القرابين
يعتقد كثيرون أن الدين الإسلامي ينفرد بتقديم الأضاحي، والحقيقة أن الأضحية أو القرابين وجدت مع ظهور الأديان للتقرب إلى آلهتهم ـ تعالى الله ـ وأجمع أغلب المؤرخين على أن القرابين بدأت بتقديم البشر من أطفال ونساء كقرابين لترضى عنهم الآلهة، إما بحرقهم وإما برميهم في الأنهار والبحار، والتاريخ مليء بهذه القصص ولعل من أشهرها عروس النيل، فقد ساد اعتقاد لدى قدماء المصريين بأن النيل لا يجري إلا بعد تقديم عروس جميلة عذراء كل عام يزفونها إليه يوم عيد الصليب ليرضى، وظلت هذه الشعيرة الفرعونية قائمة حتى جاء الفتح الإسلامي إلى مصر على يد عمرو بن العاص!
ومارست الحضارات القديمة تقديم القرابين لعدة أغراض، منها، إرضاء الآلهة واتقاء غضبها، أو الوفاء بالنذور، أو الشكر على النعم، أو توسل الغفران، أو لمجرد مباركة الماشية والمزروعات أو العائلة!
وتنوعت القرابين على مدى التاريخ بتنوع الحضارات، والثقافات الدينية حول العالم، وأول قربان عرفه التاريخ، حين قدم هابيل وكان صاحب أغنام وماشية جذعة سمينة، وأما قابيل فكان صاحب زراعة فقدم حزمة من الزرع الرديء، واحتفظ لنفسه بالزرع الجيد، فنزلت النار بأمر من الله تعالى فأكلت قربان هابيل دليلا على قبوله وتركت قربان قابيل كما هو.
وحين شح الكلأ لجأ الإنسان إلى أكل أخيه الإنسان لتظهر الأضحية البشرية وبما أن القربان في شكله الأبسط هو طعام للآلهة، فربما رأى الإنسان أن أفضل ما يقدم للإله المعبود من الطعام هو الإنسان ذاته، وهو أعلى مرتبة في الأضاحي أو الأطعمة، إلى أن نسخت هذه العادة الكريهة بأن افتدى الله الذبيح إسماعيل بكبش عظيم.
وأشهر أنواع الأضاحي أو القرابين التقرب بالحيوانات بحرقها كاملة وهو ما سمي في اليونانية القديمة "بالهولوكوستوس" أو حرق جزء منها والتبرع بجزء وأشهر أنواع الحيوانات المتقرب بها الخرفان رغم أن بعض الشعوب ضحوا بالدجاج والديكة!
وتقربت الشعوب أيضا بالمحاصيل الزراعية، فقد كان الساميون يتقربون من آلهتهم يوميا بأصناف الأطعمة المختلفة، كالخضراوات والفواكه والطحين والعسل، أما العرب فقد كانوا إذا حرثوا أرضا أو غرسوا غرسا خطوا في وسطه خطا يقسمه إلى قسمين، وقالوا ما دون هذا الخط للآلهة، ولم تقتصر الأضاحي على الكائنات الحية، بل تعدتها إلى تقديم التماثيل والدمى كقرابين، وبنى العرب القباب والأسقف على قبور موتاهم كقرابين ومن أغرب ما قدم كقرابين الأباريق لسكب السائل المقدس، وقد يكون هذا السائل ماء أو نبيذا أو دم القربان المضحى به!