتمل للمستثمرين.
وفي 2021 بدأ التضخم يصبح بمنزلة العدو للمستثمرين في الأصول ذات الدخل الثابت، حيث توفر القسائم المتضائلة حماية صغيرة ضد العائدات المتصاعدة، وفقا لتوقعات "بلومبيرج إنتليجنس". ويؤدي التضخم إلى تآكل قيمة المدفوعات الثابتة للسندات الدولارية.
الصكوك الادخارية للأفراد
في أغسطس 2022، وقعت وزارة المالية والمركز الوطني لإدارة الدين مذكرة تفاهم مع شركة الأهلي المالية لتطوير وإطلاق الصكوك الادخارية للأفراد وتحفيزهم على الادخار للتخطيط الأفضل للمستقبل، وبحث شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص.
ويأتي توقيع المذكرة تعزيزا للتعاون القائم بين الوزارة والمركز وشركة الأهلي المالية، ولتعزيز مفهوم الادخار في المملكة عبر تطوير وإطلاق الصكوك الادخارية للأفراد، وذلك ضمن الأعمال المرتبطة ببرنامج تطوير القطاع المالي "أحد برامج رؤية المملكة 2030" المتمثلة في تعزيز وتمكين التخطيط المالي.

وحدة التقارير الاقتصادية

الأكثر قراءة