بصمات لونية لموهوبات جمعية البر
ظل الرسم ولفترة طويلة من الزمن، موهبة لا يُتاح تنميتها، حيث ينظر إليها الأهل، كترفيه يُضيّعُ الوقت والمال، وكجهد لا طائل من ورائه، لكن من يكبر وفي داخله بذرة هذه الموهبة يُدرك جيداً ماذا تعني بالنسبة إليه، روحياً وجسدياً وعقلياً، يدرك ماذا يعني أنّ الله وضع بذرة الإبداع في داخله، ويدرك ماذا يعني له أن تُحاط تلك البذرة بالرعاية والسقيا.
كثيرون يملكونها أكاد أجزم، ولكنها تتوه منهم تحت ركام الواجب والمفروض، وبعيداً عن المتاح، لكن ما إن يفتح الحظ باباً لبعض المواهب فتُحاطُ بالحب والاهتمام حتى تنمو وتكبر، وتعلن نفسها بجمال لا يضاهيه جمال.
أنْ تعتني أم بطفلها الموهوب في الرسم فتلك تربية نشكرها عليها، نفرح لأجلها قبله، لأنها ترى في إبداعه امتدادات لها ولأسرتها، لكن أن تهتم معلمة رسم بطالبات يتيمات وترعاهن بحنو، وتساند موهبتهن باهتمام وثقة مطمئنة إلى عطائهن وإبداعهن، دون أن تنتظر كلمة شكر سوى إيمانها القوي بأهمية هذا الفن لهن، فماذا يمكن أن نقول حتى نوفيها حقها !
أشواق شتيوي معلمة مبدعة تؤمن بأهمية الرسم وتدرك أن تنمية تلك المواهب جدير بالرعاية وتعلم ما هو أبعد، ما هو كامن في نفوس هؤلاء الطالبات، فتيات موهوبات من جمعية البر، رعاهن مركز نبع الود لعدة سنوات وأحاطهن بالتدريب والرعاية والدورات التطويرية، وبحث جيداً فيما يخبئن في أرواحهن من عطاء، فكانت دورات تعليم الخط، ومن ثم دورات الرسم بألوان الأكريلك والباستيل، وجاء وقت جني الثمرة الأولى في معرض ( بصمات ) الذي افتتحته مضاوي الحسون في صالة المركز السعودي للفنون التشكيلية في الساعة الثامنة والنصف مساء الثلاثاء 5 أيار (مايو) 2009.
كان الحياء والفرح والفخر يبدو في أعين الفتيات، يشعرن بالفخر وهن يشرحن لي ماذا تركت بصماتهن من آثار الروح على اللوحة.
تقول نورة عبد الإله ( ثاني ثانوي) : أحب رسم الأبواب فهي تشبهني كثيرا، أخبئ ما بي وأتواجد بصمت في الأماكن مثلها، اللون الأخضر يعبر عني وأحبه، وحين أريد شيئا أركز عليه، وأضعه في دائرة الضوء وما عداه لا يظهر مطلقاً.
لولو عبد الملك (تدرس اللغة الإنجليزية) تعشق الألوان والفقاقيع والمتموجات، تقول مبتسمة: هذه هي نظرتي للحياة، ملونة وجميلة، في لوحتها الأخرى ابتعدت عن التقليد وابتكرت لنفسها منظراً تراثياً مقتطعاً ومنحته من روحها وتفكيرها الكثير.
غادة عبد الحميد ( ثاني متوسط ) تحكي عن لوحتها الشمعة والظلام وتقول: هي تعبر عني وعن الأمل الذي أنتظره، هذا الظلام سجن والنور في الخارج، في لوحتها الأخرى اصطفت حبات العنب بتلألؤ مبهر، قالت : لم أرسم سوى ما أحبه.
شفى عبد السلام ( ثانية جامعة) تتمنى دراسة فن التصميم والديكور، تعرض خمس لوحات من إبداعها في هذا المعرض، تبدو خارجة عن إطار التقليد تماما في لوحتها الكولاج، تقول شفى : لوحتي تحكي عن اختيارنا لطريقنا فإن اخترنا الغرب وتقليده تُهنا، وتضيف : استمتعت بهذه اللوحة كثيرا، ووضعت فيها الكثير من مشاعري، لوحتها الأخرى التي تحمل ورد التوليب بألوانها الحمراء تظهر في خلفية صفراء جميلة وباهرة كالحب تماماً.
مريم فوزي (ثالث ثانوي)، تقول : حين أرسم أشعر براحة كبيرة ويبقى عالمي هنا ملكي وحدي، أحب الخط ثم حين لامست الألوان أحببتها أكثر، تجاوزت مريم التقليد ووضعت لمستها الخاصة في لوحتها التي تصور حرف الهاء، الألوان بدت جميلة ومفرحة وبلمسة رومانسية أقرب لطعم الحلوى، في لوحتها الأخرى كانت الخلفية سوداء، تقول: إنّ السواد يخرج بعضا مما تحبسه في صدرها.
عهود عبد المجيد (أولى جامعة)، تقول: أحب الخط أكثر من الرسم، لكن حين بدأت تعلم الرسم أردتُ إتقانه، وأصررت على هذا، رسمت عهود لوحة تحمل اسمها، بينما لوحتها الأخرى تعبر عن الأمل والأرض الجافة، ،التي بإمكانها أن تنبت الورد.
غفران عبد الباسط (أول ثانوي ) رسمت لوحتها بالباستيل حيث بدت حبات الفاكهة تلمع تحت الأضواء وكانت تشرح لي بحياء وزهو كيف رسمتها طبقة تلو الأخرى.
هالة عبد الرحمن (ثاني ثانوي) تقف باعتزاز أمام لوحاتها، تشرح لي دوامة الحياة ومشاكلها التي ما إنْ نعبرُ من واحدة حتى نَمُرُ بأخرى، لوحتها معبرة كثيراً وفي ألوانها أمل بالنجاة، تستخدم ألوان الأكريليك وتعشق الرسم كثيرا.
غدير عبد المنان (ثالث ثانوي)، رسمت كلمة الحب برومانسية مفرطة، حملها اللون والحرف والإتقان، تقول: لا أحب الرسم كثيرا، لكن لوحتها تشي بالسر أكثر مما تظن!
سمية عبد العظيم (ثالث متوسط)، تعلمت الرسم خلال شهرين، وأتقنت الكثير من مهاراته، تقول عن لوحتها: إنّها تعبر عن شخص محبط في حياته لكنها رسمت أمامه نوراً مشعاً يُعبّرُ عن الأمل والطموح.
أميرة عبد الملك (ثاني متوسط )، لوحتها التي تسطّر آية كريمة من القرآن، تحتوي على بألوان بنفسجية هادئة، تحكى عن النعم والرضا بها وحق شكرها، تعشق الألوان وتترك آثار روحها الهادئة عليها.
ميعاد عبد الصمد (ثالث متوسط) تقول: أتعلم الرسم منذ سنتين، أحبه وأرتاح إليه، يُعبّر عما بي كثيرًا، رسمتْ ميعاد في لوحتها صحنًا من الفاكهة التي تتلألأ بألوان الباستيل الناعمة، تقول عن لوحتها الأخرى: أكثر ما راقني فيها انعكاس المنظر على سطح الماء.
أمل عبد الرحمن (ثاني ثانوي)، تقول: حين أشعر بالملل ألجأ للرسم، فهو منفذي الوحيد، رسمتْ التفاح بألوان الباستيل الناعمة، تاركة آثار الفرح عليها، وعلى أعين الزائرات، الثقة المنبعثة من قلوب الفتيات، والرضا البادي على وجوههن، ملأ أجواء المعرض بالاعتزاز والفخر بهن وبمعلمتهن (أشواق).
تقول مضاوي الحسون: مجهود هذا نتاجه أمر جميل ومبهج، وجمعية البر نموذج للعمل التطوعي البنّاء الذي يُنشئ لنا جيلا أساسه العزة والكرامة والثقة البادية آثارها في كل لوحة، والبحث عن الطريق السليم والأمل وعمق التفكير، جمعية البر تؤمن بالمثل القائل: (علّمه الصيد بدلًا من أن تمنحهُ سمكة).
عدد القراءات: 410
(ترحب "الاقتصادية الإلكترونية" على موقعها www.aleqt.com بالمقالات والمشاركات الصحافية الأخرى.)