رفاهية مكان العمل .. توجه جديد ينتشر بين أصحاب العمل

رفاهية مكان العمل .. توجه جديد ينتشر بين أصحاب العمل
تظهر الدراسات أن ضعف الأداء مرتبط بانخفاض صحة الموظفين البدنية والعقلية.

كل أسبوع يحجز الموظفون في شركة فوجيتسو ساعة في التقويمات الخاصة بهم لنشاط غير متعلق بالعمل من اختيارهم. إنهم يحتفظون بفترات "وقت التركيز المحمي" غير المضطرب ويحصرون اجتماعاتهم الأساسية عبر الإنترنت في حدود 25 ـ 45 دقيقة للتأكد من حصولهم على فترات راحة.
تقول كيلي ميتكالف، رئيسة التنوع والشمول والرفاهية في قسم شمال غرب أوروبا في شركة التكنولوجيا اليابانية، "كانت هذه أشياء بسيطة، حقا حصلت على كثير من ردود الفعل الإيجابية". أضافت، "كانت إحدى الشكاوى الكبيرة بين العاملين عن بعد هي إرهاق الاجتماعات الافتراضية. لقد سئموا تماما النظر إلى الشاشات طوال اليوم".
التدابير المتخذة من جانب عديد من الشركات - وأصحاب العمل الآخرين على مستوى العالم – هي أنهم يستكشفون ويتأقلمون مع عالم ما بعد الوباء الذي يتميز بمزيد من المرونة، والعمل الهجين، والعمل عن بعد، مع التركيز بشكل أكبر على رفاهية الموظفين المدمجة في عملياتهم.
غالبا ما كانت الرفاهية في مكان العمل إضافة عرضية، مع تدخلات فردية لتشجيع زيادة النشاط البدني والأكل الصحي، مثل توفير الفاكهة في الكافيتريا أو جلسات الإقلاع عن التدخين أو عضوية ناد رياضي مدعومة.
لكن هناك نقاشا متزايدا حول الحاجة إلى مناهج تمتد على نطاق أوسع لمعالجة الصحة العقلية، والتعمق في معالجة الأسباب الهيكلية الكامنة وراء ضغوط مكان العمل المتجذرة في كيفية إدارة المنظمات.
أحد الأسباب هو البحث عن الروابط بين الصحة البدنية والعقلية والإنتاجية. يمكن أن تحسن التمارين من الصحة العقلية، مثلا الأعراض الجسدية مثل آلام الظهر قد تكون وسيلة لمخاوف الصحة العقلية الأساسية.
يشير كريستيان فان ستولك، نائب الرئيس التنفيذي في معهد الأبحاث المستقل، راند يورب، إلى عدد من الدراسات، بما في ذلك جوائز أماكن العمل الأكثر صحة في بريطانيا التي تدعمها "فاينانشيال تايمز"، التي تظهر ارتباط الأداء الضعيف بانخفاض الصحة البدنية والعقلية للموظفين، ويتم قياسه بواسطة عوامل من بينها التغيب المستمر وكذلك "الحضور الشكلي"، حيث يأتي الموظفون إلى العمل، لكن أداءهم ضعيف.
يقول ستولك، "هناك ارتباط قوي بشكل خاص بين الرفاهية وكمية ونوعية النوم". كما يشير إلى المخاوف المتزايدة بشأن الضغوط المالية الإضافية على خلفية ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض أجور الموظفين.
أثار كوفيد - 19 تغييرا في كيفية عمل واستجابة أرباب العمل لمخاوف صحة الموظفين. تجادل ميتكالف بأن الوباء كان حافزا في "فوجيتسو" لتحويل التركيز إلى نهج أكثر شمولية، "لم يكن هناك خيار سوى تبني رفاهية الموظف. لم يكن بإمكاننا الحفاظ على الإنتاجية والاستمرار في تحقيقها بطريقة أخرى".
كما تشير إلى عوامل أوسع تدفع أصحاب العمل إلى الانخراط في هذه القضايا، سوق العمل المزدهرة الحالية في كثير من الدول تعني أن المديرين التنفيذيين بحاجة إلى إيجاد طرق جديدة لجعل مكان العمل أكثر جاذبية لتوظيف الشباب والاحتفاظ بهم.
تستشهد البروفيسورة كارول بلاك، طبيبة ومستشارة حكومة المملكة المتحدة للعمل والصحة، بمخاوف موازية بشأن "الاستقالة الكبرى" للموظفين الأكبر سنا والأكثر خبرة الذين يغادرون، ما يحفز التفكير الجديد حول كيفية الاحتفاظ بهم. تقول، "لقد صعدت الصحة والرفاهية حقا إلى جدول أعمال الحكومة والصناعة".
لكن إذا كان هناك طلب متزايد على البرامج التي تدعم عافية الموظفين وبالمقابل لا يوجد نقص في الاستشاريين والخدمات للاستجابة، فإن الدليل على ما ينجح هو أقل بكثير. تقول، "هناك كثير من الأشياء التي ليست بجودة عالية، حيث يوفر هذا التطبيق أو ذاك الرفاهية".
يقول كاري كوبر، أستاذ علم النفس التنظيمي في جامعة مانشستر، إن الدراسات الدقيقة نادرة. قد يكون من الصعب تحديد وتنفيذ وقياس التدخلات الموحدة، حيث يتردد الأكاديميون والشركات على حد سواء في استثمار الوقت والتكاليف المطلوبة. يضيف، "يشعر الباحثون التنظيميون أنهم لا يستطيعون نشر أعمالهم ولا يريد أصحاب العمل إضاعة الوقت في القيام بها".
يشير بحثه الخاص، المدعوم بمناقشات مع المنتدى الوطني للصحة والرفاهية في العمل، وهي شبكة من كبار المديرين التنفيذيين في المملكة المتحدة التي يشرف عليها، إلى الحاجة إلى معالجة الأسباب الهيكلية الكامنة وراء ضغوط الموظفين، التي في الأغلب ما تكون متجذرة في ممارسات الإدارة السيئة.
يجادل بأن تقليل الإجهاد في مكان العمل وتحسين الإنتاجية مرتبطان بعوامل تشمل الاستقلالية، والشعور بالهدف بين الموظفين والإدارة المتعاطفة.
يتابع، "الأمر كله يتعلق بالمدير التنفيذي - من الطابق السفلي إلى الطابق العلوي (من الموظفين العاديين إلى كبار المديرين). إنهم بحاجة إلى مهارات شخصية واجتماعية وعاطفية. لكننا نشجعهم اليوم على أساس الخبرة الفنية. في العالم الذي نعيش فيه، يجب أن يكون هناك تكافؤ في مهارات الأشخاص والمهارات الفنية للمديرين".
يشير كيفن دانيلز، الذي يدير مركز وات ويركس فور ويلبينق، إلى أدلة تشير إلى أن أفضل أصحاب العمل يقومون بإشراك كبار المديرين في تدريب منتظم وممارسات عمل مرنة واستشارات متكررة للموظفين حول كل شيء بدءا من تخطيط المكتب إلى تصميم الوظائف. ولكي تظل أي تدخلات محددة فعالة، فإنها ستتطور بمرور الوقت استجابة للتعليقات.
يقول ديفيد رومز، كبير المسؤولين الطبيين في مجموعة رولز رويس الهندسية في المملكة المتحدة، إن البرامج الناجحة تتطلب مناقشة لامركزية ومشاركة الموظفين. "هناك كثير من البائعين الذين يبيعون جميع أنواع الأنشطة من تدليك القدم إلى طاولة كرة القدم. تبدو لطيفة في الكتيب وربما تجعل الناس يشعرون بالرضا، لكننا نريد التأكد من أن لدينا قاعدة أدلة".
منذ 2015، أشرف رومز على برنامج "العيش بشكل جيد" الذي يتطلب من كل شركة في جميع أنحاء العالم إدارة لجنة رفاهية.
تجمع "رولز رويس" بين نهجها اللامركزي مع التدريب الإداري والتواصل من قبل السفراء وندوات دورية مع كبار القادة بما في ذلك الرئيس التنفيذي ليكون مثالا يحتذى به من الأعلى.
يقول رومز، "نحن نخرق الأسطورة القائلة إن الإنتاجية لا تأتي إلا من دفع الناس بقوة أكبر. نريد أن ننظر إلى الشخص بأكمله وأن نكون أكثر تفكيرا في كيفية قيادتك وإدارتك لمنحك نتائج أفضل في النهاية. إننا ننفق عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية سنويا على المصانع والأصول، والجميع يقول إن موظفينا هم أصولنا، لكن بالمقارنة استثمارنا فيهم متواضع".

الأكثر قراءة