FINANCIAL TIMES

مدينة هيوستن تجتذب قضايا الإفلاس الأمريكية الكبيرة

مدينة هيوستن تجتذب قضايا الإفلاس الأمريكية الكبيرة

أحد فروع شركة جيه سي بيني التي تقدمت بطلب للحماية من الإفلاس بموجب الفصل الـ11.

عندما تقدمت شركة جيه سي بيني بطلب للحماية من الإفلاس، كان لها حق اختيار محكمة فيدرالية. كانت مدينة دالاس على بعد 20 ميلا فقط من المقر الرئيس لشركة التجزئة. أما مدينة ديلاوير، موطن الشركة القانوني، فكان لديها مجموعة مرموقة من القضاة ذوي الخبرة. والحال مع مدينة نيويورك، حيث يوجد مقر عديد من مكاتب المحاماة المشاركة في قضيتها.
لكن عوضا عن ذلك، قدمت جيه سي بيني أوراقها في مدينة كوربوس كريستي، في ولاية تكساس، على بعد مئات الأميال من مقرها. وبسبب القوانين المحلية للمدينة بشأن القضايا الكبيرة، تم نقل الالتماس عبر ساحل خليج المكسيك إلى قاعة محكمة هيوستن لتصل إلى يد القاضي ديفيد جونز.
خرج جونز عن ساعات المحكمة الاعتيادية من أجل الإشراف على جلسة استماع "اليوم الأول" للإفلاس وذلك في أحد أيام السبت. ونظرا لمرونته في وضع الجداول، تمكن جونز من الموافقة على الطلبات المقدمة بما فيها طلب لتجنب إيقاف الدفع مؤقتا للآلاف من موظفي جيه سي بيني. وخرجت الشركة من الإفلاس في أواخر 2020 بعد أن أدار جونز مواجهة معقدة بين صناديق التحوط ومقدمي العطاءات للشركة.
لقد برزت هيوستن وجهة مفضلة للشركات التي تسعى إلى الحصول على الحماية بموجب الفصل الـ11، وهي سمة للنظام الأمريكي تمنح الشركات الحرية في رفع قضيتها في أي محكمة فيدرالية مختصة بقضايا الإفلاس تريدها تقريبا.
يجادل المؤيدون لهذا القانون بأن النظام قد أنشأ مجموعة من القضاة الخبراء في الفصل في المعارك الفوضوية المعقدة بين الشركات والمدعين عليها. ويسخر بعض العلماء من هذا القانون بوصفهم إياه بـ"التسوق عبر المنتديات". والآن يسعى المشرعون إلى إصدار قوانين لإيقاف هذه الممارسة.
تلقت هيوستن العام الماضي ثلث دعاوى قضايا الإفلاس في الولايات المتحدة، حيث كانت التزامات المدين تزيد على 500 مليون دولار، بما يتناسب مع مكان وجود المحكمة منذ فترة طويلة في ويلمنجتون، ولاية ديلاوير، وفقا للبيانات التي جمعتها "فاينانشيال تايمز" من موقع BankruptcyData.com وقد عالجت أكبر مدينة في تكساس وحدها 41 حالة في 2020، وذلك أكثر من أي مكان آخر في أمريكا، بما فيها القضايا الكبرى مثل جيه سي بيني، ونيمان ماركوس، وتشيسابيك إنيرجي.
اجتذبت محاكم غير متوقعة قضايا بدورها: أصبحت ريتشموند، فيرجينيا، مركزا لإفلاس شركات التجزئة بما فيها "تويز آر إس وجيه كرو". إحدى الشركات التابعة لشركة جونسون آند جونسون التي تصنع منتجات بودرة التلك وتواجه مطالب لتحمل المسؤولية عن منتجاتها، اختارت المنطقة الغربية من ولاية كارولينا الشمالية، حيث كانت فيها خمس قضايا أخرى معلقة تتعلق "بالضرر الجماعي". ويقع المقر الرئيس لشركة جونسون آند جونسون في نيو جيرسي.
أما شركة بوردو فارما، فبعد اختيارها لمحكمة في مقاطعة ويستشستر، في نيويورك، كانت غير ضامنة أي قاض سيشرف على إفلاسها في 2019، وهي قضية حددت المبلغ الذي ستدفعه عائلة ساكلر المؤسسة لتسوية مسؤوليتها المحتملة عن الوفيات الناجمة عن المواد الأفيونية التي قامت شركة الأدوية بتصنيعها.
يقول مؤيدو النظام الأمريكي: إنه يسمح بإنقاذ الأعمال والوظائف. لكن النقاد يقولون: إن التراخي في عملية اختيار المحكمة يسهل على الشركات سوء استخدامها ويضعف شرعية عملية الإفلاس بموجب الفصل الـ11. ويجادلون أيضا أن ذلك يوجد حافزا لبعض القضاة لتلبية احتياجات شركات المحاماة الكبرى التي تمثل الشركات دون وعي منهم، مع علمهم أن المحامين ينصحون موكليهم باختيار مكان طرح القضية.
قال آدم ليفيتين، محامي الشركات السابق وأستاذ القانون في جامعة جورج تاون، "القاضي هو الشخصية اللامعة والمسؤول عن مجريات الأمور في أي قضية ضخمة، ما يجعل الإشراف على مثل هذا الإفلاس جذابا جدا لبعض الشخصيات".
فيما يقول النقاد: إن قانون الإفلاس الأمريكي يوجد حافزا لحرية الاختيار، لأن السياسات المتعلقة بأمور مثل إنهاء الإيجار وحماية المسؤولية يمكن أن تختلف بحسب المكان.
عندما حكمت قاضية فيدرالية في نيويورك بإلغاء تسوية إفلاس شركة بوردو فارما الشهر الماضي، كتبت أن الإعفاءات من المسؤولية التي تلقتها عائلة ساكلر مقابل المساهمة بـ4.3 مليار دولار في التسويات مع ضحايا المواد الأفيونية يجب ألا تكون "سببا في اختيار مكان تقديم طلب الإفلاس".
قبل الانجذاب إلى هيوستن، كانت ما يطلق عليها قضايا "الإفلاس الضخمة" تتركز في نيويورك وديلاوير. ظهر هذان الموقعان في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ليس بسبب قربهما من مقار الشركات، بل لأن عددا كبيرا من المحامين فيهما أدى إلى رفع القضايا ثم ظهر بعدها مزيد من القضاة.
يستطيع القضاة أن يؤثروا في قضايا الإفلاس المتنازع عليها. إذ يرجع لهم القرار في اختيار خطة إعادة الهيكلة المقترحة من قبل الشركة. ويمكنهم أيضا السماح للدائنين المتضررين بتقديم اقتراح بديل. ويقرر القضاة الرسوم المناسبة للمحامين، والمصرفيين وغيرهم من المختصين، التي يمكن أن تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
رفض جونز، قاضي الإفلاس في هيوستن، الادعاء بأن المحكمة التي يعمل فيها أصبحت مرتعا للقضايا الكبيرة، لأن قضاتها يحابون المدينين.
وفي مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، قال جونز: إن أحد الأسباب التي جعلته وزميله مارفن إيسجور، قاضي الإفلاس في هيوستن، مشهورين هي أنهما مختصان في الشؤون المالية والأعمال، ما يسمح لهما بإدارة النزاعات التي تتضمن إعادة هيكلة الميزانيات العمومية المعقدة. وبمعزل عن ذلك كله، بذلت محكمة هيوستن جهودا مضاعفة لتحقيق كفاءة عالية، بما فيها وجود موظفي المحكمة في الليل وفي عطلات نهاية الأسبوع.
قال جونز، "أنا لا أحب رؤية اسمي في الصحف. كان هدفي حقا هو إنشاء محكمة يمكن أن نفخر بها جميعا". أضاف، "أنا أعمل بجد كل يوم. فلسفتي تقول: إن القضية يجب ألا تتعلق بالقاضي أبدا، بل يجب أن يكون محورها المقومات التي تحقق صفقة صحيحة".
يقول المحامون: إن الألفة لها قيمة. قالت مادلين بريموف، الشريكة في مكتب المحاماة فريشفيلدز، "يتطلع موكلونا إلينا للحصول على مشورتنا وخبرتنا مع قضاة ومحاكم معينة. مثلا، يريد الموكلون أن يعرفوا أنني شاهدت هذا القاضي يتعامل مع قضية كهذه".
أضافت، "ما أحبه دائما هو عندما يكون لديك لجنة متمرسة تتعامل مع الأمور بأمانة شديدة. حينها يصبح بإمكاني أن أنصح موكلي بشأن التوقعات المعقولة. أنا أفضل هذا على أن يتم إرسال القضية إلى دائرة قضائية لا خبرة لي معها".
بديلا لذلك، اقترح بعض العلماء والمحامين إنشاء محكمة وطنية متخصصة في قضايا الإفلاس، حيث يكون القضاة المحنكون متاحين للنظر في القضايا الكبيرة، ومن شأن هذا أن يضع حدا لحرية اختيار المحكمة.
واقترح المشرعون أخيرا قوانين من شأنها إصلاح العملية التي تتناول قضايا الإفلاس. وهي مشروع قانون برعاية عضوين من مجلس الشيوخ الأمريكي هما جون كورنين، الجمهوري عن ولاية تكساس، وإليزابيث وارين، الديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس، ومن شأن القانون أن يجبر الشركات على تقديم التماسات لقضايا الإفلاس بالقرب من مراكز عملياتها الرئيسة.
يحظر مشروع قانون آخر الحماية من المسؤولية للأطراف المتهمة بارتكاب مخالفات في الشركات المفلسة، بينما يستهدف مشروع ثالث الانتهاكات المزعومة للشركات المدعومة من الأسهم الخاصة التي تمنى بالفشل.
لكن بدأت تظهر بوادر أن السلطة القضائية تشعر بالضيق. قاضي نورث كارولينا الذي تولى قضية التلك لشركة جونسون آند جونسون لأول مرة أحال القضية إلى نيوجيرسي. أما محكمة فيرجينيا التي نظر فيها قاضيان فقط في القضايا الكبيرة فقد بدأت أخيرا في توزيع المهمات بعشوائية بين ثمانية قضاة. أما المنطقة الجنوبية في نيويورك، حيث حصلت شركة برودو فارما على القاضي روبرت دراين في مقاطعة ويستشستر بشكل تلقائي، فقد وافقت على الاختيار العشوائي بين جميع القضاة التسعة المختصين في قضايا الإفلاس.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES