إفلاس "جنرال موتورز" .. سقوط عملاق
كان سقوط "جنرال موتورز" يبدو مرجحا منذ بداية العام، وأصبح محتوما منذ عدة أسابيع. ومع ذلك، كان طلب "جنرال موتورز" في الأول من حزيران (يونيو) للحماية من الدائنين بموجب الفصل 11، وهي أكبر عملية إفلاس في التاريخ في هذه الصناعة، حدثا بالغ الأهمية.
وكانت الأوراق التي تم تقديمها في الساعة الثامنة صباحا إلى محكمة في منهاتن شهادة على حجم وتعقيد الشركة التي مضى على تأسيسها 101 عام وأيضا على نطاق المشكلات التي أدت إلى سقوطها في النهاية. وحتى عام 2008، حين استحوذت عليها شركة تويوتا، كانت "جنرال موتورز" أكبر شركة لتصنيع السيارات في العالم، إذ كانت تنتج ما يزيد على تسعة ملايين سيارة وشاحنة سنويا في 34 دولة مختلفة. ولديها 463 فرعا وتوظف 234500 موظف، 91 ألفا منهم في أمريكا، حيث توفر أيضا الرعاية الصحية واستحقاقات المعاشات التقاعدية لـ 493 ألف عامل متقاعد. وتنفق في أمريكا فقط 50 مليار دولار سنويا على شراء قطع الغيار والخدمات من شبكة من 11.500 بائع وتدفع 476 مليون دولار كرواتب كل شهر.
وتبرز مقارنة واحدة بين هذه الأرقام الضخمة: مقابل أصول بقيمة 82.2 مليار دولار، لدى "جنرال موتورز" خصوم بقيمة 172 مليار دولار. وقبل عام، حين أدرك Fritz Henderson، الذي كان حينها المدير المالي، أن أموال "جنرال موتورز" بدأت بالنفاد، سعى إلى جمع ثلاثة مليارات دولار من خلال بيع السندات أو الأسهم. وحين اتضح بعد انهيار Lehman Brothers في أيلول (سبتمبر) عدم وجود أية فرصة للنجاح، حاول بيع بعض الأصول غير الأساسية. إلا أنه فشل في ذلك أيضا. وفي شهادة خطية، يقول Henderson، الذي أصبح الرئيس التنفيذي بعد أن تم طرد Rick Wagoner، في آذار (مارس)، إن أحدا لم يبد اهتماما بإقراض "جنرال موتورز" أو شراء أصولها بسعر يمكنها من البقاء في العمل. (تمكنت "جنرال موتورز" أخيرا من إيجاد مشتر صيني لعلامتها التجارية Hammer SUV، ولكن يعتقد أن السعر أدنى بكثير من تقييم "جنرال موتورز" البالغ 500 مليون دولار). وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، انخفض سعر سهم "جنرال موتورز" إلى ثلاثة دولارات. والسبيل الوحيد الذي لا يزال مفتوحا يقود إلى الحكومة الفيدرالية.
دفء الخريف لا يدوم
ومع ذلك، كان وضع Wagoner في خريف عام 2007 جيد جدا. وكان هناك أمل داخل "جنرال موتورز" وبين المعلقين في هذه الصناعة بأن شركة تصنيع السيارات أصبحت أخيرا على طريق السلامة بعد ثلاث سنوات من الخسائر الهائلة والتقليص المؤلم. وكان السبب الرئيسي لهذا التفاؤل هو الصفقة مع اتحاد عمال مصانع السيارات لنقل التزامات الرعاية الصحية إلى صندوق الائتمان الذي يديره الاتحاد وتقليل أجور واستحقاقات العمال الذين تم توظيفهم حديثا إلى معدلات مماثلة لأجور واستحقاقات العمال في المصانع "التي تم تغيير موقعها" لمنافسين مثل تويوتا وهوندا. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام، ارتفع سعر أسهم "جنرال موتورز" إلى 43 دولارا تقريبا، وهو الأعلى منذ أكثر من ثلاث سنوات.
والأفضل من ذلك هو أن المسوح المستقلة كانت تشير إلى أن مصانع جنرال موتورز نجحت في سد فجوة الكفاءة مع "تويوتا". إضافة إلى ذلك، فإنه بتوجيه من Bob Lutz، خبير السيارات المبتكر الذي عينه Wagoner عام 2001 للإشراف على تطوير المنتجات، كانت "جنرال موتورز" تصنع سيارات جيدة، مثل Buick Enclave التي كانت تباع بسرعة كبيرة، وChevrolet Malibu الحائزة على جوائز، وCadillac CTS. أما سيارة Chevrolet Volt، السيارة الكهربائية الجديدة المبتكرة التي تحتوي على محرك الاحتراق الداخلي "ذي نطاق ممتد"، التي من المقرر إطلاقها عام 2010، فقد جعلت سيارة Prius الهجينة التي تنتجها تويوتا تبدو قديمة بالمقارنة. وفي أواخر عام 2007، بعد سنوات من الانحدار في أمريكا الشمالية، وعلى الرغم من التخفيضات في حوافز التجار وبيع السيارات لشركات تأجير السيارات، كانت الحصة السوقية لـ "جنرال موتورز" تزيد بالتدريج.
وكان العنصر الأخير في هذه التكهنات المبهجة هو نجاح "جنرال موتورز" خارج أمريكا الشمالية، خاصة في الأسواق الناشئة سريعة النمو. وعلى الرغم من نهجه المتباطئ أحيانا في الوطن، إلا أن Wagoner أثبت أنه سريع بصورة مدهشة في الخارج، حيث كانت "جنرال موتورز" تحقق 65 في المائة من مبيعاتها هناك. ولطالما كانت "جنرال موتورز" كبيرة في أمريكا اللاتينية، ولكنها في الصين وروسيا كانت تجني ثمار كونها من أوائل الشركات الأجنبية التي أسست مصانع هناك. وفي الصين، تملك "جنرال موتورز" الآن، مع شريكتها في المشروع المشترك، SAIC، 12 في المائة من السوق التي ستتفوق قريبا على السوق الأمريكية.
ولكن تبيّن أن وعود ذلك الخريف جوفاء، كما حدث خلال أوقات أخرى من تاريخ "جنرال موتورز" المضطرب في الآونة الأخيرة. وبحلول نهاية عام 2007، كان ضعف سوق الإسكان الأمريكية يؤثر في مبيعات السيارات. فأسعار المنازل المنخفضة جعلت الكثيرين يؤجلون شراء سيارة جديدة، فيما أصبح من الصعب على المشترين الراغبين ذوي التصنيفات الائتمانية دون المتوسطة تمويل صفقات الشراء المحتملة، سواء للسيارات الجديدة أم المستعملة.
علاوة على ذلك، تضاعفت تقريبا أسعار البنزين. وبوصول سعر الجالون إلى أربعة دولارات، لم يعد هناك طلب على الشاحنات الكبيرة والسيارات الرياضية متعددة الاستخدامات التي كانت توفر معظم أرباح "ديترويت". وخلال الاندفاع لاستبدال السيارات التي تستهلك الوقود بسيارات أصغر حجما، انهارت القيم المتبقية، ما أدى إلى تكبد الفرع المالي لـ "جنرال موتورز" خسائر ضخمة على السيارات المعادة بعد تأجيرها. وبعد فشل Lehman، تضررت أسواق السيارات في جميع أنحاء العالم، إلا أن سوق السيارات الأمريكية كانت الأكثر تضررا. وكانت مبيعات السيارات والشاحنات الخفيفة في كانون الأول (ديسمبر) 2008 أقل بنسبة 35.5 في المائة من العام السابق. وبعد أربع سنوات من جهود إعادة الهيكلة خسرت "جنرال موتورز" خلالها أكثر من 80 مليار دولار، كانت الشركة ضعيفة جدا بحيث فقدت توازنها.
