الهيئة الشرعية العليا تقضي على الأزمة

الهيئة الشرعية العليا تقضي على الأزمة

هناك العديد من المخاوف التي يعرب عنها المستثمرون في سوق الصكوك الإسلامية. وتمثل تلك المخاوف تحديات مهمة بالنسبة لمستقبل سوق الصكوك: أولها عدم وجود مناخ تشريعي ينظم عمل تلك الإصدارات، حيث يفاجأ المستثمر في الكثير من الأحيان بتضارب في الفتاوى التي تتعلق بمدى مطابقة صك ما لأحكام الشريعة. وعلى سبيل المثال فقد تضررت أسواق الصكوك من تصريحات الشيخ محمد تقي عثماني –الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية - حين صرح بأن الوعد برد المستندات بقيمتها الاسمية عند حلول أجل الاستحقاق أو في حالة التخلف عن السداد يخالف المبدأ الإسلامي لاقتسام الأرباح والخسائر.
ومن التحديات المهمة نقص الشفافية في بعض الإصدارات؛ ما حدا بعض المؤسسات المصدرة للصكوك أن تعمل على الحصول على تقييم ائتماني من المؤسسات العالمية وذلك لتقليل مخاطر الاكتتاب في بعض الإصدارات.
وثالث التحديات يتمثل في عدم وجود سوق ثانوية؛ ما يجعل تداول الصكوك يتم بين مجموعة محددة من المؤسسات المالية، وبعض الشركات والأفراد. ويرجع غياب السوق الثانوية إلى عدة أسباب منها محدودية عدد الإصدارات المطروحة من الصكوك، ورغبة حائزي الصكوك في الاحتفاظ بها نظراً لأنها تمثل عائداً مضموناً بالنسبة لهم، وكذلك عدم وجود بديل لها في السوق.
وقفة مراجعة
ويرفض الباحث حامد بن حسن ميرة - المتخصص في الصكوك الإسلامية - إطلاق لفظ «أزمة» على الوضع الراهن للصكوك معتبراً إياه مجرد وقفة محاسبة ومراجعة لتكون فرصة لتطوير الصكوك ونجاحها وزيادة قوتها، وتصبح تأريخاً لمرحلة جديدة إذا ما أحسن استغلالها. وأشار في الدراسة التي حملت عنوان «الصكوك الإسلامية: ماهيتها، مستجداتها، التحديات المستقبلية» إلى أن هناك حاجة ملحة إعادة النظر في المسائل المتعلقة بالهيكلة التي تبنى عليها الصكوك. ومن التحفظات على الهيكلة مسألة التزام المصدر بشراء موجودات الصكوك بالقيمة الاسمية للصك عند الاستحقاق أو في حال التقصير عن السداد. لكنه أوضح أن الحديث عن مدى شرعية بعض الصكوك ليس وليد الأزمة الحالية، إذ إن هناك العديد من الدراسات التي نبهت إلى إعادة النظر في مثل تلك القضية. وشدد على أن النقد الشرعي لبعض المسائل التي تضمنتها هياكل الصكوك المصدرة أو حتى القول بتحريم هيكلة معينة لا يعني أن من سبق وأصدر هذه الصكوك أو تملكها بناء على فتوى سابقة آثم، إذ إنه تصرف بناء على فتوى؛ ما يبرئ ذمته.
توصيات للخروج من النفق
وطرح ميرة عدداً من التوصيات للنهوض بعملية التصكيك مجدداً. أولها ضرورة سن مجموعة من الأنظمة والقوانين والإجراءات ذات الصلة مثل اعتماد نظام تأسيس الشركات ذات الغرض الخاص spc أو spv. وكذلك اعتماد نظام حفظ الموجودات، واعتماد لائحة أو نظام طرح الصكوك الإسلامية مثلها في ذلك مثل اللوائح والأنظمة المتعلقة بترتيب طرح الأسهم والوساطة في إصدارها وتداولها. وتيسير الإجراءات النظامية المتعلقة بطرح الصكوك وإدراجها في الأسواق مع إنشاء شركات لهذا الغرض. ومن ثمار توفير البيئة التنظيمية المناسبة:
وضع الضمانات الكافية لعدم التلاعب بأموال الناس باسم التصكيك؛ وتحجيم جزء كبير من المخاطر القانونية المرتبطة بإصدار الصكوك؛ وتساعد وكالات التصنيف الائتماني في التأكد من مدى قانونية الصك وقوته؛ وزيادة فعالية البنوك وشركات الوساطة في صناعة الصكوك.
ومن التوصيات التي عرضها الباحث، ضرورة إنشاء الهيئة الشرعية العليا الموحدة لسوق المال. وترجع أهميتها إلى أنها ستكون لها المرجعية الشرعية العليا الكاملة لشؤون السوق المالية عموماً والصكوك خصوصاً. وتقوم الهيئة المقترحة بمراجعة جميع إصدارات الصكوك التي يراد طرحها أو إدراجها في سوق المال؛ ما سيكون له أثر كبير في تضييق هوة الخلاف الفقهي وهو ما يؤدي بدوره إلى استقرار السوق وزيادة الثقة فيه. ولكن إنشاء الهيئة الموحدة لا يعني بالضرورة إلغاء الهيئات الشرعية للبنوك وشركات الوساطة، بل إنها ستكون بمثابة المرجعية العليا للهيئات الخاصة بالمؤسسات المالية، والمدقق النهائي لقرارات تلك الهيئات.
وأوصى الباحث بضرورة السعي لإنشاء وتفعيل وكالات تصنيف ائتماني إسلامية ذات مهنية عالية تتمتع بالمصداقية لتقوم بتصنيف الصكوك. وحتى يتم تأسيس تلك الوكالات يجب التواصل مع وكالات التصنيف العالمية لبيان الضوابط الشرعية الرئيسة التي يجب أن تشتمل عليها الصكوك، وبيان مدى أهمية أن تكون الضوابط الشرعية من العوامل المؤثرة في التصنيف الائتماني.
وثمة توصية مهمة يطرحها عبدالحافظ الصاوي وهي ضرورة أن تعمل الدول العربية جاهدة على الاستفادة من توظيف الصكوك لتمويل الاستثمارات الكبرى بها بصورة أكبر مما هي عليه الآن. ويشير إلى أن الصناديق الأوروبية والآسيوية تمتلك 80 في المئة من إصدارات الصكوك الإسلامية؛ ما يجعلهم يجنون الثمار مبكرا. ويجب على الدول العربية أن تسعى للاستفادة الكاملة من تلك الصناعة التي تمتلك مقوماتها. منبهاً إلى أن سوق الصكوك في طريقها إلى أن تخضع لقاعدة 80:20 التي تحكم العلاقة الاقتصادية بين الشمال الغني والجنوب الفقير، حيث يستحوذ الأول على نصيب الأسد. ويثمن السياسة التي دشنها بنك دبي قبل سنوات بألا تتجاوز حصة مشاركة الأجانب 40 في المئة من حجم اكتتابات الصكوك

الأكثر قراءة