مع انتقالها إلى فيرجينيا.. هل تضل بوينج طريقها؟

مع انتقالها إلى فيرجينيا.. هل تضل بوينج طريقها؟

كان من المفترض أن يكون قرار شركة بوينج بنقل مقرها الرئيس من شيكاغو إلى أرلينجتون في ولاية فيرجينيا بمنزلة إشارة لفصل جديد في تاريخ عملاقة الصناعة. بدلا من ذلك، أثارت هذه الخطوة انتقادات لإبعاد الإدارة عن الموطن الروحي للشركة، مصانع الطائرات التجارية في سياتل، وتقريبها من عملياتها الدفاعية.
أعربت نقابات وخبراء اقتصاديون عن قلقهم، مع تحذير بعضهم من أن مجموعة الطيران تسير في الاتجاه الخاطئ تماما مع سعيها للخروج من أزمة تحطم طائرة 737 ماكس المفجعة وانتكاسات بشأن البرامج المدنية والعسكرية التي أضعفت ثقة المستثمرين.
قال راي جوفورث، المدير التنفيذي لجمعية موظفي الهندسة المهنيين في مجال الطيران، التي تمثل أكثر من 14 ألف موظف من شركة بيونج، "ينظر إلى الأمر على أنه تخل عن جانب الطيران التجاري من الشركة".
سمع الموظفون أنه "لن يأتي أي أحد لإصلاح المشكلات – إنهم يركزون على المكان الذي يمكنهم فيه جني مزيد من الأموال"، كما أضاف. "يبدو أن الشركة تنتقل من حل سحري إلى آخر".
يعد موقع مقر "بيونج" موضوعا حساسا. نقلت المجموعة مكتبها الرئيس من سياتل إلى شيكاغو في 2001، بعد أربعة أعوام من اندماجها مع شركة ماكدونيل دوجلاس. يقول إن المسؤولين التنفيذيين أصبحوا أكثر تركيزا على استمالة "وول ستريت" من التركيز على التميز الهندسي. أنفقت "بيونج" أكثر من 40 مليار دولار على عمليات إعادة شراء الأسهم بين 2013 و2019.
قالت "بوينج" إن الانتقال، إلى موقع على بعد ميل من البنتاجون، سيقربها من العملاء وأصحاب المصالح وكذلك المواهب الهندسية، حيث تسعى الى جذب موظفين جدد. تجلب الأعمال الدفاعية للشركة إيرادات أكثر من ذراعها التجارية.
سيكون مقر أربع من أكبر خمس شركات طيران ودفاع أمريكية الآن في ضواحي واشنطن العاصمة مع انضمام "بوينج" إلى "لوكهيد مارتن" و"نورثروب جرومان" و"جنرال دايناميكس". يوجد أيضا مقر إدارة الطيران الفيدرالية، جهة تنظيمية أمريكية زادت من رقابتها على الشركة، في العاصمة.
طغت نتائج الربع الأول الضعيفة على الجدل حول الحكمة من تحويل المقر الرئيس، ما أكد على التحديات التي تواجه الشركة. كشفت "بوينج" الشهر الماضي عن خسائر تبلغ 1.2 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، بما في ذلك 660 مليون دولار تتعلق بإنتاج طائرتين من طراز آير فورس ون، الطائرة الرئاسية الأمريكية.
على الجانب المدني، أعلنت الشركة عن تأخير إضافي لطائراتها ذات الهيكل العريض من طراز 777 إكس حتى 2025، ومن المتوقع أن تكلف 1.5 مليار دولار أخرى. تحرز "بوينج" أيضا تقدما أبطأ من المتوقع في تصفية طلبات متأخرة لمئات من طائرات 737 ماكس التي تراكمت خلال فترة منع طيران الطائرة عالميا بعد حادثتي تحطم في 2018 و2019. في الوقت نفسه، لا تزال شحنات العملاء لطائرة 787 دريملاينر ذات الهيكل العريض معلقة بعد مشكلات تتعلق بضبط الجودة.
