استراتيجيات الخروج للبنوك المركزية .. المخرج من هنا
إن أول قاعدة للبقاء على قيد الحياة بالنسبة لرجل الإطفاء هي "اعرف أين المخرج". ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لمكافحة الحرائق المالية. ومع أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا يعتزم الخروج في وقت قريبا، إلا أنه يخطط للخروج من التدابير الاستثنائية التي اتخذها لتحرير أسواق الائتمان وتعزيز الطلب.
ويتعرض مجلس الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الأخرى لضغوط متزايدة لشرح استراتيجية للخروج من أجل تهدئة المخاوف من أن تؤدي سياساته إلى التضخم. وفي الثاني من حزيران (يونيو)، شنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، هجوم على مجلس الاحتياط الفيدرالي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي بسبب سياساتهم النقدية المتساهلة. وأحرجت نوبة غضب ميركل، التي خرجت عن التقاليد السياسية الألمانية بعدم التعليق على أفعال البنوك المركزية المستقلة، البنك المركزي الأوروبي، الذي كان من المقرر أن يعلن في الرابع من حزيران (يونيو) عن تفاصيل خطة شراء سندات مغطاة بقيمة 60 مليار يورو (86 مليار دولار). إلا أن معظم انتقاداتها الحادة كانت موجهة لأهداف أخرى. وقد قالت: "لدي شكوك عميقة فيما يتعلق بمدى أفعال مجلس الاحتياطي الفيدرالي والطريقة التي رسم بها بنك إنجلترا خطه في أوروبا".
وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو أكثر من أثار انزعاج ميركل ومنتقديه الآخرين حين قال في الثامن عشر من آذار (مارس) إنه سيشتري سندات خزانة بقيمة 300 مليار دولار بحلول أيلول (سبتمبر)، إضافة إلى 200 مليار دولار من السندات التي أصدرتها Fannie Mae وFreddie Mac، شركتا التمويل الإسكاني الأمريكيتان العملاقتان، فضلا عن 1.25 تريليون دولار من سنداتهما المدعومة بالقروض العقارية بحلول كانون الأول (ديسمبر). وتهدف صفقات الشراء إلى تخفيض أسعار الفائدة طويلة الأجل، وقد فعلت ذلك في البداية. وانخفضت عوائد سندات الخزانة لمدة عشر سنوات إلى 2.5 في المائة بعد أن كانت 3 في المائة. ولكن بحلول الثالث من حزيران (يونيو)، ارتفعت ثانية إلى 3.5 في المائة.
وتعود بعض تلك الزيادة في الواقع إلى ارتفاع التوقعات التضخمية. وتعني السندات المحمية من التضخم الآن تضخما مستقبليا بنسبة 2 في المائة، بعد أن كان يقارب الصفر في نهاية العام الماضي، وذلك وفقا لبنك باركليز. وفي الثالث من حزيران (يونيو)، قال بن بيرنانك، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إن بعض هذه الزيادة يعود إلى القلق بشأن ارتفاع الاقتراض الحكومي.
إلا أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يعزو معظم الزيادة في العوائد إلى تخلي المستثمرين عن سندات الخزانة الآمنة وتوجههم إلى الاستثمارات الأكثر خطورة مع زيادة التفاؤل الاقتصادي. وليس هذا بحد ذاته سبب لكي يزيد مجلس الاحتياطي الفيدرالي من شراء السندات، وهو الخيار الذي أبقاه مفتوحا. ويقول William Dudley، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك: "كان الهدف الأساسي من البرنامج هو تخفيض أسعار القروض العقارية وتوليد موجة أخرى من إعادة التمويل، وهذا ما حدث بالفعل. ومع ذلك، إذا كان الخيار هو بين إبقاء أسعار القروض العقارية أقل لفترة أطول أو إحداث انتعاش، فسأختار الخيار الثاني". ولكن قد يكون هناك بعض المنطق في قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالتخطيط لصفقات شراء إضافية أصغر لتجنب حدوث ارتفاع حاد في العوائد حين ينتهي البرنامج الحالي.
وقد موّل مجلس الاحتياطي الفيدرالي صفقات شراء القروض والأوراق المالية في العام الماضي عن طريق إيجاد احتياطيات جديدة للنظام المصرفي (أي طباعة المال). وزادت الاحتياطيات إلى حد كبير، لتصل إلى نحو 900 مليار دولار الآن بعد أن بلغت 11 مليار دولار خلال العام حتى أيلول (سبتمبر). ويعد الكثير من المحللين هذه الاحتياطيات الفائضة مجموعة من الوقود التضخمي الذي ينتظر الاشتعال جراء الطلب على الائتمان.
ويرى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن هذا التحليل ناقص ويحتوي على عيوب. فهو يعتبر الاحتياطيات الفائضة مشكلة فقط إذا أضعفت قدرته على رفع سعر الأموال الفيدرالية حين تدعو الحاجة لذلك. وقد تقلص هذا الخطر الآن بما أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي حصل في أيلول (سبتمبر) على صلاحية دفع الفائدة على الاحتياطيات، مثلما تستطيع البنوك المركزية الرئيسية الأخرى منذ زمن طويل. ومن المفترض نظريا أن يدعم هذا سعر أموال مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ويجب ألا تقرض البنوك الاحتياطيات الفائضة بنسبة 1 في المائة مثلا إذا كانت تستطيع الحصول على 2 في المائة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
ومع ذلك، لا يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يكون على يقين من أن دفع الفائدة سيسير كما هو مخطط له، لذا سيرغب أيضا في أن يكون قادرا على الحصول على بعض الاحتياطيات. وقد تم إيجاد بعضها من قبل القروض الكثيرة جدا من مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى البنوك، ومصدري الأوراق التجارية، وغيرهم، لفك جمود أسواق الائتمان. وتفرض تسهيلات السيولة هذه على المقترضين غرامة، ما يجعلها أقل جاذبية كعائدات ائتمان خاصة. وهذا ما يحدث الآن، وقد بدأت تسهيلات السيولة في التقلص. ويمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي التعجيل بهذه العملية عن طريق زيادة الغرامات.
وسيكون من الأصعب إدارة مقتنياته المتزايدة من الأوراق المالية. ويمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ببساطة أن يبيعها، ولكنه من شأن هذا أن يوجد موجات. ويقول Dudley: "سيكون يوم البيع حدثا مهما في السوق. فلطالما كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي يشتري ويحتفظ بمشترياته." وبما أن متوسط فترة استحقاق مقتنيات مجلس الاحتياطي الفيدرالي من السندات هو خمس إلى عشر سنوات، سيضطر المجلس إلى إيجاد طريقة للتخلص من أو "تعقيم"، الاحتياطيات المرتبطة بالبنك لفترة طويلة. والنهج المعتاد هو تنفيذ اتفاقيات إعادة الشراء، والاقتراض من أحد كبار المتعاملين معه البالغ عددهم 16 لفترات قصيرة من الوقت من أجل تمويل الأصول الموجودة على ميزانيته. ولكن قد لا يكون لدى المتعاملين القدرة اللازمة للقيام بهذه المهمة.
ويستوعب مجلس الاحتياطي الفيدرالي حاليا هذه الاحتياطيات عن طريق جعل الخزانة تصدر المزيد من الديون أكثر مما تحتاج إليه. وحين يشتري المتعاملون الديون، يتحول المال من حسابات احتياطياتهم إلى ودائع الخزانة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث ستظل هناك دون إنفاقها. إلا أن الخزانة نفسها مقيدة بسقف أعلى للديون حدده الكونجرس، ويجب ألا يعتمد البنك المركزي المستقل على السلطة المالية لأحد أدواته.
والحل الأفضل هو أن يصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي فواتيره الخاصة، كما تفعل البنوك المركزية الأخرى. ويمكنه الاعتماد على مجموعة أوسع من المستثمرين، وليس فقط المتعاملون الرئيسيون معه، من أجل إدارة ميزانيته. ومن شأن ذلك تقييد استحقاق هذه الفواتير بأقل من 30 يوما لتجنب التدخل في إصدارات الخزانة بتواريخ أبعد. إلا أن العقبة هو أنه يجب أن يصرّح الكونجرس بذلك. ويقول Dudley: "طالما أن الناس تشعر بالقلق فيما إذا كان لدينا أدوات كافية، فمن المنطقي بالنسبة لنا الحصول على المزيد من الأدوات حتى لو كنا نعتقد أننا لسنا بحاجة إليها".