FINANCIAL TIMES

إذا كان الوقت هو المال .. أنفقه بحكمة

إذا كان الوقت هو المال .. أنفقه بحكمة

قراءة هذا المقال تستغرق نحو ثلاث دقائق. ما إذا كان الأمر يستحق ثلاث دقائق يعتمد علي بالطبع. سأبذل قصارى جهدي. لكن الأمر يعتمد عليك أيضا، وعلى موقفك تجاه الوقت، وربما على وظيفتك.
قبل 20 عاما، بدأت كاثلين كافيني، أستاذة في القانون وعلم اللاهوت، مقالة بملاحظة مفادها أن "كثيرا من المحامين مستاؤون للغاية، خاصة المحامين الذين يعملون في شركات كبرى. قد يكونون أغنياء ويزدادون ثراء، لكنهم أيضا بائسون، أو هذا ما يقولونه". هل كانت هذه الحالة المحزنة ناتجة عن ساعات العمل الطويلة أم العمل المجهد؟ ربما. لكن كافيني حددت سببا أكثر دقة: "أجرة العمل بالساعة" - أو حتى بشكل أكثر دقة، علاوة في الأجرة مقابل ست دقائق عمل أخرى.
كان المحامون ينجذبون بلا هوادة نحو موقف تعيس وسيئ من الطريقة التي يقضون بها وقتهم، من خلال حساب كل لحظة من حياتهم العملية وتحديد كل لحظة بأنها إما "بأجر" وإما، مع الأسف، "دون أجر". ليس كل المحامين بالطبع. وليس المحامون فقط.
كان لدى كافيني مخاوف عديدة. أشارت إلى أن المحامين سيركزون على أهداف ضيقة المدى بدلا من القيم الأوسع أو الأعمق مثل الحفاظ على المهارات أو توجيه الزملاء الشباب أو الارتقاء إلى المثل العليا للقانون. كانت قلقة بشأن التسليع الواضح للوقت.
لكن ربما يكون الأمر الأكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى هو أن أجر العمل بالساعة يشجعنا على النظر إلى جميع الأوقات على أنها متماثلة. إذا كان الوقت هو المال، فإن ذلك ينطبق بالتأكيد على الساعة السادسة من صباح يوم الكريسماس بقدر ما ينطبق على الساعة الثانية بعد الظهر الجمعة 29 نيسان (أبريل). كتبت كافيني، "لا يوجد وقت مقدس بطبيعته أو حتى خاص".
إذا طلبت أن يكون أجرك ألف جنيه استرليني للساعة، كما يفعل بعض كبار المحامين، فإن أي زيادة معينة في وقت العمل مدتها ست دقائق يمكن تحويلها إلى 100 جنيه. هل يمكنك حقا تحمل ساعة في صالة الألعاب الرياضية؟ هل يمكنك حقا الاتصال بوالدتك أو قراءة قصة ما قبل النوم لطفلك؟
الفكرة ليست أن المحامين لا يتصلون بأمهاتهم أبدا، لكن الإطار الكامل للأجر بالساعة يجعل من المكلف بشكل مزعج فعل أي شيء دون الحصول على أجر. أوليفر بيركمان يأسف في كتابه الرائع بعنوان "أربعة آلاف أسبوع"، قائلا إن الاستنتاج المنطقي هو أن "الساعة التي لا تباع تكون ساعة ضائعة تلقائيا".
إذا تم تدريب المحامين على التفكير في الوقت على أنه علاوات في الأجر مقابل عمل إضافي مدته ست دقائق، فماذا عن الوظائف الأخرى؟
قارن المحامي، مثلا، بمزارع ألبان. يعمل مزارع الألبان لساعات طويلة وشاقة، وعادة ما يكون مقابل نقود أقل كثيرا من المحامي. لكن الاختلاف المهم بين الوظيفتين هو أن الوقت لا يمكن استبداله بالطريقة نفسها. يجب حلب الأبقار عندما تكون بحاجة إلى ذلك. بعد أن يحلبها المزارع قبل الإفطار، لا توجد حاجة إلى فعل ذلك مرة أخرى بعد الإفطار.
هذه الساعات الطويلة غير القابلة للاستبدال لا يمكن أن تكون سهلة، ومثلما قد ينزعج المحامي من مكالمة في وقت متأخر من الليل من أحد العملاء، قد يضطر مزارع الألبان إلى النهوض بعد منتصف الليل لمساعدة بقرة على المخاض. لكنني لا أعتقد أنني أبالغ في التعاطف لأشير إلى أنه مثلما يوجد شيء سيئ من الناحية النفسية حول حقيقة أن المحامي يمكنه دائما الحصول على علاوة مقابل ست دقائق عمل أخرى، هناك شيء صحي نفسي حول حقيقة أن المزارع يمكن أن يطمئن أحيانا أنه لا يوجد شيء ذو فائدة ينبغي فعله حتى الصباح.
لا أقصد الوعظ، فقط لملاحظة أن هناك فرقا يتجاوز الأجور أو الساعات. هذه الوظائف المختلفة لها مواقف مختلفة تجاه الوقت المستغرق فيها.
كذلك يفعل الأشخاص في الوظائف الأخرى. نحن الصحافيين، مثلا، نميل إلى التفكير من حيث المواعيد النهائية. في بداية عملي نصحني أحد الأصدقاء بأن سر الصحافة يكمن في "تقديم مقالة جيدة، في الوقت المحدد". يصل هذا إلى جوهر الموضوع: يريد الصحافيون إجراء مقابلات تحدد جدول الأعمال، وكتابة مقالات سبق صحافي بالغة الأهمية، وطرح موضوعات مأساوية، لكن الموعد النهائي ذا أهمية مطلقة. ينبغي بذل الجهد في كل شيء آخر ليناسب الموعد النهائي.
ضغوط الموعد النهائي شديدة وليست دائمة، ويجدها كثير من الأشخاص "بمن فيهم أنا" محفزة ومرضية وصحية. سواء كان عملك جيدا أو مشوشا، يمكنك تقديم مقالتك والبدء بصفحة نظيفة في الصباح. هذا ليس سلوكا سيئا تجاه العمل، لكنه يتعارض مع بعض الوظائف ومع العمل الصحافي.
في حين قد يراقب صحافي اقتراب موعد نهائي مع موجة إنتاجية يغذيها الأدرينالين، فإن دقات الساعة نحو الخامسة مساء، بالنسبة إلى شخص يعمل لساعات ثابتة، قد تشير إلى الدقائق البطيئة والمملة التي يجب تحملها.
عرض بعض التصنيفات لوظائف مختلفة وموقفها من الوقت أمر مثير. مع ذلك، أظن أن هذه التصنيفات بدأت تصبح مشوشة وغير واضحة. في 1992 صاغ الخبير الاقتصادي، بيتر ساسون، عبارة "قانون تناقص التخصص". بعد 30 عاما، من المدهش مقدار المعرفة التي يتم التعامل معها باستخدام الأدوات وسير العمل أنفسهما - سير عمل لا يتضمن بشكل متزايد ساعات ثابتة ولا موقع ثابت. نحن جميعا، مثل المحامين، قادرون على أداء بعض الأعمال الإضافية قبل النوم، حتى لو لم يكن بإمكاننا جميعا أن نطلب في المقابل ألف جنيه للساعة.
على الرغم من أن "أجر العمل بالساعة" يمكن أن يكون خدعة نفسية، إلا أنها تعلمنا درسا واحدا قيما: هناك فرق بين العمل وعدم العمل. إنه فارق يستحق الحفاظ عليه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES