أم كلثوم: هرم ؟!

أم كلثوم: هرم ؟!

استمعت لأغانيها في أول شبابي، ثم شغلت كلية الطب وقتي وعقلي وأحاسيسي فأحجمت عن الاستماع لأم كلثوم كأنها مخدر لا ينبغي تعاطيه. وجاءت الدروس العملية في المستشفى فقربتني من أم كلثوم.
سخرت من زملاء علقوا صور مغنين وتحدثوا عن أخبارهم، وقلت لهم أيعقل أن تعشقوا إنسانا لم تعرفوه؟ وزدتهم حجة منهم بقولي: وتنسون وتظلمون الكاتب والملحن والفرقة الموسيقية؟
يعرف العقلاء أنها تمسكت بالمكانة التي وضعها فيها عشاقها وأنني إذا لم أشاركهم في تبجيل ومدح صاحبة الصوت فلست أرتكب خطأ في حقهم وحقها.
في احتفال تكريمها في فرنسا قبل فترة، عاد الإفراط بوضع إنسان موضعاً عمره ألوف السنين بتسمية أم كلثوم (الهرم الرابع)، وأعيدت ذكرى جنازتها التي شيعها ملايين، وفراغ الشوارع لما كانت تغني عبر الإذاعة. كنا ولا نزال نحتاج إلى أن تتفرغ الملايين للرقي بالتعاون والتحاور الهادئ وللثقافة والإنتاج.
يهمني أن ينتبه القارئ الكريم أنني لا أتطاول بكلامي على كل فنان أو شخص مشهور، وإنما أتحدث عن المبالغة في التمجيد والتعظيم، ورغم هذا فقد يثور المفرطون في التكريم ويأتون له بأعذار ومسميات تحاكي الأعذار والمسميات التي تندرج تحت قاموس العالم الدبلوماسي، أو العالم السياحي، وغيرهما من (العوالم) المستجدة، حيث المفردات والمعاني لا يصل إليها الإنسان العادي البسيط مثلي، فتلك عوالم في مستويات يختلف قربها وبعدها عن المرجع والواقع والحقيقة تبعا لتعريف المرجع والواقع والحقيقة في القواميس المختلفة، فقد ترتفع وتزدهي وقد تكون غير ذلك.
وتذرف كل عين على حال الإنسان المحقون حيرة، المشلول في واقعه، المحجوز في البؤس لا يعرف حقا ولا حياة، ويزحف ليأوي إلى نافذة وحيدة ملؤها رمز غنائي أو تمثيلي. أما المفتون طوعا بأي رمز في الدنيا فالعقل يسأله: هل بدل افتتانك حال مجتمعك إلى الأحسن؟ من يقول "نعم" فنحن مختلفان في التفكير والمنطق، ولا مانع من الاستمرار في الحديث لولا أنه سيطول، ومن يقول "لا" فنحن في نعمة عظيمة وعلى طريق صحيحة.
عدد القراءات:512

الأكثر قراءة