قطار سريع يجمع أعرق الممثلين
لا زالت أفلام الحركة والأكشن تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الجمهور، ينتظرون هذه النوعية من الأعمال، حتى لو كان مبالغ فيها إلى حد الخرافة، وعندما يرتبط فيلم الحركة باسم نجم مشهور، ومخرج متميز، تشعر كأنه حجز مكانه في ذاكرة السينما العالمية قبل أن يبصر النور. هذه التوليفة التي يعتمدها صناع السينما، تسهم في الحصول على أول بطاقة نجاح للعمل مهما كانت القصة.
وفي فيلم قطار سريع، تنوعت الأسباب والمعطيات التي أسهمت في نجاح الفيلم، بدءا بنوعه، فهو فيلم أكشن بامتياز، مرورا بأبطاله وهما براد بيت وساندرا بولك، ومخرجه ديفيد ليتش وسيناريو زاك أولكيويتش وصولا إلى القصة التي جاءت مقتبسة من رواية يابانية صدرت في 2010 وحملت الاسم ذاته، ما أضفى على العمل رونقا مختلفا لم يعتده الجمهور من قبل.
رحلة لا تتوقف
وتدور القصة حول خمسة من أشهر القتلة المأجورين، يجتمعون على متن قطار سريع الحركة في اليابان، يتجه من مقاطعة طوكيو إلى مقاطعة موريوكا مع توقفات قليلة بينهما، ولكل واحد مهمة محددة عليه تنفيذها، لا يعرفون بعضهم، يمارسون مهماتهم بكثير من الدقة ليكتشفوا في النهاية أن جميع المهام المكلفين بها مترابطة وتسعى لهدف واحد. ويدخل عنصر التشويق في القصة عندما يظهر التعارض بين المهمات، في رحلة لا تتوقف في القطار، ولا أحد يتوقع النهاية التي ستحدث. لا تخلو أحداث الفيلم من المواقف الكوميدية، ويبقى المشاهد في حالة ترقب لما يحدث ولا يعرف من سيخرج من القطار حيا، أو ماذا ينتظر هذه المجموعة عند كل محطة.
يزداد الأمر تعقيدا مع مهمة براد بيت وهي أخذ حقيبة فضية من القطار والمغادرة، إلا أنه في كل مرة يقرر المغادرة، يرى بأنه كان مقدرا له البقاء، بعد أن اتضح بأن القطار بأكمله مليء بالقتلة المأجورين، بكامل تسليحهم من البنادق إلى السيوف ومجموعة مختارة من السموم، فجميعهم عازمون على طعن بعضهم بعضا، خاصة مع وجود قاتل مكسيكي غامض مليء بروح الانتقام، يعرف باسم وولف، يؤدي دوره باد باني، إضافة إلى برينس، تؤدي دورها جوي كينغ، التي يبدو كأنها تلميذة إنجليزية بريئة لكنها شريكة في القتل، كما يوجد الصديقان اللذان يلقبان بالـتانغرين، يؤدي دوره آرون تايلور جونسون، وليمون، يؤدي دوره بريان تايري هنري.
على الرغم من أن براد بيت هو الوجه الذي يحمل الفيلم دعائيا وفنيا، إلا أن الممثلين آرون تايلور جونسون وبريان تايري هنري يجدان توازنا جيدا بعلاقتهما أمام الكاميرا بين التعجرف والمرح بشكل يلتمسه المشاهد وهو ما عد نقاط قوة للفيلم.
عامل استقطاب
عندما يجتمع قطبا النجاح في أي عمل سينمائي، تكون النتيجة مربحة، وهذا ما حصل مع فيلم قطار سريع، مشاركة براد بيت لعمل من إخراج ديفيد ليتش شكل عامل استقطاب أساس لرواد السينما وعشاق الفن السابع، وهذه ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها الثنائي، فقد سبق لهما التعاون في عديد من الأفلام الناجحة كـ Fight club ،Troy، وocean’s Eleven. وأضيف إلى لائحة نجاحهما فيلم قطار سريع، ليسطر تعاونا جديدا ونجاحا مختلفا. هذا فضلا عن عنصر التميز الذي طغى على الفيلم، فمعظم أحداثه تدور بنمط بعيد عن أنماط أفلام الأكشن الأمريكية التي اعتاد عليها الجمهور، حتى إدخال اللغة اليابانية في النص أضافت شيئا من التجديد، وطريقة الصراع كانت غير نمطية، حيث يعيش المشاهد حالة من التشويق منذ اللحظة الأولى حتى النهاية، ويتوقع الأحداث لكن تأخذه المجريات والمواقف إلى أماكن أخرى، ينتظر شيء ويحدث عكس ما يتوقع، حالة من التشويق والإثارة تسهم في ترسيخها شخصية براد بيت التي تأخذ مكانتها في قلوب وعقول المشاهدين، فضلا عن التوافق الذي يتجلى بقوة بينه وبين المخرج وهذا ما اعتدنا عليه في أعمالهما المشتركة.
هل دمج الياباني الأمريكي ضعف؟
اعتدنا على خصوصية تميز اليابان وشعبه، وكثيرا ما نتحدث في سرنا عن أيدولوجية يعيشها سكان هذا البلد وكأنهم فعلا على كوكب مختلف، وهذه النظرة المسبقة التي لدينا عن اليابان شعبا وبلدا، جعلت البعض يتخوف من دمج الحضارة الأمريكية أو طريقة التفكير والتعامل والتعبير، مع الحضارة اليابانية وما تمثلها من خصوصية واختلاف، وقد عد البعض أن الفيلم يجب أن تدور أحداثه في بيئة تشبه اليابان أكثر، وأن تكون شخصياته بمجملها يابانية، لكن وجود ممثلين من أعراق مختلفة، شكل تحديا حقيقيا للمخرج بالدرجة الأولى وللشركة المنتجة، وبينما توقع البعض أو عد أنه من المفروض أن تكون قصة الفيلم تدور حول شخصيات يابانية، جاءت النتيجة عكس التوقعات ما أثار موجة من المخاوف وشكلت في البداية أحد عناصر الضعف، وكثرت الشكوك حول احتمالية عدم امتزاج هذه العوامل بشكل جيد، لكن الحقيقة جاءت مغايرة، فلقد شكل هذا الدمج بين الياباني والأمريكي عنصر جذب للمشاهد الذي كان ينتقل بضحكة بين الأحداث الأكشينية الكوميدية.
براد بيت من دون دوبلير
ينجح النجم براد بيت في جذب المنتجين إلى أي عمل، ويشكل عنصر نجاح أساس لا يمكن إخفاؤه، وهذه الثقة التي بنيت منذ عقود بينه وبين المشاهد لم تأت من الفراغ، فبراد بيت من النجوم القلائل الذين يؤدون أدوارهم من دون الاستعانة بدوبلير بشكل لافت، خاصة في مشاهد الحركة والأكشن التي تطلب بنية جسدية قوية، يملكها بيت دون شك، وهذه المصداقية في أداء الدور وتجسيد الشخصية رغم صعوبتها، أسهمت في ترسيخ نجوميته لأعوام، ليكون واحدا من أبرز نجوم هوليوود، والحصان الرابح الذي يمكن الرهان عليه بالنسبة إلى شركات الإنتاج. وبحسب منسق المشاهد الخطيرة في الفيلم غريغ ريمينتر، فقد قام براد بيت بأداء 95 في المائة من المشاهد الخطيرة في الفيلم بنفسه دون الاستعانة بالدوبلير "الدوبلير هو الشخص الذي ينوب عن الممثل أو البطل في القيام بالمشاهد الخطرة".
أسرار...
تؤكد المصادر أن المخرج ديفيد ليتش تخلى عن إخراجه لفيلم The Division حتى يتمكن من التفرغ للعمل على الفيلم، وكان من المفترض أن تشارك براد بيت البطولة الليدي جاجا، لكن الترشيحات رست في النهاية على ساندرا بولوك التي بدورها تأخذ حيزا كبيرا من إعجاب واهتمام عشاق السينما والأفلام.
وفي الختام تتعدد الأسباب ويبقى طريق النجاح واحدا، المتعة في التصوير، والحرفية في الأداء والإبداع في نقل الصورة، فضلا عن القصة وما تحمله من تنوع وغنى إضافة إلى الأحداث المتماسكة، والتلميح الذكي لحدث ما، والنهاية التي تأتي خارج التوقعات، كلها عناصر اجتمعت لتقدم عملا سينمائيا من الطراز الرفيع.
تجدر الإشارة إلى أن الفيلم حقق إيرادات وصلت إلى 77 مليونا و347 ألف دولار في ـدور العرض حول العالم، منذ طرحه في الخامس من آب (أغسطس) الجاري، وانقسمت الإيرادات بين 44 مليونا و947 ألف دولار في دور العرض الأمريكية، و32 مليونا و400 ألف دولار في دور العرض حول العالم.