FINANCIAL TIMES

مايكروسوفت تراهن على موقع في سوق حجمها 200 مليار دولار

مايكروسوفت تراهن على موقع في سوق حجمها 200 مليار دولار

يستخدم 400 مليون شخص شهرياً إحدى ألعاب شركة أكتيفيجين عبر الإنترنت.

إذا كان الطريق المؤدي إلى "ميتافيرس" يمر عبر صناعة ألعاب الفيديو اليوم، فإن استحواذ "مايكروسوفت" الذي تمت الموافقة عليه بقيمة 75 مليار دولار على "أكتيفيجين بليزارد" يمكن أن يكون من الصفقات التي ستحدد شكل الفترة المقبلة من التكنولوجيا الاستهلاكية.
لقد كان وقع عملية الشراء النقدية بالكامل، التي أعلن عنها الثلاثاء، كالقنبلة على عالم ألعاب الفيديو. قال بيرس هاردينج رولز، محلل الألعاب في آمبر أناليسيس، إنه من خلال ضم نحو 30 استوديو لصناعة الألعاب تحت سقف واحد، فإن "الآثار المترتبة على هذه الصفقة سترسل موجات من الصدمات تهز الصناعة بأكملها".
وقد تردد صدى الصفقة في سوق الأسهم، حيث افتتحت شركة سوني أسهمها في طوكيو على انخفاض 10 في المائة تقريبا الأربعاء، بينما يترقب صانعو الألعاب جولة أخرى من الصفقات.
وبتسديد ضربة واحدة، تعد هذه الصفقة الضخمة بتحويل "مايكروسوفت" إلى واحدة من أكبر الشركات الصانعة للترفيه التفاعلي، وضعضعة شبكة التحالفات والمنافسات الحالية التي تشكل الصناعة العالمية البالغ حجمها 200 مليار دولار، والمساعدة على إرساء أسس عوالم المستقبل الافتراضية التي تشمل كل شيء.
قال نيل كامبلينج، المحلل في شركة ميرابود سيكيوريتيز، "هذه حرب جديدة حول محتوى الألعاب، على غرار الحرب على ويب 3.0". لكن من المحتمل أيضا أن تتسبب في صدور تشريعات مشددة من قبل المشرعين في مكافحة الاحتكار حول العالم، الذين يشعرون بالقلق تجاه أي خطوة تقوم بها كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية لشق طريقها إلى قمة الأسواق الجديدة المهمة عن طريق الاستحواذ.
كانت الخطوة بعيدة كل البعد عن توقعات معظم المستثمرين عندما تولى ساتيا ناديلا منصب الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت في 2014. فقد واجه حينها نداءات كي يتخلى عن قسم الألعاب لوحدة التحكم إكس بوكس في الشركة وتركيز جميع موارده على تعويض الخسارة التي تكبدتها الشركة في الحوسبة السحابية.
لكن بدلا من ذلك، تشبث ناديلا بفكرة إيجاد جماهير جديدة لـ"مايكروسوفت" من صميم مجتمعات المهتمين بالألعاب، وبهذا أصبحت عملية الاستحواذ على الشركة المصنعة هي أول صفقة يقوم بها ناديلا بوصفه رئيسا للشركة.
محاولات الاستحواذ الأخرى التي قام بها ناديلا في مجالات مهمة عبر الإنترنت – بما في ذلك الاستحواذ على تطبيق الفيديو الصيني تيك توك وخدمة الدردشة ديسكورد – لم تسفر عن شيء، ما دفع به إلى التركيز على الألعاب بحسبانها أفضل طريقة لبناء جمهور على نطاق واسع.
ومن خلال توسعة التكامل الأفقي لشركة مايكروسوفت في الألعاب، وتعزيز إنشاء المحتوى الخاص بها لتوفير احتياجات وحدة التحكم إكس بوكس وأنظمة توزيع ألعاب الحاسوب، أكد ناديلا على الفرق الشاسع بين "مايكروسوفت" وبقية شركات التكنولوجيا الكبرى.
لكن بدلا من ذلك فقد ركزت أكثر الشركات المنافسة على إنشاء بعض أهم منصات الألعاب، وشبكاتها، وأكشاك تحصيل الرسوم. وهي تشمل أعمال الواقع الافتراضي، أوكيولوس، من "فيسبوك" وقسم الألعاب السحابية، ستاديا، من "جوجل" ويمثل كل منهما قناة توزيع جديدة للألعاب؛ ومتاجر تطبيقات الهواتف الذكية من "أبل" و"جوجل"، واستحواذ أمازون على شبكة تويتش للبث المباشر عبر الإنترنت.
وبشرط أن تتمكن من إكمال عملية الاستحواذ ودمجها بنجاح، فإن "مايكروسوفت" ملتزمة على المدى القصير بتوسيع نطاق وصولها إلى مجموعة واسعة من الأسواق المختصة بالألعاب، ما يجعلها منافسا أقوى لوحدة التحكم المقدمة من منافستها "سوني" وشركة تينسينت العملاقة للألعاب على الأجهزة المحمولة. وعلى وجه الخصوص، فإن إضافة ألعاب مثل كاندي كراش ستمنح "مايكروسوفت" موطئ قدم راسخة في سوق الأجهزة المحمولة، التي تساوي الآن قيمة ألعاب وحدات التحكم وأجهزة الحاسوب الشخصي مجتمعين.
