د. السحيباني: لا يجب إصابة عين الكعبة بل يكفي التوجه جهة القبلة
يثار بين الحين والآخر الحديث عن انحراف بعض المساجد عن القبلة، وقد يكون هذا الانحراف يسير وفي بعض الأحيان قد يكون كبيرا، ولوضع الأمور في نصابها حول هذا الأمر الذي يتعلق بالركن الثاني من اركان افسلام وبقبول الصلاة من عدمها حرصنا على طرح رأي أهل العلم فيه ، وماهو الأثرالذي يترتب على انحراف مسجد عن القبلة خاصة إذا كان انحرافا كبيرا؟ و ما موقف المصلين فيه؟ لاسيما وأن أهل العلم أشبعواهذا الأمر تمحيصا وبحثا, ولعل ممن تحدث فيه من العلماء المعاصرين هو فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ عندما سئل عن مسجد تنحرف فيه القبلة عن اتجاهها الصحيح بنحو ثلاث درجات حسب البوصلة المعدة لتحديد جهة الكعبة، ودأب الناس على الصلاة حسب اتجاه المسجد لعدم علم كثيرين منهم بانحراف المسجد عن القبلة، فهل هذا الأمر يؤثر في صحة الصلاة؟ وهل يجب تعديل المسجد؟ فقال فضيلته عن ذلك مجيبا بقوله: (إذا كان الانحراف لا يخرج الإنسان عن الجهة فإن ذلك لا يضر، والاستقامة أولى بلا ريب، أما إذا كان هذا الانحراف يخرج الإنسان عن جهة القبلة، مثل أن يكون متجهاً إلى الجنوب، والقبلة شرقاً، أو إلى الشمال والقبلة شرقاً، أو إلى الشرق والقبلة جنوباً، فلا ريب أنه يجب تعديل المسجد، أو يجب الاتجاه إلى جهة القبلة وإن خالف جهة المسجد".
فالانحراف اليسير إذن يغتفر، ولا ينبغي الوسوسة، وتشكيك الناس في صلواتهم وإحداث القلاقل والبلبلة في المسجد. أما إذا كان الانحراف غير يسير فيجب تعديله حسب الإمكان، وتحقيق المصلحة، إما من داخل المسجد بتعديل الفرش على الاتجاه الصحيح، وإما بوضع شيء يدل على الاتجاه الصحيح للقبلة، ولا يهدم المسجد، أما إذا هدم لأي سبب من الأسباب مثل التوسعة أو كان قديماً واحتيج إلى إعادة بنائه فتعدل قبلته على الاتجاه الصحيح.
أما المساجد التي تبنى جديدة فينبغي مراعاة القبلة فيها، والحمد لله فقد أصبح الأمر ميسوراً، وليس فيه مشقة أو تكلفة، فقد وجدت الوسائل المفيدة كالبوصلة التي نستطيع من خلالها معرفة الاتجاه الصحيح للقبلة.
ويقول الدكتور عبد العزيز محمد السحيباني الأستاذ في جامعة القصيم عن حكم الانحراف عن القبلة في الصلاة إنه لا يجب إصابة عين الكعبة بل يكفي التوجه جهة القبلة. فلو كانت القبلة شرقا فيكفي التوجه شرقا, أما الانحراف التام فلا يجوز, فلا يجوز مثلا أن يتوجه جنوبا والقبلة في الشرق. وننصحك أخي الكريم أن تعاون أهل المسجد في التوجه إلى القبلة, وذلك مثلا بوضع خطوت بحيث إذا اصطف المصلون عليها يكونون متجهين إلى القبلة.
كما أن اللجنة الدائمة قالت في إجابة لها بالنسبة للانحراف اليسير فهو يُغْتَفَر، كما دلت عليه النصوص الشرعية، أمَّا إذا كان الانحراف غيرَ يسير، فيعدل من داخل المسجد، إمَّا بتعديل الفرش على الاتجاه الصحيح وإما بوضع شيءٍ يدل على الاتجاه الصحيح للقبلة، دون حاجة إلى هدم المساجد المنحرفة، وإذا هُدِم مسجد لأي سبب من الأسباب وأُعِيدَ بناؤه، فتعدل قبلته على الاتجاه الصحيح، وهكذا المساجد التي تُبنى من جديد تجب مراعاةُ الاتجاه الصحيح فيها قبل الشروع في بنائها، و الواجب على الإمام والمأموم استقبال جهة الكعبة ، لقول الله سبحانه: "وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وهذا خطاب لمن هم في شمال الكعبة أو جنوبها، وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة، وأما من كان عن الكعبة غربا أو شرقا فإن القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب، ولأنه لو كان الغرض إصابة العين على من بعد عن الكعبة لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة، فإنه لا يتأتى أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف أكثر من قدر الكعبة وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من جهته, يقول الدكتور خالد بن محمد الماجد عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إن الانحراف عن يمين القبلة أو عن يسارها لكن في الجهة نفسها فلا بأس من الاقتداء بالإمام؛ لقوله ـ صلى الله عليه وسلم: "وما بين المشرق والمغرب قبلة" والصلاة صحيحة، ولأن مصلحة الائتلاف والاجتماع تربو على مصلحة إصابة الجهة من غير انحراف، فإذا كان أهل السكن قبلتهم إلى الجنوب فانحرفوا إلى الجنوب الشرقي أو الجنوب الغربي فصلاتهم صحيحة؛ لأنه مقتضى الحديث، لكن إن كان الانحراف مضاداً، كأن يكون إلى الشمال، أو مخالفاً، بأن يكون توجههم إلى الغرب أو الشرق فلا يجوز الاقتداء، ولا تصح بذلك الصلاة؛ لأن استقبال القبلة شرط فيها مع القدرة، وهم قادرون على التوجه إلى القبلة غير معذورين بتركها. والله أعلم