الأمراض الوبائية: اختبار حدود المسؤولية الاجتماعية للشركات
ما مدى المسؤولية التي تدين بها الشركة للمجتمع وما النقطة التي تنتهي عندها هذه المسؤولية؟ هذا هو السؤال الذي تم إلقاء الضوء عليه في واحدة من دراسة حالات المسؤولية الاجتماعية للشركات بعنوان محاربة الإنفلونزا: تخزين مطعوم تاميفلو: سياسة الاستعداد لمواجهة الأوبئة.
تلقي دراسة الحالة هذه الضوء على التدابير التي اتخذتها شركة روشيه السويسرية للصناعات الدوائية لضمان توافر كميات كافية من مطعوم تاميفلو الذي تصنعه لمكافحة مرض الإنفلونزا في سائر أنحاء العالم لمواجهة وباء الإنفلونزا المقبل.
ويعتبر تاميفلو واحداً من العقاقير القليلة الفعالة ضد فايروس إنفلونزا الخنازير الذي تم اكتشافه بداية في المكسيك والتعرف عليه بتاريخ 24 نيسان (أبريل). وخلال بضعة أيام، انتقل هذا الفيروس إلى إسبانيا، والولايات المتحدة، ونيوزيلندا، وإسرائيل، ويعتقد أنه موجود في العديد من البلدان الأخرى. وقد رفعت منظمة الصحة العالمية درجة الاستعداد لديها إلى الدرجة الخامسة التي تعني أن هذا المرض يمكن أن ينتقل من الإنسان إلى الإنسان.
يقول لوك فان فاسينهوف، أستاذ إدارة العمليات في إنسياد وأحد المشاركين في إعداد دراسة حالة شركة روشيه في عام 2008 إلى جانب رامينا سامي، مساعدة البحث الزائرة في انسياد:" تعتبر دراسة حالة شركة روشيه من الدراسات المهمة بشكل خاص لأنه كان وضعاً غريباً جداً أن تدخل شركة على الخط. وكونها الشركة الوحيدة التي يوجد لديها هذا العقار يضعها في موقف صعب جداً".
#2#
ما مدى صعوبة هذا الموقف؟ افترض أن شركة روشيه كانت قادرة على توفير عقار تاميفلو ولكنها لم توفره. والآن افترض أن هناك وباء إنفلونزا وأن 50 مليون شخص يموتون نتيجة عدم تمكنهم من الحصول على هذا العقار . سوف يشكل هذا نهاية لهذه الشركة الدوائية.
لحسن الحظ أن شركة روشيه اتخذت الإجراءات اللازمة لضمان توافر الإمدادات من هذا العقار. ويتضمن هذا تأسيس شبكة لتصنيعه في سائر أنحاء العالم على نفقتها الخاصة لضمان قدرتها على تلبية ما كان طلباً افتراضياً عليه فحسب.
والسؤال هو:" كم يتعين على الشركة أن تفعل أكثر من ذلك لمواجهة المسؤولية الاجتماعية المترتبة عليها"؟ يتساءل فان فاسينهوف، أستاذ كرسي هنري فورد للتصنيع والمدير الأكاديمي لمركز الابتكار الاجتماعي التابع لإنسياد." إن الشركات ليست هيئات خيرية".
وحاولت شركة روشيه ابتداء من أواخر تسعينيات القرن الماضي أن تجعل مختلف الحكومات تهتم بالاستعداد لوباء الإنفلونزا. ولكن جهودها وقعت على آذان صماء. في تلك الأثناء، تم طرح عقار تاميفلو عالميا في عام 1999 كعقار مضاد للإنفلونزا الموسمية. وكانت شركة روشيه تنتج 20 مليون جرعة من هذا العقار سنوياً. وكان ذلك قبل إنفلونزا الطيور التي بدأت في الظهور بعد ذلك بوقت قصير في آسيا.
ورغم عدم اهتمام الحكومات، قررت شركة روشيه أن تضاعف طاقتها الإنتاجية من العقار من 20 مليون جرعة إلى 55 مليون جرعة. وفي عام 2005، استفسرت الحكومة الأمريكية من شركة روشيه عن قدرتها على تزويدها بـ 200 مليون جرعة من تاميفلو. وعلى أثر ذلك، قررت الشركة مضاعفة إنتاجها إلى 400 مليون جرعة في نهاية عام 2006.
ولم تكن لدى روشيه القدرة الذاتية على القيام بذلك، ولذلك تعين عليها أن تستعين بموردين خارجيين. وقد حددت هؤلاء الموردين من شتى أنحاء المعمورة، وفي النهاية أصبحت مجموعة مكونة من 18 شركة في عشرة بلدان جزءاً من شبكة روشيه. تحملت روشيه كامل تكاليف إنشاء هذه الشبكة، بما في ذلك الاستثمارات الرأسمالية، وأنشطة النقل الفني، وعمل تسجيل المؤهلات، والتقدم بالطلبات التي تقضي بها الأنظمة، وما إلى ذلك.
ولم تقف الشركة عند هذا الحد. فقد أضافت روشيه مورّداً آخر في كل منطقة من سلسلة الإمداد ومنحت تراخيص فرعية لثلاث شركات في الصين والهند. كما شاركت في المعرفة الفنية مع إحدى الشركات في جنوب إفريقيا. وإضافة إلى ذلك، ولأن الإنفلونزا لا تخضع لحماية براءات الاختراع، تستطيع البلدان غير المتقدمة أن تصنع نسخاً مقلدة لعقار تاميفلو من دون أن يشكل ذلك انتهاكاً لبراءات الاختراع الخاصة بشركة روشيه.
وفي آب (أغسطس) 2005، وافقت شركة روشيه على التبرع بثلاثة ملايين جرعة من العقار لكي يتم تخزينه في الولايات المتحدة وسويسرا . وقد أثبتت الدراسات أن هذا المخزون يمكن أن يوقف الوباء في منشئه. وفي كانون الثاني (يناير) 2006، وافقت روشيه على التبرع بمليوني جرعة أخرى لتخزينها في مناطق معينة.
زال فتور الحكومات للاستعداد بعد الوفيات والذعر اللذين تسببت بهما إنفلونزا الطيور، ففي أوائل عام 2007، تلقت شركة روشيه طلبيات من نحو 80 بلداً لتزويدها بـ 200 مليون جرعة من عقار تاميفلو. وقررت روشيه أيضاً تطوير طريقة لإطالة صلاحية مفعول العقار إلى أكثر من خمسة أعوام.
ويقول فان فاسينهوف:" بما أن روشيه قامت بهذا الاستثمار كله تقريباً كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، تكون روشيه قد فعلت ما كان ينبغي أن تفعله. لقد كان ذلك ضرورياً من أجل سمعة الشركة لأنه كان هناك خطر كبير على أن تتخذ سمعة الشركة غير الناشطة. ولكن هل يتعين عليها أن تواصل دفع تكاليف صيانة تلك الطاقة" أم أنه ينبغي على المجتمع الدولي والحكومات أن تدفع هذه التكاليف؟".
وهناك أسئلة كثيرة حول المدى الذي تمتد إليه مسؤولية شركة روشيه تجب الإجابة عليها قبل أن يستطيع العالم أن يقول إنه مستعد لمواجهة وباء الإنفلونزا . فعلى سبيل المثال، هناك بلدان تستطيع أن تدفع ثمن هذا العقار، وبلدان لا تستطيع ذلك. فهل تعتبر شركة روشيه مسؤولة عن توفيره للسكان الفقراء بسعر أقل أو بالمجان؟
ومن يحصل على الدواء أولاً؟ في حالة انتشار المرض على نطاق واسع، ستكون هناك حاجة إلى أطباء وممرضين ومستشفيات، وبالتالي يعتبر هؤلاء أولويات واضحة للمباشرة في المعالجة في وقت مبكر. وماذا عن الشرطة والجيش؟ قد تكون هناك حاجة إليهم للمحافظة على الأمن العام. هل تتذكرون ما جرى في أعقاب الإعصار كاترينا؟
"هل نحن مستعدون لمواجهة وباء كبير"، يتساءل فان فاسينهوف". الجواب هو لا. إذا لم يحدث الكثير منذ إطلاق التحذيرات السابقة. لسنا مستعدين لأنه لا توجد لدينا أنظمة جاهزة تمكن مختلف بلدان العالم من الرد على الوباء واتخاذ التدابير الصحيحة من دون الدخول في حالة من الذعر.
"في وقت من الأوقات، يجب على الحكومات أن تتحمل مسؤوليتها، ويتعين على المجتمعات المحلية أن تتحمل مسؤوليتها، ويجب على الأفراد أن يتحملوا مسؤوليتهم. إذا تحملنا جميعاً مسؤوليتنا بصورة جماعية وفكرنا في الاستعداد، فإننا نستطيع أن نصمم أنظمة تجعلنا أكثر مرونة عندما يحدث أمر من هذه الأمور".
لقد وجد هذا التقييم صدى له لدى الخبراء في الصحة وفي هذه الصناعة الذين تحدثوا في مؤتمر عقد الشهر الماضي في جنيف واستضافته رابطة خريجي انسياد في سويسرا. وقد تحدث في ذلك المؤتمر كل من Guenael Rodier، مدير تنسيق الأنظمة الصحية في منظمة الصحة العالمية، وديفيد ريدي، رئيس قوة المهمات العالمية الخاصة بوباء الإنفلونزا في شركة روشيه الدوائية، وبارشانت باداف، أستاذ إدارة سلاسل الإمداد في برنامج MIT Zaragoza International Logistics.
ويقول باداف، وهو أيضاً أستاذ زائر في مركز الابتكار الاجتماعي التابع لإنسياد:" في ضوء عدم وجود سلسلة إمداد فعالة لتسليم العقاقير أو المطاعيم في البلدان ذات الدخل المتدني والمتوسط، وفي ضوء طبيعة الأزمة المقبلة التي سوف تتأثر بها جميع البلدان بسبب زيادة الأسفار والتعاملات التجارية، لن يكون بالإمكان توزيع أو تسليم العقاقير أو المطاعيم بسرعة. ولذلك، سوف يتعين استخدام طرق توزيع جديدة تماماً وخاصة في البلدان النامية".