ضرب روابط المجتمع بالمخدر
يمثل الفرد اللبنة الأولى في جدار المجتمع.. فحينما يقرر ضرب مجتمع ما، فإن التركيز ينصب أولا على لبناته الأساسية، والمخدرات إحدى الوسائل المتبعة لزعزعة المجتمع ومن ثم تحطيمه، فعندما يدخل الفرد نفق المخدرات المظلم وينشغل بنفسه، يبدأ المجتمع رويدا رويدا في التفكك والانحلال.. فالفرد المتعاطي يفقد بسهولة كل القيم والمثل الدينية والأخلاقية ويعجز عن مواصلة أداء عمله، ويتوقف عن إكمال دراسته، وتقل إنتاجيته، وينعدم نشاطه تجاه مجتمعه، فيصبح أسيرا لتلك السموم الفتاكة، فيتحول بفعلها إلى إنسان فارغ على هامش الحياة غير مبال بما حوله، منحرف عن النهج السليم، مهمل لمسؤولياته وواجباته، إضافة إلى أنه يصعب الوثوق به من قبل المتعاملين معه، وينعكس ذلك على المجتمع عندما يتساقط أفراده في فخ المخدرات، فيبدأ في التفكك والضياع تدريجيا حتى يخر صريعا.
"الاقتصادية" استعرضت في أولى حلقات ملف المخدرات الذي بدأت نشره في عددها أمس، القضية عالميا وأكثر الدول المنتجة لتلك السموم القاتلة، والأكثر تعاطيا بين مواطنيها، إضافة إلى الدور الريادي الذي تقوم به وزارة الداخلية السعودية من خلال الإنجازات التي سجلتها والتي تمثلت في عمليات الضبط ووأد محاولات تمرير كميات كبيرة من المخدرات في مهدها من مختلف أنواعها. كما تطرقت إلى الآثار الاقتصادية المترتبة على تعاطي هذه الآفة الخطرة وما تلقيه بظلالها على اقتصاد البلد، فضلا عن تفشي البطالة وزيادة نسبة الفقر بين أفراد المجتمع، أضف إلى ذلك قلة الإنتاجية لدى الموظفين المدمنين ما ينعكس سلبا على الاقتصاد بشكل عام.
#2#
اليوم "الاقتصادية" تستكمل حلقتها الثانية من الملف القضية، من خلال استعراض الآثار الاجتماعية المترتبة على تعاطي هذه السموم الشرسة وما يمكن أن تفعله المخدرات بالاستقرار الاجتماعي بدءا بأفراد الأسرة.. فإلى التفاصيل:
عقوق الوالدين
تتمثل الآثار الاجتماعية المترتبة على دخول عالم المخدرات في توتر علاقة المدمن مع والديه بسبب الإدمان، حيث لا يمكن لأي والد أن يقبل بإدمان ابنه ويوافقه عليه، حيث يجمع الباحثون في أوراق العمل المشاركون فيها، على أن المدمن يبيع أغراض البيت ليحصل على المال، ويأخذ كل ما يقابله من مال في البيت للحصول على المخدر، وقد يتعرض الوالدان للضرب والسب من ابنهما المدمن، بعد تعدد إحباطات الوالدين تجاه ابنهما وسلوكه وبعد تعدد محاولات العلاج الفاشلة يلجأ الوالدان إلى طرد ابنهما من المنزل وهنا تنعدم الرقابة عليه ويتوغل بسرعة أكبر في عالم الإدمان. إضافة إلى توتر العلاقة مع الإخوان والأخوات، حيث إنهم أول من يتعرضون للأذى من المدمن بعد أن يبدد كل ماله وأشيائه الخاصة، ويفقد المدمن ثقة كل من حوله وقد يأخذ الأمر سنوات طويلة من التعافي لاسترجاع هذه الثقة مرة أخرى.
طلاق وشتات أسري
من الآثار أيضا تفشي المشكلات الزوجية، فالمدمن يهمل في واجباته تجاه زوجته ولا يتحمل أي مسؤولية تجاه بيته وأبنائه ويزداد الضغط على زوجته لمواجهة صعوبات الحياة بمفردها ومن هنا تتوتر العلاقة الزوجية، إلى جانب أن المخدرات تؤثر في القدرة الجنسية سلبا، فالزوجة إما أن تدمن مع زوجها وإما ترفض الزوج المدمن ومن هنا تفشل العلاقة الزوجية تماما، وينعكس ذلك على الفشل التربوي مع الأبناء، فيهمل تربية أبنائه وقد يسيء التعامل معهم بالاعتداء الجسدي والعاطفي والجنسي، أو أن يكون قدوة سيئة لأولاده وقد يدفعهم دفعا سريعا في اتجاه الإدمان وغيره من الاضطرابات السلوكية، بعض الزوجات يلجأ لعزل الأولاد عن الأب المدمن حتى تستطيع تربيتهم وينتج عن ذلك خلل اجتماعي آخر وهو الأسرة ذات العائل الواحد، يترتب على ذلك الفشل الدراسي، فالمخدرات نمط حياة حيث يقضي المدمن 24 ساعة يوميا في البحث عن المتعة من خلال هذه المواد ولا يتبقى له أي وقت لدراسته. إن استعمال المخدرات أو المنشطات أو الكحول يؤثر في القدرات المعرفية للمدمن بالتدريج، ولذلك عادة ما يفشل المدمن في استكمال دراسته وخاصة في المراحل الدراسية المبكرة.
#3#
زيادة الجرائم
وتعد مشكلة التعاطي من أكثر المشكلات الاجتماعية خطورة ولها تأثير قوي في تقدم أي مجتمع كماً وكيفاً، تستنفد تلك المشكلات معظم طاقات الفرد والمجتمع وإمكاناتهما، وقد نالت اهتمام عدد كبير من الباحثين والهيئات العالمية، والإقليمية ورصدت الأموال لمكافحتها ومعالجة آثارها. فالمخدرات أصبحت من أعقد المشكلات المعاصرة لدى معظم المجتمعات، خصوصاً أن هذه المشكلة تمس حياة المدمن الشخصية والاجتماعية من جميع الجوانب سواء كان ذلك يتمثل في صورته أمام نفسه، أو بينه وبين أفراد أسرته. تمس أمن المجتمع واستقراره، حيث أدى انتشار الإدمان إلى زيادة نسبة الجرائم والعنف مثل السطو المسلح، والسرقة، والتشرد وغيرها من الجرائم التي تحدث أغلبها تحت تأثير الإدمان.
قلة الإنتاجية
كما لها تأثير كبير في الأداء المعرفي والقدرة الإنتاجية لمؤسسات المجتمع، حيث تبين تأثير إدمان الهيروين والكوكايين وغيرها من الأنواع في تعطيل الأداء المعرفي لدى المدمنين. كما تؤدي إلى انخفاض الأداء المهني، حيث تبين أنه يقل أداء المدمن في الجوانب التالية: الانتظام في العمل، الجزاءات، أداء الدور المهني، الاستقرار في العمل، والإصابات والحوادث، ولا يوجد فرق في انخفاض الأداء المهني حسب نوع المادة الإدمانية.
وتأثير المخدرات واضح في تدني مستوى الكفاءة الاجتماعية لدى متعاطي المخدرات، وتعطيل قدرات جزء من القوى البشرية المنتجة في المجتمع، خصوصاً أن عدداً من الدراسات في عدد من الدول العربية أشارت إلى أن غالبية من تشدهم هذه الظاهرة هم من فئة الشباب والفتيات، وغالبيتهم هم أقل من سن الثلاثين، وهذا بلا شك هدر للطاقة الاجتماعية لفئة الشباب من المتعاطين والمدمنين للمخدرات، يقلل تعاطي المخدرات الاهتمام بالأسرة ويكون أكثر سوءاً عندما يكون رب الأسرة هو المتعاطي، كما يضعف الانتماء الأسري والشعور بالمسؤولية تجاه أفرادها الآخرين، ويعد تعاطي المخدرات من الأسباب الرئيسية في حوادث السيارات، وبالتالي في زيادة عدد الوفيات، والإصابات الشديدة أو المعوقة في المجتمع مما يسبب تكاليف مادية باهظة وخسارة اجتماعية.
#4#
الرشوة والاختلاس
كما أن المتعاطي يتحول بفعل المخدرات إلى إنسان كسول ذي تفكير سطحي لا يؤدي واجباته ومسؤولياته بالشكل السليم، كما أنه ينفعل بسرعة ولأتفه الأسباب، ويصبح ذا أمزجة منحرفة في تعامله مع أفراد مجتمعه، كما أن التعاطي يدفع الفرد إلى عدم القيام بعمله على أكمل وجه، مع افتقاره إلى الكفاية والإرادة والنشاط لتحقيق واجباته. كما أن المتعاطي يضطر إلى الاستدانة وربما إلى أعمال غير مشروعة كقبول الرشوة والاختلاس والسرقة وغيرها للحصول على المادة المخدرة بأي شكل من الأشكال.