FINANCIAL TIMES

عشرات آلاف الصينيين يعلقون في شباك الاحتيال المالي

عشرات آلاف الصينيين يعلقون في شباك الاحتيال المالي

عندما تلقت جيني فان مكالمة هاتفية في بداية شباط (فبراير) الماضي اعتقدت أنها فازت بالسحب على إحدى الجوائز. المتصل الذي قال إنه يمثل شركة لمنتجات العناية بالبشرة، أخبر جيني – وهي طالبة جامعية في سنتها الأولى في مقاطعة هيبي شمالي الصين – أنها مؤهلة للحصول على تعويض بقيمة ألف رنمينبي (117 جنيها استرلينيا). السبب؟ كانت قد اشترت كريما للوجه قبل ثلاثة أشهر بقيمة 200 رنمينبي ولم ينجح مع بشرتها.
"زعم أنه ممثل خدمة عملاء للشركة المصنعة للكريم"، كما قالت جيني. "لقد قدم لي جميع تفاصيل عملية الشراء، بما في ذلك حتى لقطة من سجل المعاملة، لذلك وجدت من الصعب عدم الوثوق به".
للمطالبة بالأموال، أخبر جيني أن عليها إنشاء "قناة دفع خاصة" من خلال "اختبارات" تحويل أموال متعددة إلى حساب وصاية. بمجرد تشغيل النظام، ستسترد جيني الأموال التي وضعتها في قناة الدفع إضافة إلى التعويض.
أجرت الطالبة البالغة من العمر 19 عاما ثلاث عمليات دفع تبلغ قيمتها مجتمعة 20 ألف رنمينبي (2332 جنيها استرلينيا). بعد ذلك بفترة قصيرة، حظرها الرجل على جميع وسائل التواصل الاجتماعي وتوقف عن تلقي مكالماتها. ذهبت إلى الشرطة، فقط ليتم إخبارها بأنها "ساذجة جدا" وأنها ضحية احتيال. قالت: "أخبروني أن الأموال ضاعت إلى الأبد، لأن من الصعب تعقب المحتالين عبر الإنترنت، وأن ما ينبغي لي فعله هو الرد على المكالمات من الأشخاص الذين أعرفهم فقط".
جيني واحدة من بين عشرات الآلاف من الصينيين الذين وقعوا ضحية للاحتيال المالي. أصبحت الجريمة حقيقة من حقائق الحياة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي يضم عددا متناميا بسرعة من السكان ذوي الدخل المتوسط إلى المرتفع. قال ني تشينجتاو، وهو محام في بكين متخصص في الاحتيال المالي: "إننا نشهد ارتفاعا في أعداد المحتالين مع ازدياد الثراء الأسري".
للاحتيال المالي تاريخ طويل في الصين، حيث أوجدت عقود من النمو الاقتصادي الجامح ليس فقط ثروات شخصية هائلة لكن أيضا عقلية الإثراء السريع بين عامة الناس. وقد استفاد المحتالون أيضا من الافتقار إلى التنظيم والسقف الذي تفرضه الدولة على معدلات الودائع، ما يسهل عليهم إقناع العملاء الحريصين على الحصول على عائد أعلى على مدخراتهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس.
أدى ظهور عمليات الدفع عبر الإنترنت إلى تفاقم المشكلة من خلال تسهيل تنفيذ عمليات الاحتيال المالية وصعوبة تتبعها. حاليا شركات التكنولوجيا الصينية منغمسة بعمق في تطوير الخدمات المالية. في العام الماضي، مثلا، أطلقت شركة فيدليتي للاستثمار أداة توجيهية لتوفير التقاعد باستخدام منصة آنت، إحدى المنصات المالية الرئيسية.
استهدف المحتالون عملاء المنصات عبر الإنترنت، لأنهم قادرون على الوصول إلى عدد أكبر بكثير من الضحايا المحتملين الذين لا يمكنهم الوصول إليهم من خلال الاجتماعات الشخصية.
اجتمع كل هذا لجعل الاحتيال المالي – بدءا من بيع عضوية "مزرعة النقر" (حيث يقوم المحتالون بتوظيف أشخاص لشراء بضائع من المتاجر عبر الإنترنت مقابل استرداد كامل المبلغ إضافة إلى رسوم) إلى منتجات استثمارية لا تدعمها أية أصول أساسية – مشكلة وطنية تؤثر في المجتمع الصيني بأسره. قال ديفيد تشانج، وهو محام في مجال مكافحة الاحتيال في هانغتشو، إنه تعامل مع ضحايا الاحتيال من أساتذة الجامعات إلى عمال المصانع إلى طلاب المدارس الثانوية. "لا أحد محصن ضد المحتالين. لدينا جميعا نقاط ضعف يمكنهم الاستفادة منها".
