FINANCIAL TIMES

إلى أهل دافوس .. النموذج الرأسمالي بحاجة لإصلاح جوهري

إلى أهل دافوس .. النموذج الرأسمالي بحاجة لإصلاح جوهري

ميلتون فريدمان

نحن في العالم الغربي نواجه أزمتين، انهيار الثقة في نظامنا السياسي الديمقراطي وتهديد بيئي للكوكب. الأولى تتطلب تجديد الغرض المشترك في الوطن. والتالية لا تتطلب فقط غرضا مشتركا في الوطن، بل تتطلب غرضا عالميا مشتركا. هذه أشياء لا تستطيع الشركات تقديمها. يتطلب الأمر سياسات فاعلة، بدلا من ذلك. والسؤال الكبير هو ما إذا كانت الشركات ستكون قادرة على الترويج للحلول السياسية المطلوبة أو مجرد إيجاد مشكلات سياسية.
إن وميضا صغيرا من الضوء على السياسة يأتي من تقرير صدر هذا الأسبوع عن مركز مستقبل الديمقراطية في كامبريدج. من خلال استطلاعات الرأي في 27 بلدا، من بينها جميع الديمقراطيات الغربية، يخلص التقرير إلى أن الجائحة عززت الثقة في الحكومات وأضرت بشكل كبير بمصداقية الشعبويين. لكنها لم تزد حتى الآن من دعمها للديمقراطية. وهذا على الأقل مشجع بشكل معتدل. الثقة بالحكومة شرط ضروري للعمل خاصة، كما في حالة البيئة، عندما يعني ذلك التضحية.
مع ذلك، هناك مشكلة كبيرة تتمثل في الموضع الصحيح للشركات. وهذا سؤال مناسب بشكل خاص لطرحه هذا الأسبوع، عندما يجتمع المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو مؤسسة تجمع قادة الشركات العالميين معا، وإن كان ذلك افتراضيا.
الشركات تعمل ضمن نظام هو رأسمالية السوق. هذا النظام هو المهيمن الآن على الصعيد العالمي، على الأقل في المجال الاقتصادي. وهذا صحيح حتى في الصين اليوم. وجوهر الرأسمالية هو المنافسة. وهذا له آثار عميقة، الكيانات التنافسية الساعية للربح هي في الأساس غير أخلاقية، حتى لو كانت تحترم القانون. لن تفعل بسهولة أشياء غير مربحة، مهما كانت مرغوبة اجتماعيا، أو ترفض القيام بأشياء مربحة، مهما كانت غير مرغوب فيها اجتماعيا. وإذا حاول بعضها القيام بأي من هذه الأشياء، سيتفوق عليها الآخرون. المساهمون فيها قد يثورون أيضا. إن كونك فاضلا أو التظاهر بأنك فاضل قد يجلب منافع للشركة. لكن قد يكون أداء الآخرين جيدا فقط من خلال كونهم أرخص. يتعين على المجتمع - على المستويات المحلية والوطنية والعالمية - إنشاء الإطار الذي تعمل فيه الشركات. هذا ينطبق على جميع الأبعاد - قانون العمل، والتأمين الاجتماعي، والسياسة الإقليمية، والتنظيم المالي، وسياسة المنافسة، وسياسة الابتكار، ودعم البحوث الأساسية، والاستجابة لحالات الطوارئ، والبيئة وما إلى ذلك.
ما قد يعنيه هذا هو موضوع العدد الأخير من مجلة أكسفورد للسياسات الاقتصادية حول الرأسمالية، التي تحتوي على مقالات تقوم بفحص صعب لاقتصاديات الرأسمالية المعاصرة. بشكل حاسم، الافتراضات التي تطورت بموجبها الرأسمالية في العقود الأخيرة مشكوك فيها وكان لها بعض النتائج الضارة للغاية. هذا مجلد مهم حقا "لقد شاركت فيه أيضا".
تعد المقالات التي كتبها أنات أدماتي، من جامعة ستانفورد، ومارتن هيلويج، من معهد ماكس بلانك، مهمة بشكل خاص. كلاهما يعد دور قادة الأعمال أصوات مؤثرة لكنها ذات مصلحة ذاتية في وضع السياسة العامة في قانون الشركات، وقانون المنافسة، والضرائب، والتنظيم المالي، والتنظيم البيئي، وعديد من المجالات الأخرى. كانت النتيجة، كما يشيران، هما ومؤلفون آخرون، ظهور نظام الحصول على الدعم بشكل انتهازي من أصحاب المصالح الذي يوجد مخاطر غير قابلة للتأمين بالنسبة إلى الأغلبية ومكافآت كبيرة للقلة. لعب هذا بدوره دورا كبيرا في تقويض الثقة في الديمقراطية وزيادة الدعم للشعبويين.
بشكل حاسم، هذا يقضي على الفكرة الساذجة عن إمكانية فصل دور الشركات التي تزيد الربح إلى الحد الأقصى عن دور السياسة في وضع "قواعد اللعبة"، كما كانت وصية ميلتون فريدمان الشهيرة. فقد استخدمت الشركات نفوذها لوضع قواعد اللعبة التي يمكن أن تلعب في ظلها. إنها ليست الصوت الوحيد، بالطبع، لكنها تتمتع بموارد جيدة ومؤثرة. إنها مؤثرة في الولايات المتحدة خاصة، وهي الدولة الغربية الأكثر أهمية.
النتائج هي شكل من أشكال الرأسمالية التي، على الرغم من تفوقها الاقتصادي المؤكد على الأنظمة البديلة، توجد توزيعا غير متكافئ للغاية للمكافآت وتحول المخاطر التي لا يمكن السيطرة عليها إلى الناس العاديين. وكانت النتيجة سياسات القلق والغضب السائدة اليوم. لعبت الأزمة المالية في الفترة 2007- 2012 دورا كبيرا في إثارة هذا القلق والغضب، حيث عانى عشرات الملايين من الأبرياء بينما تم إنقاذ المؤسسات التي تسبب سلوكها في الانفجار الداخلي. هذا بالتأكيد هو السبب في أن اليمين الشعبوي، ولا سيما دونالد ترمب، انتهى به الأمر إلى استبدال مزيد من المحافظين التقليديين.
لكن الجائحة أوجدت الآن فرصة لسياسة الكفاءة والهدف المشترك. وهذا يمنحنا على الأقل فرصة للقيام بعمل أفضل.
أعتقد أن هناك حجة لإجراء إصلاح جوهري لنموذجنا الرأسمالي، مع الحفاظ على جوهره المتمثل في الابتكار والمنافسة. لن يكون هذا غير مسبوق. كان إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة في يوم من الأيام ابتكارا مثيرا للجدل إلى حد كبير. وكذلك كان إنشاء التأمين الاجتماعي. واليوم، على الرغم من ذلك، القضية الأساسية، في رأيي، هي العلاقة بين الشركات والمجتمع والسياسة.
إذن، ها هي أسئلة أود أن أقترح على قادة الشركات المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي طرحها على أنفسهم. ما الذي أفعله كفرد مؤثر وقائد شركة وعضو في مؤسسات الأعمال لزيادة قدرة بلدي والعالم على اتخاذ قرارات معقولة لمصلحة الجميع؟ هل أقوم بشكل أساس بالضغط من أجل الحصول على معاملة ضريبية وتنظيمية خاصة لمصلحتنا الخاصة، أم أنني أؤيد العمل السياسي والأنشطة التي ستجمع بين سكان بلدي المنقسم؟ هل أنا على استعداد لدفع الضرائب التي يبررها نجاحنا أم أنني أستغل كل ثغرة تسمح لي بتخصيص أرباح للملاذات الضريبية التي لم تسهم بشيء في نجاحنا؟ ماذا أفعل أنا وأعمالي والمنظمات التي أشارك فيها لمكافحة الأضرار على الإنترنت والفساد وغسل الأموال وغير ذلك من أشكال النشاط الخطير والإجرامي فعلا؟ ماذا أفعل لدعم القوانين التي ستجلب المساءلة لمنظمات الأعمال المحتالة وقادتها؟ ما الذي أفعله قبل كل شيء لتقوية الأنظمة السياسية التي يعتمد عليها العمل الجماعي الناجح؟
لقد جلبت الجائحة عديدا من الدروس. لكن ربما يكون الأهم هو ما يمكن فعله إذا كانت مهارات الشركات الخاصة متحدة مع الموارد العامة لتحقيق أغراض عاجلة. هذا ما يجعل قصة اللقاح مشجعة للغاية "ورد الفعل ضد التطعيم محبطا للغاية". قادة الشركات أشخاص عقلانيون مسؤولون عن مؤسسات مهمة. عليهم أن يقدروا الحاجة إلى تعزيز قدرتنا على اتخاذ قرارات جماعية حكيمة. سواء أحببتم ذلك أم لا، فهم لاعبون أقوياء في سياستنا الديمقراطية الهشة وكذلك في صنع القرار العالمي. يجب أن يأخذوا هذا الدور على محمل الجد وأن يلعبوه بشكل لائق ومسؤول. رغم كل الكلام الذي نسمعه، هذا ليس ما نراه بعد.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES