التسوق
في الوقت الذي تحاول فيه الشركات الهندية التعامل مع عمليات الاستحواذ الأجنبية المكلفة العديدة، شرعت أكبر شركة هواتف في الدولة في أكبر عملية تسوق على الإطلاق.
الهنود مغرمون بالتسوق في الخارج، وهي عادة ظلت ملازمة لهم منذ عصر إحلال الواردات، حين كانوا مضطرين لتحمل السلع الرديئة المنتجة محليا باسم الاكتفاء الذاتي الوطني. وتشاركهم الشركات الهندية في حبهم للشراء من الخارج. وما بين الأعوام 2000 و2008، أعلنت هذه الشركات عن أكثر من ألف عملية اندماج أو استحواذ دولية، بقيمة تزيد على 72 مليار دولار، وذلك وفقا لشركة Dealogic للأبحاث. وقد تم استكمال معظم هذه الصفقات منذ عام 2006.
وفي الـ 25 من أيار (مايو)، أعلنت شركة Bharti Airtel، أكبر شركة تشغيل شبكة هواتف محمولة في الدولة، أنها تدرس صفقة تتجاوز في قيمتها المبلغ الذي دفعته شركة Tata Steel لشراء Corus، شركة الصلب البريطانية الهولندية، عام 2007، والبالغ 12 مليار دولار، وهي صفقة تحالف مع MTN، شركة الهواتف المحمولة العملاقة من جنوب إفريقيا، التي رفضت عرضا سابقا العام الماضي. وسيتمخض عن الصفقة، إذا تمت، إحدى كبريات شركات تشغيل الهواتف المحمولة في العالم، تملك 200 مليون مشترك بالخط الثابت والمحمول في 21 دولة.
وقد اكتسبت فورة التسوق الهندية الزخم بعد عام 2002، حين بدأ النمو السريع للاقتصاد الهندي في دعم ميزانيات الشركات. كما خففت الهيئات التنظيمية في الهند قبضتها، ورفعت بالتدريج القيود على الاستثمار في الخارج. فقد كانت تعتقد في السابق أن الاستثمار الموجه للخارج يحرم الهند من رأس المال النادر الذي سيتم استثماره على نحو أفضل في الوطن. إلا أن هذا الخوف من هروب الرساميل أدى شيئا فشيئا إلى الاعتزاز بالشركات الوطنية الناجحة في الهند. وفي شباط (فبراير) 2004، سمحت للشركات الهندية بتمويل عمليات استحواذها الأجنبية عن طريق الاقتراض من الخارج.
وهكذا اقترضت الشركات من الخارج. وأخذت الشركات الهندية ديونا بمبالغ هائلة، ويعود ذلك بصورة رئيسة إلى كون المال موجودا هناك. واقترضت شركة Tata Steel الكثير من المال لشراء Corus عام 2007. واقترضت شركة Hindalco، أكبر شركة ألمنيوم في الهند، ثلاثة مليارات دولار لشراء Novelis، شركة تصنيع منتجات الألمنيوم الكندية. وباعت شركة Suzlon، التي تصنع توربينات الرياح، سندات قابلة للتحويل لتمويل عملية استحواذها على REpower الألمانية.
ولكن في حين أن السياح الهنود يسعون للحصول على صفقة سيئة، يبدو عديد من شركات استحواذ الشركات الهندية الآن غير حكيمة. فشراء Jaguar Land Rover (JLR) عام 2008 مثلا أثقل كاهل Tata Motors بعلامة تجارية مرموقة وخسائر هائلة وقرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، الذي تمكنت من إعادة تمويل آخر مليار دولار منه في الـ 27 من أيار (مايو)، قبل أيام من تاريخ استحقاقه. واضطرت إلى طلب المساعدة من الشركة القابضة لـ Tata Group، التي ضمنت حقوق اكتتابها المتعثرة العام الماضي، وسخاء أكبر بنك في الهند، الذي ضمن سندات بقيمة 840 مليون دولار قامت بتعويمها في أيار (مايو). وفي مقابلة حديثة، اعترف Ratan Tata، رئيس مجلس إدارة المجموعة، أن الشركة اشترت JLR في "وقت غير مناسب".
فهل كانت عمليات الاستحواذ تلك قرارات صحيحة في الاساس ولكنها كانت سيئة التوقيت؟ أم إنها كانت قرارات سيئة تم اتخاذها بسبب توافر الأموال السهلة؟ يشك البعض أن شركات الدولة العملاقة شعرت أنها ملزمة بالتفوق على بعضها البعض. إلا أن Alan Rosling، الذي كان في مجلس إدارة الشركة القابضة لـ Tata Group خلال توسعها السريع في الخارج، يقدم حجة معاكسة: لم تكن عمليات استحواذ Tata في الخارج جريئة، بل كانت دفاعية في جزء منها.
وفي التسعينيات، ورث Tata مجموعة ممتدة عبر عديد من الصناعات، ولكنها لا تزال محبوسة في دولة واحدة. وحين فتحت الهند حدودها الاقتصادية، كان على المجموعة التنافس مع المنافسين الأجانب في الوطن، سواء قامت بمغامرات في الخارج أم لا. ولم يكن من الحكمة إطلاقا عدم التوسع في السوق المفتوحة حديثا، بحيث تكون فريسة للشركات الأجنبية متعددة الجنسيات.
ويشير Gautam Thapar، الرئيس التنفيذي لمجموعة Avantha، التي تشمل شركة Crompton Greaves للهندسة، إلى دافع مماثل فيما يتعلق ببعض عمليات الاستحواذ في الخارج للشركة. فهي تملك أكثر من ربع السوق الهندية لمحولات الكهرباء، التي تدافع عنها ضد المنافسين العالميين مثل ABB. ويقول Thapar إنه للحفاظ على هذه الحصة على المدى الطويل، يجب أن تتنافس على أساس التكنولوجيا التي تقدمها بالإضافة إلى السعر الذي تفرضه.
إن السعي للحصول على التكنولوجيا دافع قوي لعمليات الاستحواذ الأجنبية. وقبل أن تشتري Tata Steel شركة Corus، لم تكن شركة صناعة الصلب الهندية تملك أي براءة اختراع أمريكية. وبفضل عملية الشراء، حصلت على 80 براءة اختراع إضافة إلى نحو ألف موظف في البحوث.
وأحيانا تسير الأسواق الجديدة والتكنولوجيات الجديدة جنبا إلى جنب. ويشير Thapar إلى أن المشترين التقليديين لمحولات الكهرباء في الهند هم مجالس إدارة شركات الكهرباء في الولايات، المهتمة بصورة رئيسية بالتكلفة. ويأتي حافز الابتكار من الزبائن الأجانب الأكثر تطورا، "المستعدين للجلوس ومناقشة الأفكار". فعلى سبيل المثال، تصنع إحدى الشركات التي استحوذ عليها محولات كهرباء صغيرة يمكن دسها في فتحات توربينات الرياح، ما يوفر المساحة في الدول الأوروبية المزدحمة.
وغالبا ما يكون الدافع لعمليات الاستحواذ الغربية بسيطا: الجمع بين الإيرادات دون دمج التكاليف. ولا بد من تحديد الوفورات مسبقا لتبرير الصفقة للمساهمين، وإتمام الصفقة بعد ذلك بسرعة. والنتيجة هي اندماج مدمر لمنظمتين، وتغيير الإدارة والاستغناء عن الموظفين، ويفشل غالبا في تحقيق أهدافه.
ولأن الشركات الهندية تسعى دائما للحصول على المعرفة والتكنولوجيا، فهي تعامل عمليات الاستحواذ الجديدة باحترام وتسامح كبيرين، كما يقول Nirmalya Kumar في Harvard Business Review. وهي حريصة على عدم تدمير ما اشترته، كما يقول Rosling.
ويشير Kumar إلى أن Hindalco لم تغير كبار المديرين في شركة Novelis. وأضافت إليهم لمدة ستة أشهر اثنين منها. وفي عام 2000، حين اشترى جزء آخر من إمبراطورية Tata، وهو Tata Tea، شركة Tetley، الشركة البريطانية المنافسة، احتفظ أيضا بمديريها، بسبب حرصه على الحفاظ على المعرفة بالأسواق المحلية.
وقد يذهب هذا التسامح إلى حد بعيد جدا. ففي عهد إحلال الواردات السيئ، كان الهنود يرغبون في أي شيء "أجنبي"، فقط لأن أصوله جاءت من أمكنة أخرى. وكانت الشركات الهندية المتسوقة أيضا تظهر أحيانا احتراما كبيرا لعمليات الشراء الأجنبية. فقد فوجئ مديري Corus بتردد Tata Steel في إعادة توزيع المسؤوليات وإدارة الشركتين كشركة واحدة.
أما المشكلة المعاكسة- القومية المتطرفة، وليس رهاب الأجانب - فقد تفسد صفقة Bharti مع MTN. فكل من الهند وجنوب إفريقيا تفتخران بشركاتهما الناجحة متعددة الجنسيات. وقد انهارت محادثاتهما العام الماضي حين قال مجلس إدارة MTN إن على الشركة شراء Bharti وليس العكس - الأمر الذي أدانه Sunil Mittal من Bharti واصفا إياه بأنه إهانة لـ "فخر الهند". ولكن لا يمكن أرضاء غرور الجميع.