الدلتا .. أغنى منطقة زراعية في مصر تعاني تحولات الطقس

الدلتا .. أغنى منطقة زراعية في مصر تعاني تحولات الطقس

أخذ سعيد أبوالسعود، مزارع في دلتا النيل في مصر، قبضة من الطين وعصرها بين أصابعه، وقال "لم أسق هذه الأرض منذ أكثر من شهر، لكن انظروا إلى مدى رطوبتها".
بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية في مزرعته في قرية كفر البطيخ، قرب ساحل البحر المتوسط، اضطر إلى اقتلاع 80 شجرة جوافة متضررة، وقتل شجيرات نخيل صغيرة حاول زراعتها بديلا عن الجوافة.
يقول خبراء "إن تغير المناخ مسؤول جزئيا عن المشكلات التي يواجهها أبوالسعود وكثير من جيرانه في الدلتا التي يقطنها 40 مليون شخص، وتعد أغنى منطقة زراعية في مصر".
مصر التي تستضيف منذ نحو أسبوع مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، "كوب 27"، الهادف إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، "معرضة بشدة" لتغير المناخ، وفقا لتقارير استشهد بها البنك الدولي. يقطن هذه الدولة القاحلة 110 ملايين شخص، وتعتمد في الأغلب على نهر النيل للحصول على المياه، وتعاني بالفعل نقص إمدادات المياه.
خمس القوى العاملة في مصر يعمل في الزراعة، وهي قطاع من المتوقع أن يتحمل العبء الأكبر من ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر وتسرب المياه المالحة إلى طبقة المياه الجوفية تحت الدلتا إلى تفاقم مشكلات تصريف مياه الري وتدهور التربة، بحسب مسؤولين وعلماء.
قال علي أبوسبع، المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، وهو مجموعة بحثية "يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى انخفاض مردود المحاصيل الزراعية في مصر بنسبة تراوح بين 15 و20 في المائة بحلول عام 2050"، وأضاف "يرجع هذا أساسا إلى ارتفاع محتمل في درجات الحرارة، وإلى تدهور محتمل للتربة بسبب تدهور جودة المياه".
بحسب الخبراء، هذا الانخفاض سيؤثر في الأمن الغذائي المحلي وفي المحاصيل المعدة للتصدير. وتمثل الزراعة نحو 11.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع البنك الدولي أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى خسارة جزء كبير من دلتا النيل.
تعاني مصر بالفعل زيادة في موجات الحر المتكررة ومن المتوقع أن تتفاقم العواصف الرملية مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، بحسب محمد علي فهيم، رئيس قسم التغير المناخي في وزارة الزراعة المصرية.
أشار فهيم وآخرون إلى أن نصيب الفرد من المياه يبلغ 560 مترا مكعبا، أي أقل من خط الفقر المائي المحدد دوليا بألف متر مكعب للفرد. وتحاول مصر زيادة مواردها المائية الشحيحة عبر معالجة مياه التصريف الزراعي وإعادة استخدامها وحتى معالجة مياه الصرف المنزلية واستخدامها للري. وتمثل الزراعة نحو 80 في المائة من استهلاك المياه، ومع ازدياد درجات الحرارة بسبب تغير المناخ، من المتوقع أن تزداد احتياجات البلاد من المياه.
قالت أتيكا بن ميد، رئيسة الموارد الطبيعية والبيئة والتمويل المستدام في وكالة التنمية الفرنسية في القاهرة "سيكون هناك مزيد من التبخر من نهر النيل وحاجة إلى مزيد من مياه الري، لأنه سيكون هناك مزيد من التبخر من النباتات". وتمول الوكالة جزئيا توسعة محطة معالجة مياه الصرف الصحي المحلية في الجبل الأصفر، التي تعد الأكبر في إفريقيا.
ويشكل نهر النيل محور نزاع مع إثيوبيا، التي شيدت سدا ضخما لتوليد الكهرباء على النيل الأزرق، الرافد الذي تأتي منه معظم مياه نهر النيل. ورفضت أديس أبابا دعوات من جانب القاهرة إلى إبرام اتفاقية ملزمة قانونا لتنظيم تصريف المياه من السد، ولا سيما خلال أعوام الجفاف.
قالت آنا إليسا كاسكاو، المؤلفة المشاركة لكتاب "سد النهضة الإثيوبي الكبير وحوض النيل"، "مع أو بدون سد النهضة، سيتعين على مصر الشروع في إصلاحات كبرى ومنهجية في قطاع الزراعة، وسيكون التحدي الأكبر للحكومة هو ما سيحدث لصغار المزارعين وسبل عيشهم".
وبالفعل، تقدم الحكومة قروضا منخفضة الفائدة لصغار المزارعين لمساعدتهم على تركيب أنظمة ري حديثة والابتعاد عن النمط التقليدي للغمر الذي فيه إغراق سطح الحقل بالكامل بالمياه. كما تقوم بتبطين القنوات بالأسمنت لمنع التسرب وتعمل على إدخال أصناف من البذور أكثر تحملا للحرارة والظروف الجافة.
شمالي الدلتا، يشكو المزارعون الصغار من انخفاض المردود وتكلفة التربة الجديدة والأسمدة لمواجهة الملوحة وارتفاع مستوى المياه الجوفية. قال رفيق القوقري، مزارع "هناك أشخاص توقفوا عن الزراعة. التكاليف مرتفعة وليس هناك هامش ربح. لقد كنا هنا المنطقة الأولى للجوافة قبل عشرة أعوام، لكن الأشخاص الذين يزرعونها الآن أقل بكثير".
من جانبه، أشار فهيم إلى أن موجات الحرارة غير الموسمية تسببت في تلف محاصيل مثل الزيتون والمانجو وأحيانا حتى القمح والخضراوات، وقال "في الأعوام العشرة الماضية يبدو أننا نواجه مشكلة كبيرة كل عام أو عامين، ومعدل تكرار هذه الظواهر آخذ في الازدياد".
خليل نصرالله، مدير شركة الوادي للصناعات الغذائية، يزرع في الغالب الزيتون في مزرعته التي تبلغ مساحتها 4500 فدان على أرض صحراوية مستصلحة على الحافة الغربية للدلتا. الطقس غير المعتدل في نيسان (أبريل) يعني أن المردود سيكون نحو ثلث ما ينبغي أن يكون عليه هذا العام. هذا العام الثاني على التوالي الذي ينخفض فيه المحصول.
أدى هذا الاضطراب إلى إخفاق الشركة في شحن إنتاجها في الوقت المحدد "ولم تحصل على الجودة والسعر المناسبين"، وقال "الوضع الطبيعي الجديد الحقيقي الآن هو الطقس غير المتوقع".

الأكثر قراءة