في ضوء الاهتمام الكبير لشركات التكنولوجيا القوية مثل "أبل" و"جوجل" بالألعاب، يرى بوبي كوتيك، الرئيس التنفيذي لشركة أكتيفيجين، أن عملية الاستحواذ هذه لا ينبغي أن تثير أي اعتراضات من قبل المنظمين.
قال في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، "لم تكن هناك منافسة أكثر مما هي عليه اليوم". أضاف، "هذا الدافع المهم والكبير هو الذي يقف وراء هذه الصفقة".
وبحسب كامبلينج، تقسيم صناعة الألعاب بين عدد كبير من الناشرين والمنصات، وحقيقة أن عائدات "مايكروسوفت" من الألعاب لا يزال من المحتمل أن تلحق بعائدات كل من "تينسنت" و"سوني" و"أبل"، هي أيضا من الأسباب التي تقلل المخاطر التشريعية.
قال، "ربما تكون مايكروسوفت قد وجدت للتو إحدى المساحات في العالم الرقمي التي يمكن أن تفلت بها من التدقيق الصارم من قبل محاربي مكافحة الاحتكار".
لكن حتى لو لم تكن حصة "مايكروسوفت" من عائدات الألعاب كبيرة بما يكفي لإثارة القلق بحد ذاتها، فإن بعض المحللين حذروا من أن محاولتها توطيد تكاملها الرأسي قد تثير المخاوف. ولم تحدد الشركة بعد ما إذا كانت ستحد توزيع بعض ألعاب أكتيفيجين على المنصات الخاصة بـ"مايكروسوفت"، الأمر الذي من شأنه أن يوجد وصولا حصريا لها ويلعب دورا كبيرا في زيادة مبيعات وحدات تحكم الألعاب.
قال بعض المحللين إن وصول "مايكروسوفت" لأكبر جمهور ممكن لألعاب أكتيفيجين سيمنحها حافزا قويا للمواصلة في المبيعات من خلال منصات مثل بلاي ستيشين. لكن مع وصولها إلى جمهور أكبر من أي وقت مضى من خلال وحدات التحكم، وأجهزة الحاسوب، والهواتف الذكية الخاصة بها، فإن هذه الحسابات قد تتغير.
ألمح ناديلا إلى تطلع الشركة لمثل هذا المستقبل، حين أشار إلى رغبة "مايكروسوفت" في إنشاء "منصة مخصصة للألعاب شبيهة بنتفلكس" – وهي عبارة عن خدمة واحدة عبر الإنترنت قائمة على الاشتراك تتيح الوصول إلى مجموعة واسعة من المحتوى الحصري.
حققت "مايكروسوفت" بالفعل بداية قوية، حيث نمت خدمة جيم باس Game Pass الخاصة بها 30 في المائة تقريبا خلال العام الماضي لتصل إلى 25 مليون مشترك. وستجلب "أكتيفيجين" جمهورا جديدا وكبيرا على الإنترنت كي تستفيد "مايكروسوفت" منه، بينما تحاول خدمة قاعدة المشتركين هذه ـ يستخدم 400 مليون شخص شهريا إحدى ألعاب أكتيفيجين عبر الإنترنت.
مع ذلك، يحذر المراقبون، مثل هاردينج - رولز، من الاعتماد على المقارنات المبسطة بين صناعة ألعاب الفيديو وحروب البث عبر الإنترنت التي أعادت صياغة عالم الترفيه. فحتى حلول 2025، ستظل الاشتراكات تمثل 11 مليار دولار فقط من العائدات لشركات الألعاب، وفقا لتقديرات صدرت عن شركة جونيبر ريسيرش - وهو مبلغ ضئيل بالنسبة لصناعة يبلغ إجمالي مبيعاتها حاليا 200 مليار دولار.
لكن انتشار الألعاب عبر السحابة يمكن أن يمنح "مايكروسوفت" موطئ قدم في أسواق جديدة مهمة. قال ناديلا إن بث جيم باس لأي شخص لديه هاتف محمول، مثلا، يمكن أن يساعد "مايكروسوفت" على الاستفادة من "أسواق عالمية جديدة لطالما مثلت فيها ألعاب الحاسوب وأجهزة التحكم التقليدية تحديا لهم".
علاوة على ذلك، أضاف ناديلا، أن الألعاب يمكن لها أن تصبح عنصرا مهما في إنشاء ميتافيرس. ومن هذا المنظور، كما قال رئيس "مايكروسوفت"، تبدو العوالم الافتراضية بتجربتها الاندماجية في المستقبل "مجموعة من المجتمعات والهويات الفردية الراسخة في امتيازات محتوى قوي، يمكن الوصول إليها على كل جهاز".
مثل هذا الحديث بات شائعا في عالم التكنولوجيا بشكل متزايد، حيث تحاول شركات مثل ميتا بلاتفورمز "فيسبوك سابقا" و"مايكروسوفت" وضع أنفسها قادة للعصر التالي من التفاعل عبر الإنترنت.
لكن عالم الألعاب ليس مضطرا إلى انتظار الكشف عن مثل هذه الرؤى الغامضة كي يحكم على مدى تأثير الاستحواذ على "أكتيفيجين"، إذا انطلقت "مايكروسوفت" بهذه الصفقة التي ستغير قواعد اللعبة، فإن صدى آثارها سيتردد بصوت عال.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES