FINANCIAL TIMES

الأسواق الناشئة تبدأ عودة هادئة للتفوق

الأسواق الناشئة تبدأ عودة هادئة للتفوق

بعد أسوأ عقد لها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، استمرت أسواق الأسهم الناشئة في 2021 في أدائها الضعيف كمجموعة، ما أدى إلى تعميق العزلة التي تحيط بفئة الأصول هذه المترامية الأطراف. لذلك سيكون مفاجأة لكثيرين أن ثماني من أفضل عشر أسواق و13 من الـ20 سوقا الأفضل أداء لعام 2021 كانت في العالم النامي.
كيف يمكن أن يكون ذلك منطقيا؟ نظرا لحجمها، تراجعت الصين في مؤشر الأسواق الناشئة. مع قيام بكين بقمع شركات التكنولوجيا الكبرى، وعزل نفسها باسم الاعتماد على الذات اقتصاديا، تعرضت أسهم البلاد لضربة قوية. كانت الصين ثاني أسوأ الأسواق أداء في العالم العام الماضي، احتلت المرتبة الـ58 من أصل 59، متقدمة على باكستان فقط.
تخلفت كل منطقة عن الولايات المتحدة، حيث ضخ المستثمرون أموالهم في شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة. لكن، باستثناء الصين، ارتفعت الأسواق الناشئة 10 في المائة، بما يتماشى مع العوائد لبقية العالم خارج الولايات المتحدة. وقد يؤذن هذا بعودة هادئة.
تميل الأموال للتدفق إلى الاقتصادات الأسرع نموا، ولا سيما تلك التي تبتعد عن المجموعة. لقد أضافت الاقتصادات الناشئة أكثر من خمس نقاط مئوية وكانت أسرع من الاقتصادات المتقدمة في ذروة ازدهارها في 2009. تقلص هذا التقدم إلى نقطة واحدة بحلول 2020، وهو ما يقطع شوطا طويلا في تفسير عقد كئيب لأسواق الأسهم الناشئة.
مع ذلك، في العام الماضي بدأت تظهر بوادر انتعاش خارج الصين، مدفوعة بارتفاع أسعار السلع الأساسية، وقوة التصنيع في عدد قليل من البلدان، والنمو السريع في الاقتصاد الرقمي، والتحفظ المالي النسبي لزعماء العالم الناشئ. ففي 2021، شهدت أسعار السلع الأساسية أكبر مكاسب سنوية لها منذ نحو نصف قرن، ما أدى إلى تعزيز المصدرين. وكانت القوى النفطية الكبرى من بين الأسواق الـ20 الأفضل أداء، جاءت السعودية في المركز التاسع وروسيا في المركز الـ19، بزيادة 20 في المائة في العام المذكور.
على الرغم من أن التصنيع في حالة تراجع عالمي، إلا أنه لا يزال مصدرا مهما للنمو في عدد قليل من البلدان الناشئة، التي تحقق مكاسب مع مغادرة المصانع للصين بحثا عن تكاليف أعمال أقل. ومن بين الأسواق الجيدة أيضا في 2021، كانت القوى التصنيعية بقيادة التشيك في المرتبة الثانية، وفيتنام في المرتبة الـ15، والمكسيك في المرتبة الـ18.
في العقد الأول من القرن الـ21، شهدت فترة تراجع العولمة تباطؤا في تدفقات الأفراد والأموال والتجارة جنبا إلى جنب مع الانفجار المستمر في تدفق البيانات، التي تنمو بشكل أسرع في البلدان الناشئة. ومن بين أكبر 20 سوقا للأسهم حظيت بدفعة من الثورة الرقمية المستمرة كانت تايوان التي احتلت المرتبة الـ13 والهند المرتبة الـ14.
وعلى الرغم من علامات الانتعاش هذه، يخشى كثير من المعلقين أن تؤدي خطط البنوك المركزية لإبطاء وتيرة التحفيز النقدي إلى التراجع عن المخاطر، بما في ذلك الأسواق الناشئة، كما حدث خلال نوبة الغضب الضعيفة في 2013. لكن هناك اختلافات كبيرة اليوم.
فقد قام المستثمرون العالميون بسحب الأموال من الأسواق الناشئة في معظم الأعوام منذ 2013، ما يقلل من خطر هروب رأس المال الآن. وخلال الفترة نفسها أصبحت معظم الأسواق الناشئة الكبرى أكثر استقرارا من الناحية المالية، وليس أقل. ويتم تسعير العملات بشكل أكثر تنافسية. واحتياطيات النقد الأجنبي أكبر. وتجنبت معظم البلدان الناشئة الكبرى الخطر الأساسي – الاقتراض بكثافة من الأجانب. لقد تحولت أرصدة الحسابات الجارية، التي تعكس مقدار ما تحتاج إليه الدول للاقتراض من الخارج لتمويل مشترياتها، إلى فائض.
يركز الحديث عن ضعف الأسواق الناشئة الآن على ارتفاع متوسط مستويات الديون، لكن هذه المتوسطات تحرف الواقع مرة أخرى ـ الذي تشوهه الصين. بعد الأزمة المالية عام 2008 امتصت الصين 70 في المائة من جميع الديون المتدفقة إلى العالم الناشئ. ارتفعت هذه الحصة إلى أكثر من 80 في المائة خلال الجائحة.
في معظم البلدان الناشئة الكبيرة الأخرى، لم تتراكم الديون على الأسر والشركات على الإطلاق وراكمتها الحكومات بشكل أقل دراماتيكية من نظيرتها في الصين. منذ 2019، ارتفع إجمالي الدين الذي يشمل ديون الحكومات والشركات والأسر، أكثر من 24 في المائة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين – أعلى كثيرا من متوسط الأسواق الناشئة وأعلى مرتين إلى أربع مرات من الزيادة في الهند أو إندونيسيا أو المكسيك أو مصر أو جنوب إفريقيا.
تميل وسائل الإعلام العالمية إلى التركيز على الحالات المضطربة، مثل تركيا، لكن يبدو أن الأسواق تستشعر التحرك الأوسع نحو الاستقرار المالي النسبي في كثير من البلدان الناشئة الرئيسة. وعلى الرغم من أن الاقتصاديين في الأغلب ما يتخلفون عن الركب، إلا أنهم يتوقعون أيضا أن تبدأ البلدان الناشئة في إعادة ترسيخ ريادتها للنمو على الدول المتقدمة في الأعوام المقبلة، وفقا لتوقعات الإجماع.
إذا صمدت الأساسيات التي تحرك السلع والتصنيع وتدفقات البيانات والإصلاح الاقتصادي، فيمكن تذكر 2021 باعتباره العام الذي بدأت فيه عودة الأسواق الناشئة.


* كبير الاستراتيجيين العالميين في شركة مورجان ستانلي إنفستمنت مانجمنت، ومؤلف كتاب «القواعد العشر للأمم الناجحة»
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES