إعادة هيكلة قطاع الكهرباء والمشتري الرئيس «1 من 2»
صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على فصل الشركة السعودية لشراء الطاقة المملوكة بالكامل للشركة السعودية للكهرباء ونقل ملكيتها للدولة في نوفمبر 2021، ضمن برنامج إعادة هيكلة قطاع الكهرباء، وهي امتداد للإصلاحات المالية والتنظيمية التي أعلنت في نوفمبر 2020 من قبل اللجنة الوزارية لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء، وتشرف على أعمالها اللجنة العليا لشؤون مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء وتمكين قطاع الطاقة المتجددة، برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وفي الأسبوع الماضي، وافقت الجمعية العامة العادية الـ23 للشركة السعودية للكهرباء على بيع ونقل كامل حصص الشركة في رأسمال الشركة السعودية لشراء الطاقة "المشتري الرئيس" إلى ملكية الدولة، وقررت الجمعية تفويض مجلس إدارة الشركة بجميع الإجراءات النظامية اللازمة لبيع ونقل كامل حصص الشركة السعودية للكهرباء في الشركة السعودية لشراء الطاقة "المشتري الرئيس" إلى ملكية الدولة. تساءل البعض عن ماهية وأهمية الشركة أو المشتري الرئيس؟ ولماذا اهتمت الدولة بالحصول والاستحواذ عليها؟ دعونا نبدأ القصة من البداية.
أسست الشركة السعودية للكهرباء في أبريل عام 2000 بعد دمج أربع شركات موحدة للكهرباء في المناطق الإدارية الرئيسة الأربع في المملكة، إضافة إلى عشر شركات لإنتاج الكهرباء تعمل في منطقة الحدود الشمالية، وكل العمليات التشغيلية لإنتاج الكهرباء التابعة للمؤسسة العامة للكهرباء، التي كانت تدير منظومة الكهرباء قبل عام 2000. يبلغ عدد مشتركي الشركة السعودية للكهرباء عشرة ملايين و500 ألف مشترك حاليا بزيادة مطردة سنويا، ويملك صندوق الاستثمارات العامة 74 في المائة من أسهم الشركة السعودية للكهرباء، وشركة أرامكو السعودية 6.9 في المائة، فيما يقع تداول الباقي في سوق الأسهم السعودية. وتحتكر الشركة السعودية للكهرباء وظائف قطاع التوليد والنقل والتوزيع في المملكة منذ عام 2000، أو كما يسمى شركة متكاملة رأسيا Vertical Integration، وعليه تعاني نتيجة لذلك عدة تحديات في الأنظمة والكفاءة والإنفاق والموارد البشرية. بعد إنشاء هيئة تنظيم المياه والكهرباء "هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج سابقا" بقرار مجلس الوزراء رقم 236 في عام 2002 لتنظم قطاع الكهرباء وتحلية المياه في المملكة وتنظيم التبريد المناطقي، أعلنت الهيئة خطة إعادة هيكلة صناعة الكهرباء Electricity Industry Restructuring Plan منذ أكثر من عشرة أعوام. وكان الهدف النهائي هو إنشاء سوق كهربائية تنافسية، ولكن سيتطلب الانتقال من السوق الاحتكارية إلى سوق الكهرباء التنافسية، ضمان الدخل الكافي لصناعة الكهرباء من خلال المرونة في إصلاح تعريفة الاستهلاك وعكس التكلفة الاقتصادية للخدمة وتحرير وزيادة أسعار الوقود لرفع هامش المنافسة بين المنتجين. وعليه، نصت خريطة الطريق لإعادة الهيكلة الصادرة عن الهيئة على فصل أنشطة الشركة السعودية للكهرباء ممثلة في قطاعي التوليد والتوزيع، مع احتكار نشاط النقل لعدم جدوى المنافسة الاقتصادية. وبالنظر إلى الممارسات والتجارب العالمية، نرى أن إصلاح هيكلة صناعة الكهرباء غير سهلة وذات تعقيدات قانونية واقتصادية وفنية وتنظيمية ومالية، خصوصا إذا كان الهدف التحول إلى سوق كهربائية تنافسية، وكل إجراء إصلاحي سينجم عنه تحديات قد تتطلب تدخل الدولة.