أثرت هذه الأخبار السيئة على أسهمها. بانخفاض 40 في المائة منذ كانون الثاني (يناير)، تعد "بوينج" الوحيدة من بين شركات الدفاع الخمس الكبرى التي تراجعت أسهمها هذا العام وسط تجدد حماس المستثمرين للقطاع في أعقاب حرب روسيا وأوكرانيا.
أثارت التأخيرات المتكررة غضب بعض أكبر عملاء "بوينج"، وكثير منهم يسعون إلى توسيع أساطيل الطائرات مع عودة الركاب إلى الأجواء بعد تخفيف قيود جائحة فيروس كورونا.
قال مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة ريان آير، الإثنين إن هناك حاجة لتغييرات شاملة في الإدارة العليا في "بوينج"، بينما قالت شركة أمريكان آيرلاينز في شباط (فبراير) إنها كانت مضطرة لإعادة ترتيب جدولها الصيفي "بسبب استمرار عجز "بوينج" عن تسليم طائرتنا 787-8".
ما زاد الطين بلة، أن "آيرباص"، منافسة "بوينج" العنيدة، قد نجحت في بناء مركز مبيعات قيادي في قطاع الطائرات ذات الهيكل الضيق في السوق. أعلنت الشركة الأوروبية المصنعة للطائرات أخيرا عن خطط لزيادة قوية في إنتاج عائلة طائراتها من طراز إيه 320 الشهيرة، بما في ذلك خط تجميع ثان في الولايات المتحدة في عملياتها في موبيل في ألاباما.
قال جون بلوجر، الرئيس التنفيذي لشركة آيرليس، واحدة من أكبر عملاء الشركة، التي لا تزال تنتظر تسليم نحو 12 طائرة من طراز 787، "من الواضح أن بوينج تواجه تحديات عظيمة، خاصة في الجانب التجاري. من وجهة نظرنا، في ضوء تاريخنا مع بوينج في العام أو العامين الماضيين، فإننا نأمل أن نتمكن من الحصول على الأقل على طائرة واحدة من طائرة 787 بحلول نهاية هذا العام. أتمنى أن أكون مخطئا، وآمل أن نحصل على عدد أكبر بكثير".
أضاف بلوجر أن الانتقال إلى فيرجينا من شأنه أن "يعزز العلاقات مع الدفاع ومع الجهات التنظيمية مثل إدارة الطيران الفيدرالية، ولا بأس بهذا. لكن من وجهة نظرنا، ليس هناك شيء مثل الرقابة المباشرة على خط الإنتاج".
كان بعض عملاء "بوينج" الآخرين أكثر صراحة، حيث قال دومهنال سلاتري، رئيس "أفولون"، ثاني أكبر شركة تأجير في العالم، في مؤتمر صناعي هذا الشهر إن الشركة "ضلت طريقها". وقال إنها بحاجة "لإعادة تصور أهميتها الاستراتيجية في السوق بشكل أساسي"، مضيفا أن ذلك سيتطلب "رؤية جديدة، وربما قيادة جديدة".
الانتقاد العلني نادر الحدوث في صناعة تكون فيها الخلافات خلف أبواب مغلقة. بشكل خاص، كرر مديران تنفيذيان آخران تواصلت معهما "فاينانشال تايمز" وجهة النظر القائلة بأن "بوينج" ستستفيد من قيادة جديدة وشككا في تنفيذها للبرامج الرئيسة. وعد ديف كالهون، الرئيس التنفيذي لـ"بوينج" وعضو مجلس الإدارة منذ فترة طويلة، بمزيد من الشفافية وعودة إلى الجذور الهندسية للشركة عندما تولى المنصب بعد دينيس مويلينبورج في 2019.
قال ريتشارد أبو لافيا، مستشار الطيران في شركة آيرو داينامك أدفايزوري، إن مشكلات الإنتاج العنيدة لـ"بوينج" كانت "مجرد غياب القيادة العليا". أضاف أنه "ذهل من عدم وجود خطة" للشركة.
أصر شخص مطلع على تفكير "بوينج" على أن التغيير الإداري ليس ضروريا لاستعادة الثقة. امتنعت "بوينج" عن التعليق على الأمر.
على الرغم من إحباط بعض العملاء، فإن الشركة لديها داعمون وتستمر في كسب الطلبيات، بما في ذلك طلبات أخيرة من شركة لوفتهانزا الألمانية. وصف بوب جوردان، رئيس شركة ساوث ويست آيرلاينز، "بوينج" هذا العام بأنها "شريكة رائعة".
لكن قرار المجموعة بنقل مقرها زاد المخاوف حول الإنتاج والهندسة.
قال رون إيبستين، محلل في بنك أوف أميركا، "إذا نظرت إلى التاريخ على مدار الأرباع الماضية – فقد تولت الشركة إلى حد كبير مسؤولية كل برنامج من برامجها الرئيسة، في كل من المجال الدفاعي والتجاري. إن ما تفعله ليس سهلا، في صنع هذه الآلات، لكن يبدو أنها تواجه صعوبات أكبر من نظيراتها". مضيفا أن كثيرا من هذه المشكلات تتعلق "بالهندسة".
تصر الشركة على أن الأمور قد تغيرت منذ حادثة طائرة ماكس. دافع كالهون الشهر الماضي عن ثقافة الشركة في مكالمة مع المستثمرين، قائلا، "لا أعزو مشكلات الاعتماد والجداول الزمنية إلى العجز الهندسي بأي شكل من الأشكال".
قالت "بوينج" لـ"فاينانشيال تايمز" إنها تتخذ "إجراءات شاملة لتعزيز التميز الهندسي، وتحسين الجودة، ودفع الاستقرار وإمكانية التنبؤ". أضافت، "نحن شركة ذات دورة أعمال طويلة، والرحلة التحويلية التي نخوضها ستقاس بالأعوام، ليس بالأرباع السنوية أو الأشهر".
قال بريان ويست، المدير المالي في "بوينج"، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي إن الشركة كانت "على وشك تجاوز أصعب فترة لها".
أضاف أن أهداف الشركة الرئيسة تتمثل في تسليم طائرات 787، وتسليم مزيد من طائرات 737 ماكس، وتحقيق تدفق نقدي مستدام. قال ويست، "هذه الأمور الثلاثة هي العناصر الأكثر أهمية التي نفكر فيها يوميا. وأعتقد أنه بينما نتقدم خلال العام، سنبدأ في تحقيق هذه الأهداف".
يعد توليد التدفق النقدي أمرا بالغ الأهمية إذا كان لدى "بوينج" – التي لا يزال لديها صافي ديون بقيمة 45 مليار دولار – الموارد اللازمة لتمويل الاستثمارات، ولا سيما في الطائرات الجديدة، حيث تواجه الصناعة ضغوطا بشأن انبعاثات الكربون. ويعتقد بعض المحللين أن الشركة ستحتاج إلى جمع رؤوس الأموال عاجلا غير آجل.
اقترح مراقبون آخرون أنه على المدى الطويل قد تضطر الشركة إلى فصل ذراعها التجارية عن أعمالها الدفاعية من أجل البقاء - وهي فكرة رفضها شخص مطلع على تفكير "بوينج"، قائلا، "بالطبع لا". امتنعت "بوينج" عن التعليق على الاقتراح.
ستكون الأشهر المقبلة حاسمة بالنسبة للمجموعة لإقناع المستثمرين - والعملاء - أنها تحقق إنجازات. "لقد كنا دائما داعمين للشركة ومشترين كبارا لطائراتها، يجب أن تكون شريكة موثوقة. يجب أن تكون قادرة على تسليم الطائرات التي طلبناها"، حسبما قال بلوجر من "آيرليس".

الأكثر قراءة