عدد الضحايا
قد يخفف الركود التكلفة الاقتصادية لوباء إنفلونزا الخنازير.
لقد أدى انتشار الذعر بسبب إنفلونزا الطيور منذ عام 1997 والالتهاب الرئوي الحاد (سارس) عام 2003 إلى إجراء الكثير من الأبحاث حول التكاليف الاقتصادية للأوبئة. وترسم الدراسات صورة قاتمة لما يمكن أن تعنيه إنفلونزا الخنازير للاقتصاد العالمي. فعلى سبيل المثال، أشارت تقديرات الاقتصاديين في البنك الدولي العام الماضي إلى أن انتشار وباء يحصد نسبة وفيات مماثلة لتلك التي تسببت بها الإنفلونزا الإسبانية التي اجتاحت العالم عام 1918 قد يؤدي إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 4.8 في المائة.
ومع أن مثل هذه الأبحاث قد تساعد على تحديد الآثار الاقتصادية لإنفلونزا الخنازير، إلا أن الركود العالمي يعني أن بعض الآليات التي تصفها مطبقة بالفعل. ويعني الركود، ربما بشكل غير متوقع، أن التأثير الاقتصادي التدرجي للوباء قد يكون أقل حدة مما سيكون عليه في الأوقات العادية.
ويقول الاقتصاديون إن الوباء سيؤثر في الطلب العالمي والعرض العالمي على حد سواء، إلا أن أولها سيكون عرضة بصفة خاصة لعدم اليقين والخوف المحيط باحتمالية انتشار المرض على نطاق واسع. وسيؤدي هذا إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وأن تؤجل الشركات خطط الاستثمار.
وقد تكون تجربة آسيا مع مرض السارس دليلا توجيهيا. فقد تسبب اندلاعه في انخفاض حاد في الاستهلاك الخاص في الاقتصادات التي ابتليت به. وأصبح الناس يتجنبون الخروج - كما يفعلون الآن في المكسيك. وفي التاسع والعشرين من نيسان (أبريل)، أعلن رئيس الدولة، فيليب كالديرون، عن تعليق الأنشطة غير الضرورية ابتداء من الأول من أيار (مايو) حتى الخامس من أيار (مايو). وإلغاء الأحداث الرياضية والحفلات الموسيقية، وإغلاق الحانات والنوادي الليلية، وميل الناس للبقاء في منازلهم، كل هذا كلف صناعة التجزئة والخدمات في مكسيكو سيتي 55 مليون دولار يوميا من الرابع والعشرين من نيسان (أبريل)، حين أغلقت السلطات المدارس أولا. وكان من المتوقع أن يتضاعف هذا المبلغ بعد فرض الحظر على المطاعم التي يتم تناول الطعام فيها (خلافا للمطاعم التي يتم طلب الطعام منها فقط دون الجلوس فيها).
واستجابت الأسواق المالية بصورة حادة، حيث انخفض البيزو بنسبة 5.5 في المائة مقابل الدولار منذ بدء حالة الطوارئ. وقال وزير مالية المكسيك، Agust?n Carstens، إنه يتوقع أن تبلغ التكلفة الاقتصادية 0.3 و0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بناء على الحوادث السابقة الآسيوية. ويعتقد Luis Flores، الاقتصادي في بنك IXE، أن عجز الميزانية الذي تعانيه الحكومة قد يزيد بنسبة 0.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد تفشى هذا المرض في وقت انخفضت فيه ثقة المستهلكين في جميع أنحاء العالم. لذا فإن أي انخفاض آخر في الطلب بسبب وباء إنفلونزا الخنازير قد يكون أصغر من انخفاضات الطلب التي تسبب فيها سارس، حين انخفض عدد الوافدين جوا إلى هونج كونج بنسبة تقارب الثلثين خلال شهر واحد, إلا أن انتشار الوباء سيبدد الآمال بحدوث انتعاش سريع من الركود، حيث سيوفر سببا آخر لاستمرار الكآبة.
وقد يضر عدم اليقين الناتج عن الوباء بالاستثمارات أيضا. وقد تزيد تكاليف المخاطر على الدول المصابة بالوباء, وتفرض المخاوف المتعلقة بالسلامة، سواء كانت مبررة أم لا، خطرا على التجارة. فقد حظرت الصين بالفعل لحوم الخنازير المكسيكية، مع أنه ليس هناك دليل يشير إلى أن اللحوم تنشر فيروسات الإنفلونزا, وبدأت التجارة العالمية في الانخفاض, وقد تؤدي ردود الفعل واسعة النطاق من هذا النوع إلى تسريع الانخفاض وزيادة حدته.
أكثر من الخوف نفسه
وتحدث تأثيرات الوباء المحتملة على العرض بسبب مرض أو موت الناس, فالأشخاص المصابون لا يستطيعون العمل، ويحتاج غيرهم إلى أخذ إجازات للعناية بهم. ولهذا تأثير مباشر في حجم قوة العمل، ولكن له عواقب تدوم سنوات عديدة. ويضيع الناتج المستقبلي لأولئك الذين يموتون. وهذا مهم بصورة خاصة حين يموت أشخاص في سن العمل. فقد حدثت أسوأ العواقب الاقتصادية لمرض الإيدز بسبب الموت أو المرض بين الشباب.
ومن الصعب حساب التكاليف العالمية لحالات الموت والإدخال إلى المستشفيات في ظل غياب معلومات حول التكاليف الطبية في كل دولة, إلا أن Martin Meltzer وNancy Cox وKeiji Fukuda، الذي يشغل الآن منصب نائب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، حسبوا التكاليف في أمريكا في بحث نشروه عام 1999. ووجدوا أنه إذا أصاب وباء ما 15 و35 في المائة من السكان، ستبلغ تكلفته ما بين 71.3 مليار دولار و166.5 مليار دولار (بأسعار الدولار عام 1999).
وستأتي معظم هذه التكلفة من الإنتاج الضائع لجميع الأشخاص المرضى أو الموتى. بعبارة أخرى، هو تقدير للتأثير في الناتج المحتمل للاقتصاد الأمريكي. وبسبب الركود العالمي، هناك الكثير من الناس عاطلون عن العمل عما يكون عليه الحال في الأوقات الطبيعية. ولعل هذا يعني أن التكلفة المباشرة للخسائر الإضافية في الناتج ستكون أصغر من تلك التي أشارت إليها تقديرات Meltzer وCox وFukuda.
وقد جمعت عدة دراسات هذه المعلومات لتقدير التأثير العام للوباء في النمو الاقتصادي. وفي عام 2006، وجد Warwick McKibbin وAlexandra Sidorenko في دراسة لمعهد Lowy للسياسة الدولية في سيدني أنه حتى لو انتشر وباء خفيف، سيؤدي هذا إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8 في المائة. وأسوأ احتمالية حسب دراستهما هي أن يبلغ الانخفاض نسبة 12.6 في المائة. ويقدّران أن انتشار وباء مماثل للوباء الذي بدأ عام 1918 سيؤدي إلى خفض النمو في الاقتصاد الأمريكي بواقع 3 نقاط مئوية وفي اليابان بواقع 8.3 نقطة مئوية. وتظهر أرقام مماثلة تقريبا من دراسة أجراها اقتصاديون في مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي، التي وجدت أن انتشار وباء مثل الإنفلونزا الإسبانية سيقلل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في أمريكا بواقع 5 نقاط تقريبا. وحتى إذا كان أخف من الإنفلونزا الإسبانية، قد يبلغ الانخفاض 1.5 نقطة.
وهذه انخفاضات كبيرة. ويشير مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أن انتشار وباء حاد سيكون أشبه باندلاع الركود الذي يحدث عادة بعد الحرب. وتنتشر المخاوف من إنفلونزا الخنازير في وقت يعاني فيه العالم بالفعل من أسوأ ركود منذ الحرب. وسيخفف هذا الآثار الاقتصادية للوباء. ولكن إذا تفشى الوباء، لن يكون في هذا عزاء كبير.