ثقافة وفنون

سالي روني.. روائية صاعدة أم نجمة إنترنت عابرة؟

سالي روني.. روائية صاعدة أم نجمة إنترنت عابرة؟

سالي روني.. روائية صاعدة أم نجمة إنترنت عابرة؟

سالي روني

تتجه الروائية الأيرلندية سالي روني (31 عاما)، عملا تلو آخر، نحو فرض اسمها في قائمة كبار الأدباء في القرن الـ21، بعدما نجاحها في دخول غمار التنافس على عدد من الجوائز "قائمة البوكر، ديلان توماس، المرأة للخيال، فوليو ..."، وأحيانا الظفر بالبعض منها "جائزة الرواية الأيرلندية، جائزة كوستا، جائزة أنكور..." نظير ثلاثة أعمال روائية، خلال خمسة أعوام، منذ دخولها فعليا غمار الكتابة الروائية.
استهلت الكاتبة الشابة باكورة أعمالها الإبداعية برواية "محادثة مع الأصدقاء" 2017 التي كانت محط منافسة، عن طريق المزاد، بين سبع دور للنشر لشراء حقوقها. وتطلب تحريرها، في 2014، من المؤلفة ثلاثة أشهر من العمل فقط، وكانت حينها لا تزال طالبة جامعية في كلية ترينتي في دبلن، قصد الحصول على درجة الماجستير في الأدب الأمريكي.
أواخر 2018، ستعود المبدعة برواية "أناس عاديون" التي مكنتها من تعزيز اسمها في الساحة الأدبية، بفضل النجاح اللافت الذي حققته. ولا سيما أنها كانت بمنزلة اختبار حاسم في مسيرة المؤلفة، فالكتاب الثاني يعد دليلا على مؤهلات وقدرات الكاتب الإبداعية. وهذا ما نجحت روني في إثباته إلى حد كبير، بحصد هذا العمل عددا من الجوائز أولا، وتحويل إذاعة "بي بي سي" الرواية إلى مسلسل تلفزيوني، حظي بمنزلة أزيد من 60 مليون مشاهد.
واصلت المسار الإبداعي، بإصدارها العام الماضي، رواية "أيها العالم الجميل، أين أنت؟"، مقتبسة العنوان من قصيدة الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك شيلر "1759-1805"، في انسجام تام مع مشروعها الكتابي المتعلق بالرواية الاجتماعية، فأعمالها تتمحور حول جوهر العلاقات الإنسانية، فلا تترد في فضح تناقضات المجتمع، وكشف نواقصه وفضائحه، مبرزة الهوة بين الواقع الحقيقي والعوالم المزيفة، بأسلوب أدبي يجاري السائد بتوخي السهولة والبساطة، ما أتاح لها الانتشار الواسع في صفوف الشباب.
نجحت "كلاسيكية المستقبل"، على حد وصف شبكة "فوكس" التلفزيونية، بشخصياتها العادية وأحداثها البسيطة ولغتها المألوفة في إثارة انتباه شريحة عريضة داخل المجتمع، ولا سيما الشباب، في زمن الثورة الرقمية وسطوة الصورة وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، حتى قيل إن "الفن الروائي عثر على معادل موضوعي فقد كثيرا خلال عقود الحداثة وما بعدها".
لا تبتعد روني في عوالمها الروائية عن القضايا الاجتماعية وفي مقدمتها مشكلات الشباب وهموم الطبقة الوسطى وعوالم الصراع الاجتماعي، وما تولد عن ذلك من مظاهر سلبية، مثل العنف والألم والقهر والقلق والتوتر والخضوع... فأبطال رواياتها يكادون يطابقون شخصيات الحياة المعاصرة، الأمر نفسه يسري على الزمن في المتن الروائي الذي يطابق الزمن الراهن بتفاصيله وتعقيداته وسرعته وتطوره.
اختارت الكاتبة "ماريان" و"كونيل" بطلين لرواية "أناس عاديون"، لحبكة تيمها الحب في العلاقات الإنسانية داخل العائلة، وبشكل أوسع في المجتمع. وتذهب بعيدا في إظهار الاضطراب الذي يطبع العلاقات بين أبناء الجيل الحالي، نتيجة تأثير الأوضاع الاجتماعية والأصدقاء والعائلة.. في الاختيارات الشخصية. في المقابل، لا تنفك تؤكد أهمية هذه القيمة الإنسانية النبيلة، وقدرتها الخلاقة على إكساب الفرد مكانة في الحياة، وداخل المجتمع.
تصر الكاتبة على أن تكون "صوت جيل الألفية" بجعل أبطالها ناطقين باسم جيلها، فاختارت في أحدث رواياتها أربع شباب "أليس، فيليكس، أيلين، سيمون" من طبقات اجتماعية مختلفة، شخصيات رئيسة لرواية "أيها العالم الجميل، أين أنت؟"، ينسجون علاقات مستغلين ما يجود به الزمن الراهن من تقنية وشبكية للتعارف والتواصل والنقاش حيال مشكلات العصر "الحب، المال، الدين، الإجهاض، الحرية..." بحثا عن الجمال في الحياة.
يصنف فصيل من النقاد هذا النوع من الروايات في خانة "الرواية الترفيهية"، فالعناية الإعلامية والانتشار السريع والشهرة لصاحبها لا تتناسب مطلقا مع لب المتن السردي. لكل ذلك، يرى هؤلاء الأمر زوبعة في فنجان أو سحابة صيف عابرة، لافتقاد هذه الروايات إلى العمق الفكري، فدورها ترفيهي عارض، شبيه بالأكلة السريعة التي تسلي الجوع فقط، دون أن تقضي عليه.
خلاف ذلك، يؤكد نقاد أخرون أن وراء السطحية في الموضوعات والاختزالية في الأسلوب رؤية فلسفية كامنة، فالكاتبة الأيرلندية ماركسية حتى النخاع. وهذا سبب كاف لتفسير حضور الصراع الطبقي "الأغنياء/ الفقراء" في رواياتها، فالفجوة الطبقية قضية مهمة يواجهها جيل الألفية الثالثة. وانكشفت تلك الرؤية بوضوح، في الموضوعات المثارة والأحاديث الدائرة بين شخصيات الرواية "الرأسمالية، أزمة المناخ، اليمين المتطرف...". كما تعكس علاقات السلطة والثروة المعتمدة على الظروف الاجتماعية والاقتصادية للشخصيات.
واختار غيرهم الابتعاد عن إصدار الأحكام المسبقة في وقت مبكر، فالزمن كفيل بإنصاف روني، وفضلوا مقابل ذلك قراءة الأعمال الأدبية للمبدعة في ضوء المدارس الأدبية، معتبرين أن الشابة الأيرلندية وثيرة سر الروائي البريطاني/ الأمريكي هنري جيمس "1834-1916"، والوفي إلى حد بعيد لنهج رائدة الواقعية الأدبية البريطانية جاين أوستن "1775-1817". ففي أعمال هذه الشابة تمتزج النزعة الكلاسيكية بالرؤية الحداثية، لتنسج حكايات عن الألفية الثالثة، مثيل ما تسرده روايات القرن الـ19.
أخيرا، أوجدت الكاتبة الحدث ما سلط الأضواء عليها مزيدا من الأضواء، حين رفضت ترجمة إصدارها الأخير إلى اللغة العبرية، مفضلة عدم بيع حقوق الترجمة لدار نشر مقرها إسرائيل. فنظام الهيمنة والتمييز الذي تمارسه هذه الأخيرة ضد الفلسطينيين، بحسب الكاتبة، يتوافق مع تعريف الفصل العنصري بموجب القانون الدولي". ما جر عليها هجوما شرسا داخل الأوساط الصحافية والإعلامية الغربية، فقد عدت الناقدة الأمريكية روث فرانكلين أن "روايات سالي روني متوافرة باللغتين الصينية والروسية، ألا تهتم لأمر الإيغور؟ أو للصحافيين الذين يتحدون بوتين؟"، في محاولة لإظهار تناقض الكاتبة في مواقفها.
وعد الصحافي البريطاني كريستوفر هارت أن الإيديولوجيا اليسارية وراء موقف روني، "الكاتبة الماركسية سالي روني ترفض ترجمة روايتها الجديدة إلى العبرية بسبب معتقداتها اليسارية حول إسرائيل، لكنها سعيدة جدا برؤيتها تباع في الصين القمعية". وتساءل صحافي آخر "لماذا تقاطع إسرائيل وليس الصين؟ أم أنه ربما لا يتعلق الأمر بحقوق الإنسان على الإطلاق؟".
بلا خلفية نقدية أو سياسية تجاه أعمال المبدعة الأيرلندية سالي روني، يجد القارئ نفسه أمام رواية بعبق حنين إلى الماضي، فقوة المتن الروائي لدى روني تكمن في بساطة تزج به في التعقيد، لدرجة أن القارئ يجد نفسه كلما تقدم في الصفحات في مراوحة بين سرد من الزمن الحاضر بقالب ولبوس من الحقب الغابرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون