الحوكمة والمساءلة في إفريقيا .. التقدم المحرز والمستقبل «2 من 3»
قام الصندوق أيضا بتطويع وتعزيز عمله في التصدي لأزمة كوفيد - 19. فحين ضربت الجائحة في البداية اتخذ الصندوق خطوات فورية لمساعدة الدول الأعضاء على حماية الأرواح وسبل الرزق. وكانت رسالتنا: "أنفقوا ما يتعين إنفاقه، لكن احتفظوا بالفواتير"، أي قوموا بإيلاء أولوية للتمويل العاجل مع الحفاظ على المساءلة والشفافية.
وفي هذا الصدد، حددنا بضعة أشياء:
أولا، يجب على الدول المتلقية للتمويل الطارئ من الصندوق أن تلتزم بالشفافية وضمانات المساءلة. وشمل هذا نشر عقود المشتريات المتعلقة بكوفيد - 19، بما في ذلك بيانات الملاك المستفيدين في الشركات ذات الصلة، وإجراء عمليات تدقيق ونشر نتائجها، وإعداد تقارير مفصلة عن الإنفاق المتعلق بكوفيد - 19.
ثانيا، في الحالات التي شابتها جوانب ضعف حادة على صعيد الحوكمة، عملنا مع السلطات لضمان اتخاذ إجراءات علاجية.
وأخيرا، بالنسبة للدول المتلقية للمساعدات الطارئة المرتبطة مع الصندوق باتفاقات تمويلية متعددة الأعوام، أو التي طلبت عقد مثل هذه الاتفاقات، فإننا مستمرون في التواصل الوثيق معها بشأن الأمور الهيكلية الأطول أجلا فيما يتعلق بالحوكمة والفساد. كذلك فإننا نتواصل أيضا مع الجهات الفاعلة من غير الدول، التي تقدم في كثير من الأحيان رؤى قيمة بشأن قضايا الحوكمة. وهذه الجهود بالغة الأهمية لإفريقيا، خاصة في الوقت الذي تتطلع فيه القارة إلى المستقبل.
فنحن نعلم أن الفرصة الاقتصادية الكبيرة أمامنا هي الهبة الديموغرافية التي تتمتع بها إفريقيا. غير أن الاستفادة من هذه الهبة تتطلب تلبية تطلعات الجيل الجديد. ومن العناصر الحيوية لتحقيق ذلك ضمان الاستخدام الفعال للموارد العامة والمساهمة في تحقيق الرخاء للمواطنين على أساس مشترك ودائم.
وقادة إفريقيا ينهضون لمواجهة هذا التحدي، وبعض دولها يفوق تصنيفها كثيرا من الاقتصادات المتقدمة في مجال الحوكمة.
ورأينا ذلك في رواندا التي اعتمدت مؤسسات أكثر تقدما لإعادة البناء بعد صراع مدمر. ورأيناه في سيشيل التي اضطلعت بإصلاحات اقتصادية ومؤسسية شاملة للتوصل إلى علاج حاسم لأزمة الدين عام 2008.
وفي بوتسوانا، رأينا إنشاء إطار جيد للسياسات من أجل الإدارة الرشيدة للثروة المتحققة من الموارد المعدنية. واليوم، تقود هذه الدول المنطقة بالحوكمة السليمة، غير أن كثيرا من الدول الأخرى بصدد اتخاذ خطوات حاسمة أيضا.
فقد رأينا إصلاحات جيدة في حوكمة المالية العامة في دول، مثل: غامبيا وليبيريا والسنغال. وقام كل من بوتسوانا وزيمبابوي وموريشيوس وغانا باعتماد أطر لمكافحة غسل الأموال. تجدر الإشارة بشكل خاص إلى ليبيريا وسيراليون وأنجولا، لأنها جميعا تدلل على إمكانية القيام بإصلاحات مهمة، حتى في البيئات الهشة.
فما إذن الدروس التي يمكن أن تستقيها المنطقة من هذه النماذج؟
أولا: أنجح الدول في هذا المجال لديها مستوى مرتفع من الالتزام السياسي بالحوكمة الرشيدة والشفافية. ويمكنكم رؤية هذا بعدد من السبل: كيفية إعدادها للميزانية وطريقة عرضها، حيث تتيح الوصول المفتوح لإجراءات السياسات المقترحة، واستقلالية بنوكها المركزية عن الضغوط السياسية، والتزامها بإعلان أصول كبار مسؤوليها العموميين، وتصميمها على نشر نتائج حديثة لعمليات تدقيق البيانات ومتابعة هذه النتائج لمساءلة المنظمات والأفراد المعنيين... يتبع.