كان من أهم أركان خطة إعادة هيكلة صناعة الكهرباء، إنشاء كيان مستقل يدعى المشتري الرئيس Principal Buyer يشتري الطاقة الكهربائية من كل المنتجين للكهرباء بصورة أساسية، إضافة إلى طرح مشاريع شراء وبيع وتحويل الطاقة الكهربائية وخطط استيرادها وتصديرها إلى خارج المملكة. إضافة إلى ذلك، تطوير أسواق تجارة الطاقة الكهربائية وخدماتها وبيع وتطوير خدمات المنظومة الكهربائية، وكذلك دخول المشتري الرئيس في اتفاقيات لشراء الطاقة وتحويلها وعمليات البيع المستمر وبيع الطاقة الكهربائية بالجملة للمرخص لهم للبيع بالتجزئة وإلى كبار المستهلكين. وبالطبع، يبرز أهم أدوار "المشتري الرئيس" في الحصول على الوقود الأساسي والاحتياطي لتوريده إلى المرخص لهم بالإنتاج ومن ثم إدارة حساب صندوق الموازنة الذي يهدف إلى تغطية العجز بين الإيراد المطلوب والفعلي. بينما يقوم المنظم أو الهيئة بمراجعة وإقرار العقود مع منتجي الكهرباء ومن ثم مراقبة التزام جميع الأطراف بتلك العقود لضمان الشفافية والوضوح. وبالفعل، تم إنشاء الشركة السعودية لشراء الطاقة "المشتري الرئيس" قبل خمسة أعوام تقريبا، ذات مسؤولية محدودة "لكن كانت مملوكة بالكامل للشركة السعودية للكهرباء"، وحصلت على الموافقات اللازمة من الجهات النظامية المختصة، مثل وزارة التجارة. في 2017، أعلنت الشركة السعودية لشراء الطاقة أنها تسلمت رخصة "المشتري الرئيس" من هيئة تنظيم المياه والكهرباء، وهذا يعطي الصلاحية التنظيمية للمشتري الرئيس لمزاولة جميع الأنشطة والمهام المذكورة آنفا. وظلت ملكية المشتري الرئيس ضمن أصول الشركة السعودية للكهرباء، الأمر الذي لم يمكن بقية المنتجين من الانخراط في عمليات الشراء والتعاقد أو طرح المشاريع، ما قد يفضي إلى تضارب مصالح ووضع عنصر الشفافية والوضوح في معاناة حقيقية. وفي نوفمبر 2020، تسلمت اللجنة الوزارية لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء والشركة السعودية للكهرباء الملف بالكامل، المشكلة بالأمر السامي رقم 41156 وتاريخ 3/ 7/ 1440هـ، من أجل تطوير وهيكلة قطاع الكهرباء برئاسة وزير الطاقة، ودفعت نحو الإصلاح الهيكلي لقطاع الكهرباء، وكانت إحدى ثمارها استقلال المشتري الرئيس إداريا وماليا لأهميته القصوى في صناعة الكهرباء. إن قرار نقل ملكية "المشتري الرئيس" إلى الدولة يمثل حجر زاوية، لكونه أحد الإصلاحات الهيكلية الضرورية لقطاع الكهرباء للرفع من كفاءة أداء صناعة الكهرباء، وهذا عمل تشكر عليه الدولة بالتكفل بأعمال الشركة وشرائها بما يؤدي إلى تحسين الخدمة الكهربائية ورفع مستوى الشفافية بين أنشطة القطاع المختلفة وزيادة كفاءة واستدامة قطاع الكهرباء في المملكة... يتبع.