أين حدث الخطأ؟
يمكن من بعض النواحي إرجاع مشكلات "جنرال موتورز" إلى أصولها قبل قرن من الزمن. ففي الأعوام بين 1908 و1920، اشترى مؤسسها، Billy Durant، 39 شركة منها Cadillac وPontiac وOldsmobile وChevrolet وبعض شركات تصنيع قطع الغيار، ولكنه أدارها بوصفها كيانات منفصلة. وفي عام 1923، بعد أن نجا من الإفلاس بأعجوبة، تولى Alfred Sloan إدارة "جنرال موتورز". وفرض Sloan ضوابط مالية صارمة ونظم النموذج الفوضوي. ولكن على الرغم من توسع "جنرال موتورز" في الخارج، وإنشاء مصانع في 15 دولة وشراء Vauxhall في بريطانيا وOpel في ألمانيا، إلا أن Sloan لم يبذل جهدا كبيرا لإنشاء شركة موحدة في الوطن. وكانت تتم إدارة الأقسام المختلفة بوصفها إقطاعيات مستقلة تتحارب فيما بينها وضد أي تدخل من المركز.
ومع ذلك، كان أداء "جنرال موتورز" جيدا بما فيه الكفاية بعد الحرب العالمية الثانية للموافقة على الصفقات مع اتحاد عمال مصانع السيارات التي أصبحت، فيما بعد، عبئا لا يطاق. ووافقت عام 1948 على زيادات أجور سنوية لتكاليف المعيشة، ووافقت عام 1950 على تغطية رعاية صحية مدى الحياة ومعاشات تقاعدية سخية. وبما أنه لم تكن هناك منافسة أجنبية لها في أمريكا، وبما أن الشركتين المنافستين لها في "ديترويت"، Chrysler وFord، اضطرتا إلى تقديم فوائد كبيرة لعمالهما مثل تلك التي قدمتها "جنرال موتورز"، فإن الحجم الهائل لـ "جنرال موتورز" أخفى أوجه القصور التي تعاني منها. وبحلول أوائل الستينيات، حين كانت حصتها السوقية تزيد على 50 في المائة، كان رؤساؤها يشعرون بالقلق بشأن تجنب دعاوى مكافحة الاحتكار والتقسيم المحتمل أكثر من قلقهم بشأن تخفيض التكاليف أو تحسين طريقة "جنرال موتورز" المرهقة في اتخاذ القرارات.
ولم تصبح عيوبها واضحة إلا في السبعينيات، بعد صدمة النفط الأولى. وتم استبدال السيارات الكبيرة المطلية بالكروم والتي تحتوي على محركات V8 بسيارات صغيرة ذات دفع أمامي مصممة لتلبية قواعد جديدة (تعرف باسم معايير CAFE)، والتي تحد من معدل اقتصاد الوقود لسيارات شركات تصنيع السيارات وللتنافس مع المستوردات اليابانية. وكانت السيارات الجديدة مملة الشكل وأقل موثوقية من نظيراتها من النماذج اليابانية.
وبحلول أوائل الثمانينيات، بدأت "جنرال موتورز" تدرك أن اليابانيين ليسوا قادرين فقط على إنتاج سيارات أفضل، بل إنهم يفعلون ذلك بصورة أكثر كفاءة أيضا. وكان المشروع المشترك مع تويوتا لتصنيع السيارات في كاليفورنيا تجربة مفيدة جدا لها. فقد أقنعت إدارة "جنرال موتورز" أن التصنيع "الهزيل" له أهمية قصوى. وللأسف، كان هذا يعني إيلاء اهتمام أقل لنوعية السيارات التي تنتجها جنرال موتورز. ومع زوال جاذبية منتجاتها، انخفضت أسعار "جنرال موتورز" إلى الحضيض. وكان لا بد من إيجاد طرق جديدة لتخفيض التكاليف أكثر، ما جعل السيارات أقل جاذبية بصورة أكبر بالنسبة للمشترين.
وتحسن الوضع قليلا مع انخفاض أسعار النفط من أواخر الثمانينيات وثغرة في أنظمة CAFE التي تسمح بأن يتم تطبيق معايير أكثر تساهلا على سيارات الركاب المصنفة كشاحنات خفيفة. وبدلا من الاستثمار في السيارات ذات الهوامش المنخفضة، ركزت "جنرال موتورز" وشركتا التصنيع الأخريان في ديترويت على تصنيع شاحنات صغيرة وسيارات رياضية متعددة الاستخدامات مربحة. وبعد تعافيها من الخسائر التي فاقت 30 مليار دولار في أوائل التسعينيات، وقعت الشركة في المشكلات مرة أخرى في بداية العقد التالي. فقد بدأت حصتها السوقية بالانخفاض بشكل مطرد، في حين أدت أسعار الفائدة الأعلى والتدهور الاقتصادي إلى أزمة في المعاشات التقاعدية والاستحقاقات. ولكن بفضل الجهود المبكرة التي بذلها Wagoner في إعادة الهيكلة، استقرت الحصة السوقية لـ "جنرال موتورز" في أمريكا عام 2003 عند 28 في المائة، وبدأت تحقق أرباحا تقارب أربعة مليارات دولار.
إلا أن ذلك لم يدم. ففي كل عام، كان يتم إنفاق مليارات الدولارات على تكاليف الرعاية الصحية للعمال المتقاعدين بدلا من إنفاقها على تطوير نماذج جديدة، وكان هذا يعني إضافة 1400 دولار على تكلفة كل سيارة مقارنة بالسيارات المصنوعة في المصانع الآسيوية أو الأوروبية. ولم يكن أمام Wagoner خيار سوى توليد المال لإطعام الوحش. وكان هذا يعني الحفاظ على الإنتاج العالي وعلى المبيعات من خلال حوافز التجار الكبيرة والائتمان الرخيص والخصومات. وأضر هذا بدوره بالقيم المتبقية وبالعلامات التجارية لشركة جنرال موتورز. ومن السهل القول الآن إنه كان على Wagoner بذل جهود أكبر لمنع الانزلاق. ولكن لو كان هناك مدير أكثر صرامة واجه الاتحاد في وقت مبكر أو قلص الحجم بصورة أسرع أو حاول اختراق شبكة تجار ممتدة تحميها قوانين الامتياز، لربما حدث الإفلاس في وقت أبكر. ومن الإنصاف القول إن Wagoner حاول اتخاذ الكثير من الخطوات الصحيحة، ولكن لم يكن يملك الحظ ولا الوقت.
وسرعان ما استنتجت قوة العمل الخاصة بصناعة السيارات والتي عينها باراك أوباما لإنقاذ "جنرال موتورز" وChrysler أن الشركتين غير قادرتين على البقاء دون ضغط الإفلاس لإجبار المساهمين على التخلي عن معظم مطالباتهم. ولكنها أدركت أيضا أن قضاء فترة طويلة تحت الفصل 11 قد يكون مميتا. فلا يرغب الكثيرون في شراء شيء مكلف ومتين من شركة قد لا يصبح لها وجود العام المقبل. وبالتالي، تنظم قوة العمل عمليات إفلاس "معلبة" أو "سريعة" لفصل الأصول الجيدة من الأصول السيئة والخصوم على وجه السرعة. والهدف هو السماح بظهور شركة جديدة نظيفة في غضون أسابيع (كما هو الحال مع Chrysler) أو في غضون بضعة أشهر على أقصى تقدير "جنرال موتورز".
بدايات جديدة؟
وفي Chrysler، يبدو أن كل شيء يسير حسب الخطة. فشركة Fiat، التي ستتولى إدارة الشركة، ستملك 20 في المائة من الشركة الجديدة، وسترتفع النسبة إلى 35 في المائة عند تحقيق أهداف معينة. وسيملك صندوق للاتحاد 55 في المائة فيما ستملك الحكومة 10 في المائة. وهذا الأسبوع، مهد القاضي الذي ينظر في قضية الإفلاس، وهو Arthur Gonzalez، الطريق أمام Chrysler للخروج من المحكمة بصورة أفضل بعد وقت قصير من نقل أصولها الجيدة إلى Fiat. وقد يؤخر استئناف من بعض دائني Chrysler ذلك لبضعة أيام.
ومع أن إفلاس "جنرال موتورز" سيكون أكثر تعقيدا ويستغرق فترة أطول، إلا أنه من المفترض أن يظهر كيان جديد قبل أيلول (سبتمبر). وستحصل الحكومة، التي وضعت 30 مليار دولار في "جنرال موتورز"، إضافة إلى العشرين مليار دولار التي منحتها إياها من قبل، على 60.8 في المائة من الأسهم. وستحصل الحكومة الكندية، التي قدمت 9.5 مليار دولار، على 11.7 في المائة. وسيحصل اتحاد عمال مصانع السيارات على 17.5 في المائة فيما سيحصل حاملو السندات على 10 في المائة. وعلى الرغم من حجم حصتها، إلا أن الحكومة تصر على أنها مساهمة رغما عنها وأنها لن تتدخل في إدارة الشركة. وهي تأمل أن تصبح شركة جنرال موتورز في غضون 18 شهرا شركة مطروحة للتداول العام مرة أخرى.
وستتخلص شركة جنرال موتورز الجديدة من 14 مصنعا، و2400 تاجر، و21 ألف وظيفة مدفوعة الأجر بالساعة، وثمانية آلاف وظيفة إدارية، والأهم من ذلك 79 مليار دولار من الديون. والهدف هو أن تتمكن الشركة في أمريكا الشمالية من الوصول لنقطة التعادل في السوق المحلية بمبيعات سنوية تبلغ عشرة ملايين سيارة. وفي السوق الحالية الراكدة تبلغ المبيعات نحو 9.5 مليون. ومن المتوقع أن يبدأ الانتعاش العام المقبل، إلا أن عودة المبيعات إلى المستويات التي شهدتها في الأعوام بين 1995 و2007، البالغة 15 مليون سيارة - 17 مليون سيارة، قد يستغرق بعض الوقت.
ولا يعتقد أحد أن "جنرال موتورز" ستعود إلى سابق مجدها. والسؤال هو فيما إذا كانت "جنرال موتورز" الجديدة الأصغر ستتمكن من النجاح وفقا لشروطها الأكثر تواضعا. ولا شك أن تكاليفها الهيكلية ستكون أقل بكثير: 23.2 مليار دولار عام 2010 مقارنة بـ 30.8 مليار دولار عام 2008. ومن خلال تقليل عدد علاماتها التجارية وتجارها ستتمكن من التركيز على التسويق والدعاية بصورة أكثر فعالية. وتحتفظ "جنرال موتورز" أيضا بالتصميم والموارد الهندسية اللازمة لتصنيع سيارات تنافسية. وخط النماذج الجديدة كاف لجذب اهتمام المشترين. ومن المفترض أن تواصل عملياتها الناجحة في الصين نموها السريع مع السوق هناك.
ولكن لا تزال هناك العديد من الشكوك. الأول هو أنه على الرغم من ذهاب Wagoner، إلا أنه لم يحدث طرد لقادة "جنرال موتورز" - الذين ساعدوا على إيصالها إلى حالة الفوضى هذه. ومع أن Henderson مدير مالي مخضرم، إلا أن "جنرال موتورز" قد تكون بحاجة إلى شخص أكثر تأثيرا لتغيير طرقها البيروقراطية. ويعتقد كبار أعضاء قوة العمل المعنية بالسيارات أن إدارة Chrysler أفضل من بعض النواحي من "جنرال موتورز".
والثاني هو أنه على الرغم من أن قاعدة التكلفة لـ "جنرال موتورز" ستكون أكثر توافقا مع قاعدة التكلفة لمنافسيها الذين غيروا مواقع مصانعهم، إلا أنها ستعطي نحو 600 مليون دولار سنويا لاتحاد عمال مصانع السيارات على شكل أرباح على الأسهم المفضلة، وذلك امتثالا لاتفاقية الرعاية الصحية المنقحة. وعلى افتراض أن تبيع "جنرال موتورز" مليوني سيارة سنويا في أمريكا، ستضاف إلى كل منها 300 دولار كتكاليف رعاية صحية. ولا تزال هناك تساؤلات قائمة حول صندوق المعاشات التقاعدية للشركة، الذي كان ينقصه نحو 13 مليار دولار في نهاية عام 2008.
والثالث هو أن توقعات الحصة السوقية لـ "جنرال موتورز" لا تزال متفائلة. فهي تتوقع أن تستقر حصتها عند نحو 18.5 في المائة، أي أدنى بنقطة مئوية واحدة فقط من الحصة التي حققتها هذا العام. إلا أن "جنرال موتورز" ستملك علامات تجارية وتجارا أقل، وسيتحمس المنافسون لاستغلال انسحابها من أجزاء من السوق. فشركة Volkswagen مثلا تخطط لشن هجوم. فهي تبني مصنعا جديدا في أمريكا بطاقة إنتاجية تبلغ 250 ألف سيارة سنويا، وتهدف إلى زيادة حصتها السوقية ثلاثة أضعاف من 2 في المائة إلى 6 في المائة بحلول عام 2018، بمبيعات تبلغ 800 ألف.
ورابعا، هناك خطر أن يتم دفع "جنرال موتورز"، من قبل الحكومة بما أنها أكبر مساهميها، نحو تصنيع نوع السيارات - الأصغر والأكثر كفاءة في استخدام الوقود - التي يوافق عليها أوباما بدلا من النوع الذي يريد الأمريكيون شراؤه. وعلى الرغم من أنه يفترض أن تشجع معايير CAFE الجديدة التحول بعيدا عن النماذج الأكثر استهلاكا للوقود، إلا أنه يتم التساهل مع الشاحنات، كما يبدو أن الإدارة لا ترغب في الشيء الذي قد يغير عادات الشراء بصورة جذرية، أي زيادة كبيرة في ضرائب البنزين أو ضريبة على الكربون يتم تطبيقها على نطاق أوسع.
وأخيرا، كما يشير Max Warburton، المحلل في Bernstein Research، تعاني "جنرال موتورز" من مشكلة في الأسعار بقدر ما تعاني مشكلة في التكاليف. ويتم بيع سيارات جنرال موتورز بسعر أقل بمقدار يتراوح بين 3.000 و10.000 دولار من سيارات تويوتا بالحجم نفسه. ويقول Warburton: "إن هذه مشكلة تتعلق بالعلامة التجارية، ولن يتم إصلاح العلامات التجارية بموجب الفصل 11". ومعظم المشترين الأصغر سنا لا يفكرون بشراء سيارة من "جنرال موتورز". ومع أن سيارتها الجديدة متوسطة الحجم Malibu جيدة بقدر سيارة تويوتا Camry وسيارة هوندا Accord وسيارة نيسان Altima، ولكن لا يزال العديد من السائقين يرفضون شراءها لأنها موديل Chevy. وإذا كان للإفلاس والإعانات من دافعي الضرائب تأثير على العلامات التجارية لـ "جنرال موتورز"، فهي ستؤدي إلى تشويه سمعتها بصورة أكبر. من المرجح أن يتوجه الأمريكيون الذين يشترون السيارات لأسباب قومية إلى معارض Ford لمكافأة الشركة على صمودها وجهودها الجبارة لتجنب مصير منافسيها في ديترويت.
وحين تخرج "جنرال موتورز" من الإفلاس، ستتخلص من بعض أعبائها، ولكن سيظل تأثير الضرر الذي سببته عقود من سوء الإدارة وتعنت الاتحاد. ولن تكون "جنرال موتورز" الجديدة جديدة بقدر ما ترغب هي أو الحكومة أن يعتقده الأمريكيون.