مراكز التسوق الكبرى تقود الهند إلى مجتمع استهلاكي جديد

مراكز التسوق الكبرى تقود الهند إلى مجتمع استهلاكي جديد

عندما ترغب سوهاج باسو في قضاء وقت ممتع، فإنها تفضل الخروج مع صديقاتها في المساء إلى أحد المركز التجارية الكبرى الجديدة، وهذا ما يقوم به أيضا الكثير من الهنود: الذهاب للتسوّق.
وباتت مدينة بنجالور تضم ومنذ فترة ليست بالطويلة عدة مراكز تسوق كبرى على أحدث الطرز الأوروبية مثل: مركز فورم، جارودا مول، مركز ليلا المشهور بأرضيته الرخامية الملساء وصالون الشاي الفاخر. لقد أصبحت تلك المراكز الحديثة تجذب الزبائن بدلا من التجول في الأسواق الخارجية أو حتى السفر إلى الخارج لشراء سلعة فاخرة مثل شراء الأنواع النقية من الكريستال من ماركة سواوفيسكي أو أحذية أديداس. وتقول سوهاج: "إنه من الممتع بالفعل التجول هنا في مركز جارودا".
وتصطف المتاجر في مركز جارودا جنبا إلى جنب في الطوابق الخمسة، وترى محل فاب إنديا الذي يعرض زي الساري الهندي التقليدي والسلوار قميص (زي تقليدي آخر في الهند)، والكورتا (القمصان المشهورة بأن أطوالها تصل إلى مستوى ركبة مرتديها، وتتعدد الألوان ما بين الأحمر والبرتقالي). وفي الطابق الأرضي توجد شركات: ريبوك، أديداس، ورنجلر، وفي الطابق العلوي يوجد قطار للترفيه، كما توجد دار عرض سينمائية كبيرة.
ويقع مركز فورم التجاري المنافس على مرمى حجر، وهو مجهز بمرآب يتسع لنحو 800 سيّارة في السرداب. ويحتوي مركزا فورم وجارودا على مساحات كبيرة للمطاعم، وتوجد محلات ساب واي ومطاعم هندية متخصصة مثل "دال". وتقول سوهاج "إن هذا ما كنا نشاهده من قبل في الأفلام السينمائية". ولن يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يذيع صيت هذين المركزين ويصبح ارتياد مراكز التسوّق الكبرى أمراً عادياً كما هو الحال في الغرب.
ويقول خبراء الإحصاء إن هناك توجها للتوسع في إنشاء مراكز تسوق كبرى في طول البلاد وعرضها، فهناك 343 متجراً رئيسياً الآن تحت الإنشاء، من أمريتستار في الشمال إلى إرانكولام في أقصى الجنوب، وهناك كذلك 54 مركزا للتسوّق ستُبنى في العاصمة نيودلهي وحدها.
وفي الوقت الراهن تعمل ستة من المتاجر الكبرى في جزء من مدينة الأقمار الصناعية، جورجون، حيث مراكز الاتصال، وشركات الأنظمة والبرمجيات، والتأمينات. ومن المفترض أن يصبح 17 متجراً جاهزاً خلال عامين.
السوق الاستهلاكية الهندية ستنمو بحجمها من المبيعات حتى عام 2010 إلى نحو 400 مليار دولار. وستصبح الهند من أكبر خمس دول في العالم"، هذا ما يتوقعه استشاريو مؤسسة ماكانزي.
ووفق تقديرات المجلس الوطني للاستشارات والبحث الاقتصادي في الهند، فقد اتسعت مساحة الطبقة المتوسّطة في البلاد بنحو ثلاثة أضعاف خلال العقدين الماضيين لتشمل نحو 300 مليون نسمة. وعلى كل حال، فإن المحصلة الممكن التوصل إليها من الإحصاءات الهندية تفيد أن معدّل الأجور للطبقة الوسطى يراوح بين 4545 و23 ألف دولار في السنة. وبالفعل، فإن الفضل لا يعود إلى معدل النمو الذي يُقدّر بـ 8 في المائة فقط، بل من المحتمل أن بنية التجارة الفردية الحديثة أسهمت في نمو معدل الأجور.
ومن الملاحظ كذلك تغير دور المرأة في المجتمع. تقول سوبا دي المحررة في إحدى الصحف "لم يكن أحد يتصور قبل نحو خمسة أعوام أن تتمكن نساء هنديات من اقتناء سيارات من علامات تجارية عالمية من الخارج. لقد تغيّرت بالفعل إلى حد كبير". والحقيقة هي أن النساء لا يغيّرن شيئاً كثيراً في حقيقة التجارة الفردية.
وعلى الرغم من اكتظاظ مراكز التسوق في الهند بالجمهور إلا أن نسبة البيع والشراء ما زالت ضعيفة، فالهنود استهوتهم أجواء تلك المراكز، لكنهم يبدو أنهم غير راغبين بعد في إنفاق أموالهم فيها، حيث يؤكد الباعة أن الزبائن يكتفون بالتجول ومشاهدة فاترينات العرض.
ويجسد هذا السلوك واقع أزمة ممتدة منذ البدء في إنشاء مراكز التسوق الكبرى في الهند بسبب زيادة العرض الفائض، على أمل زيادة دخول المواطنين. لكن صحيفة "إنديان إكسبرس" تساءلت عن تغير أسلوب وثقافة الشراء التقليدية الهندية "فهل هذه هي بداية النهاية للثقافة والتقاليد؟". ويبدو أن الخبراء متأكدون أن تمازجاً من نوع خاص سيحدث، حيث إن التوجه نحو أسواق تجارية مميزة لن يتراجع.
ولم يخش أشيش كورديا أبداً من تراجع الأسواق التجارية، فهو يدرك الاتجاه الذي سيتوجه إلى الأمام فقط. وينتمي أشيش البالغ من العمر 26 عاما لأسرة ثرية من بونا، وتلقى تعليمه في لوس أنجلوس، ويعمل في "سيتي بانك وديلويتي". ولا يتوقف نشاط أشيش عند حد توليه إدارة توكيلي سيارات بورش وBMW في مدينة مومباي العاصمة الاقتصادية للهند فحسب، بل أيضا يتولى إدارة مركز التسوق الكبير الفاخر في المدينة.
وتختلف الأوضاع في داخل المركز عن خارجه، الذي تميزه الضوضاء والروائح غير المستحبة، أما في الداخل فالأسطح مغطاة بالمواد الصناعية البرّاقة، والأرض قطعة من ألمانيا، ولا تسمع سوى الموسيقى الهادئة، وتجد العلامات التجارية مثل: "فيندي" "دولسي آند جابانا" "ساتيلا"، و"ماكارتني" في متاجر الملابس. "قاعدتنا الاستهلاكية تتكون من ثمانية آلاف عائلة تقريباً. وكل عام لا يأتي منهم سوى 10 في المائة فقط"، حسب أقوال كورديا.
ولكن كيف تعالج هذه المشكلة؟ يقول كورديا: أنا أسأل نفسي ما الذي يدفع الزبون لدفع الأموال؟ والجواب هو: الخدمة، فكل ما تحتاج إليه إذن هو خدمة الزبائن.
إن كورديا نفسه يقوم برسم عرض خاص للموضة عقب ساعات عمل المتجر، ويقوم بتوصيل بضائعه حتى منازل الزبائن، ويقوم بتسويق وبيع يخوت إيطالية الأصل يبلغ طولها 40 قدماً. ويقدّم زبائنه بالمعدل في كل عملية شراء نحو 100 ألف روبية، أي نحو 1846 يورو. ويقول كورديا كلما ازدادت عمليات البيع والشراء ازدهر النمو الاقتصادي الهندي أكثر وأكثر.

الأكثر قراءة