المؤسسات الخيرية تخفف ضغط المسؤولية الاجتماعية عن الشركات في الخليج

المؤسسات الخيرية تخفف ضغط المسؤولية الاجتماعية عن الشركات في الخليج
المؤسسات الخيرية تخفف ضغط المسؤولية الاجتماعية عن الشركات في الخليج

إن المسؤولية الاجتماعية للشركات أصبحت في الوقت الراهن ليس فقط مفهوماً معتاداً في عدد كبير من دول العالم، وإنما أصبحت كذلك أمراً ملائماً وضرورياً في الشركات التي تقدر حقيقة المعاني الجيدة المتضمنة في ممارسة مثل هذه المسؤولية الاجتماعية. وباقتداء بما يتم في الغرب، حيث للمسؤولية الاجتماعية للشركات جذور عميقة، وبعيدة من الناحية الزمنية، فإن شركات كثيرة في العالم تخطت بالفعل نطاق ممارسة هذه المسؤوليات من خلال المؤسسات الخيرية، وأدخلتها في صلب استراتيجيات النشاطات العملي لديها، وجعلتها بين ممارساتها الإدارية.
إن أسباب هذا التحول الكبير في الغرب إلى إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات ضمن استراتيجياتها الرئيسة، تعود بصورة أساسية إلى أمور تتعلق بترويج النشاطات العملية لفعاليات الشركات بصورة عامة. وتعود، على وجه الخصوص، إلى الاعتقاد بأن الشركات يمكن أن تحسن إسهاماتها من أجل المصلحة العامة من خلال التركيز على العناصر الرئيسية للمسؤولية الاجتماعية فيه .

#2#

بطيئة ولكنها ثابتة:
سرعان ما أصبحت قضية المسؤولية الاجتماعية للشركات أمراً يلقى اهتماماً كبيراً في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتبنى قادة النشاطات العملية ذلك، إضافة إلى دعم هذا التوجه على صعيد المسؤولين الحكوميين. غير أن الممارسات الحالية لهذا الأمر تختلف تماماً عما يتم في الغرب. وكانت الشركات الخليجية التي بدأت في الاهتمام بممارسة مثل هذه المسؤولية الاجتماعية، قد انطلقت في خطواتها الأولى في الخليج من خلال المؤسسات الخيرية، أي أن تلك الشركات أرادت إرضاء معظم حملة أسهمها من خلال المنح التي تقدمها إلى مؤسسات الخير والإحسان. ويمثل ذلك صيغة سهلة من ممارسة المسؤولية الاجتماعية، من حيث إنها تحتاج إلى القليل من الجهد الإداري، وبما لا يتجاوز توقيع شيك وإرساله إلى الجهة ذات العلاقة. وهنالك الكثيرون ممن لا يعرفون أن مفهوم العطاء راسخ تماماً في المجتمعات الإسلامية من منطلقات تتعلق بالعقيدة الدينية. ويرى كثير من قادة الشركات أن منح الأموال والمساعدات في إطار ممارسة المسؤولية الاجتماعية هو صورة من صور الزكاة التي تتجسد في تقديم نسبة معينة من الأموال التي يملكها المسلمون. ولعل ذلك يسهم في تفسير أهمية منح المساعدات، وتقديم العون من جانب الشركات إلى المؤسسات الخيرية.

إدخال المسؤولية الاجتماعية للشركات في الاستراتيجية
بينما يتحرك الخليج باتجاه المرحلة الثانية من المسؤولية الاجتماعية للشركات، فإن المنطقة بحاجة إلى المزيد من تعميق فهمها لهذه المسؤولية، وما فيها من مضامين. وهنالك عدة عوامل لا بد من أخذها في الاعتبار، لأن جعل المسؤولية الاجتماعية للشركات مفهوماً استراتيجياً يتطلب مزيداً من الاهتمام بالمخاطر السياسية والاجتماعية المحلية، إضافة إلى الفرص. ولا بد من ملاحظة أنه ليس هنالك " من مقاس واحد" يناسب كل أشكال ممارسة المسؤولية الاجتماعية للشركات. وبالتالي، فإن أي قرار استراتيجي خاص بذلك سيعتمد على الظروف الخاصة لكل شركة أو منظمة.
أما من منظور سياسي، فإن التنظيمات البيئية الجديدة يمكن أن تشكل مخاطر بالنسبة إلى نشاط عملي تنتج عنه كميات كبيرة من الانبعاثات الغازية، ولكن يمكن تحويل ذلك إلى فرصة إذا استطاعت الشركة تكييف عملها مع المتطلبات الواجبة مقدماً، وأن تدخل ذلك في تفوقها التنافسي، كما شهدناه في صناعة السيارات. ومن أمثلة ذلك أن شركة تويوتا قادت طريق زيادة كفاءة استهلاك الطاقة من خلال سياراتها المهجنة، حيث تعتبر، على نطاق واسع في الوقت الراهن، هي الرائدة فيما يتعلق بتخفيف معدل إطلاق الغازات السامة على صعيد شركات صناعة السيارات، وبما يراعي التنظيمات والقواعد الصادرة بهذا الصدد.
أما من الجانب الاجتماعي، فإن الشركات التي لا تكتفي فقط بفهم متطلبات المنتجات الخاصة بزبائنها ، بل تراعي ، بالإضافة إلى ذلك، قيمهم الاجتماعية، ستجد أنهم يهتمون بكيفية صناعة المنتجات، الأمر الذي يمكن أن يمثل إما فرصة، وإما مخاطرة، كما شهدناه في صناعة الملابس. ومن أمثلة ذلك أن شركة نايك لم تكن تهتم بما يكفي بالأمور الاجتماعية التي تقلق زبائنها، ولكنها تحركت أخيراً بهدف فرض شروط اجتماعية جيدة في مصانعها بعد تلك الضجة الكبرى التي ثارت حول عدم مراعاة الظروف الإنسانية للعمال الذين يعملون في مصانع الشركات التي تقوم بالتصنيع بتكليف منها.
إن كثيراً من المناقشات ذات العلاقة بممارسة الشركات لمسؤولياتها الاجتماعية تؤدي إلى إهمال الاهتمامات الخاصة بحملة أسهمها. والواقع هو أن موظفي الشركات يمثلون أهم مكوناتها، كما أن للشركة أكبر التأثير في حياة أولئك الذين يعملون فيها. ويجب أن تهتم بهم الشركات لأن لديهم كل الكفاءات المتوافرة فيها. وهذا الأمر مهم بصفة خاصة للشركات في الخليج التي لم تستطع خلال الطفرة الاقتصادية العثور على ما يكفي من الموظفين المؤهلين بصورة جيدة للقيام بالأعمال الكثيرة التي تولدت خلال تلك الفترة الزمنية.

صاحب عمل نموذجي
من أمثلة أصحاب العمل النموذجيين معهد SAS الذي يعد واحداً من أكبر شركات البرمجيات في العالم، حيث يحصل، بصورة منتظمة، على جوائز "أفضل صاحب عمل" في عدد كبير من بلدان العالم. ويتلقى العاملون فيه الكثير من المزايا ، مثل الرعاية الصحية في مواقع العمل، والتمتع بالفعاليات الرياضية، والعناية الخاصة بأطفالهم . ولا يمنح معهد ساس موظفيه أعلى الرواتب في هذه الصناعة، ومع ذلك، فإن الموظفين يسعون دوماً إلى الانتماء إليه، كما أنه يتمتع بواحد من أقل الجهات من حيث معدل مغادرة ودخول الموظفين إليها.
ويبلغ معدل المغادرة والدخول على صعيد هذه الصناعة ككل نحو 20 في المائة، بينما يبلغ لدى SAS 3 في المائة فقط، حسب قول جيفري بفيفر، الأستاذ في جامعة ستانفورد. وهو يقدر أن هذه الشركة توفر على نفسها سنوياً ما يراوح بين 60 و80 مليون دولار فيما يتعلق بتكاليف التوظيف، والتدريب. وفي المجال الذي تعمل فيه هذه الشركة، يتم النظر إلى العاملين كجهة مشاركة رئيسية، ويعتبر معهد SAS مثالاً بارزاً فيما يتعلق بكيفية اهتمام الشركة بمصالح العاملين الخاصة بطريقة تعمل على تحقيق مصالح الشركة ككل.

المسؤولية الاجتماعية للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي
الواقع أن كثيراً من شركات دول مجلس التعاون الخليجي ذات ملكية عائلية، الأمر الذي يسمح للقيم العائلية بأن تؤثر في طريقة إدارة النشاطات العملية. وقد تأخذ هذه الشركات مصالح المستفيدين بعين الاعتبار حين تتخذ قراراتها الخاصة بإدارة نشاطاتها العملية، ولكن كثيرين من أصحابها لا يسمون تلك الممارسة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات. وسيؤثر هذا المفهوم كثيراً في مستقبل الممارسة الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات في الدول الخليجية في المستقبل.
ويعتقد معظم مديري الشركات العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، في الفترة الراهنة، أن على الحكومات أن تكون منخرطة في توجيه، وإرشاد الشركات فيما يتعلق بإطلاق ممارساتها لمسؤولياتها الاجتماعية. وهم يرون أن على الحكومات توجيه الشركات إلى المجالات التي يجب أن تركز عليها في النشاطات المتعلقة بممارسة مسؤولياتها الاجتماعية، وكذلك أن تقدم الحوافز لتوجيه تلك الشركات صوب ذلك الأمر. وهم يرون كذلك أن على الحكومات ، على سبيل المثال، تقديم الدعم المالي لممارسات الشركات التي تود تشجيعها ، بينما تفرض الضرائب على تلك النشاطات التي لا تريد تشجيعها.
وعلى الرغم من أن ممارسة المسؤولية الاجتماعية للشركات يمكن أن تدخل أكثر في صلب الاستراتيجيات، والتبني على نطاق التنظيم، في المستقبل القريب، فإن من المنتظر أن يستمر تركيزها على تقديم المساعدات إلى المؤسسات الخيرية لأمور عميقة تتعلق بالدين والثقافة.

الأكثر قراءة