لا يوجد لهذه المشكلة حل سهل. فبينما بذلت بكين جهدا كبيرا لوضع المحتالين خلف القضبان، وزاد عدد الاعتقالات السنوية خمسة أضعاف خلال الاعوام الثلاثة الماضية، تمكن عدد كبير من المحتالين تفادي الاعتقال من خلال العمل من الخارج أو إخفاء هوياتهم باستخدام تكنولوجيا أفضل.
أطلقت السلطات الصينية حملة تثقيفية لمكافحة الاحتيال في جميع أنحاء البلاد في عام 2019، بعد أن أعلن الرئيس شي جين بينج أن مكافحة الاحتيال "أولوية قصوى" عندما يتعلق الأمر بجعل الناس يشعرون بالأمان. توجت الحملة في وقت مبكر من هذا العام بإطلاق المركز الوطني لمكافحة الاحتيال، وهو تطبيق هاتف محمول تم تنزيله أكثر من 500 مليون مرة، ما يجعله أحد أكثر التطبيقات شعبية في العالم. وتستخدم الحكومة مجموعة متنوعة من الطرق، من ملصقات الشوارع إلى الإعلانات التلفزيونية، لإطلاع الجمهور على شكل الحيل المالية وكيفية تجنبها. لكن التطبيق تسبب أيضا في جدل لتتبع استخدام الهاتف المحمول، وفرض الرقابة على المكالمات الهاتفية الخارجية، ووسم تطبيقات الأعمال مثل "بلومبيرج نيوز" على أنها "خبيثة".
يمكن لعدد قليل من البالغين الصينيين قضاء يوم واحد دون أن تنهال عليهم دعاية مكافحة الاحتيال التي ترعاها الدولة. تحتوي معظم المباني السكنية على ملصقات في الردهة تخبر السكان بعدم إرسال الأموال إلى الغرباء. وتحمل الحافلات إعلانات حول كيفية تحديد عمليات الاحتيال، بينما تعرض شاشات ليد مشاهير يقترحون شن "حرب شعبية" على المحتالين.
وذهبت بعض الأماكن إلى أبعد من ذلك. في الشهر الماضي بدأت دونغجينج، وهي ضاحية في شنغهاي، بمطالبة نزلاء الفنادق بقراءة وتوقيع أوراق معلومات مكافحة الاحتيال قبل تسجيل الوصول. في الوقت نفسه، تم توجيه نُدُل المطاعم المحلية بإبلاغ العملاء عن كيفية منع الاحتيال قبل يقدموا لهم الطعام.
قال مسؤول في دونغجينج: "نريد أن يصل التعليم ضد الاحتيال إلى كل جانب من جوانب حياة الناس".
أحد المستفيدين الرئيسيين المستهدفين من الحملة هم طلاب الجامعات الذين عانوا بشدة نتيجة لظاهرة الاحتيال. أظهر استطلاع أجرته صحيفة "تشاينا يوث ديلي" الرسمية العام الماضي، شمل 2746 طالبا جامعيا في جميع أنحاء البلاد، أن أكثر من عُشر المشاركين في الاستطلاع فقدوا أموالا للمحتالين. أدى ذلك إلى موجة جديدة من الحملات التثقيفية التي تهدف إلى جعل الشباب أكثر حذرا. في العام الماضي بدأت شنغهاي بمطالبة 140 ألف طالب جامعي جديد بالحصول على دورة تدريبية عبر الإنترنت لمكافحة الاحتيال، وسلطت الضوء على خمس عمليات احتيال شائعة، من الابتزاز وانتحال هوية المسؤولين الحكوميين إلى المواعدة عبر الإنترنت بغرض بيع منتجات استثمارية مزيفة.
تحرص بعض المدن على مكافحة عمليات الاحتيال لدرجة أن مدينة هينان شرقي البلاد، طلبت العام الماضي من طلاب الجامعات السماح لشرطة مكافحة الاحتيال بالانضمام إلى مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. كانت الفكرة أن يقوم الضباط بنشر نصائح لمنع الاحتيال ومراقبة الرسائل المشبوهة. قال مسؤول في المدينة: "نريد أن نتأكد من حماية الطلاب باستمرار من المحتالين".
يعد مستثمرو التجزئة هدفا رئيسيا آخر لحملة التعليم، حيث تفشل المعرفة المالية لديهم في مواكبة ازدهار ثروة الأسرة. فقد وجد استطلاع أجراه بنك الشعب الصيني على 140 ألف شخص بالغ في نيسان (أبريل) أن أكثر من نصف المستجيبين لم يتمكنوا من حساب العوائد السنوية ولم يفهموا ما يعنيه تنويع الاستثمار. قال 44 في المائة إنهم يتجاهلون العقود المالية أو يقرأونها بشكل سريع فقط.
لتضييق الفجوة المعرفية، استضافت جهات التنظيم المالي (التي تضم بنك الشعب الصيني، ولجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، ولجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية) عددا متزايدا من الدورات التدريبية عبر الإنترنت وفي الموقع، بهدف مساعدة المستثمرين على اتخاذ مزيد من القرارات القائمة على المعرفة. (زادت هذه الدورات بشكل ملحوظ منذ خطاب شي في عام 2019.) وطلبت السلطة أيضا من المستشارين الماليين ومديري الأصول أن يقوم المستثمرون بإكمال اختبارات تقييم المخاطر المسجلة بالفيديو قبل اتخاذ قرار بشأن المنتجات المراد بيعها.
قال جون وانج، وهو مالك صندوق سندات عالية العائد في شنغهاي رفض عشرات المستثمرين بسبب قلة تحملهم للمخاطر: "لقد فعلنا ما في وسعنا لمواءمة تفضيل المستثمرين للمخاطرة مع العائد المتوقع".
يفترض العديد من مستثمري التجزئة أنهم سيحصلون على عائد مضمون (تشجعهم على ذلك عروض مبيعات الصناديق) لمنتجات الاستثمار ذات الدخل الثابت، على الرغم من عدم وجود ذلك في الواقع. قد يدفع التخلف عن السداد المستثمرين الساخطين إلى مقاضاة مديري الأصول لتقديم معلومات مضللة.
مع ذلك، الحملة التعليمية لم تمنع انتشار عمليات الاحتيال. تُظهر سجلات المحاكم أن قضايا الاحتيال على المستثمرين في العام الماضي ارتفعت على الصعيد الوطني أكثر من الثلث عن مستويات عام 2019.
يعود فشل الحملة جزئيا إلى نطاقها المحدود. تصل معظم دورات تعليم المستثمرين المدعومة من الحكومة إلى عدد قليل فقط من الطلاب، بسبب نقص الدعاية. في حين أن العديد من برامج المعرفة المالية التي يديرها القطاع الخاص تتمتع بشعبية أكبر، إلا أنها تعاني تضاربا في المصالح من خلال الترويج للمنتجات الاستثمارية لتحقيق الربح.
الأسوأ من ذلك، هو أن معظم البرامج التعليمية عامة جدا بحيث لا تغطي ما هو مطلوب لمنع عمليات الاحتيال.
دانيال وو، وهو مهندس برمجيات مقيم في تشجيانج، تلقى عدة دروس في المعرفة المالية قبل أن يخسر مليون رنمينبي، قال في أحد البرامج: "أخبرنا المعلم أن العوائد المرتفعة تأتي عن طريق المخاطر العالية. لكنه لم يذكر أي جزء من عقد الاستثمار ينبغي أن نقرأه بتمعن لتجنب الوقوع الخداع".
لقد وضعت بكين واحدا من أكثر قوانين حماية البيانات الشخصية صرامة في العالم، إلا أن تطبيقه غير مكتمل في أحسن الأحوال. قال سون يين، وهو أستاذ في جامعة ساوثويسترن للسياسة والقانون، في ورقة بحثية العام الماضي إن الافتقار إلى العقوبة الشديدة على سرقة المعلومات الشخصية أدى إلى عدم ردع المحتالين.
قال جي شاوفينج، وهو مستشار مالي في نانجينج ومنظم مصرفي سابق، إن التعليم الأفضل قد يساعد الجمهور في مكافحة عمليات الاحتيال على المدى الطويل "وعلى المدى القصير، سيادة القانون أكثر أهمية".
لكن مع استمرار ازدهار حالات الاحتيال، يعتقد كثيرون أن التعليم وحده لا يكفي لمحاربة المحتالين. ني، محامي مكافحة الاحتيال، إن الافتقار إلى حماية المعلومات الشخصية يسمح للمحتالين بصياغة مثل هذه الرسائل التي تضرب على الوتر الحساس بحيث يجد الضحايا أن من المستحيل مقاومتها.
تعرف جيني، الطالبة ضحية الاحتيال، هذا من تجربة مريرة. قالت: "من الصعب إنهاء مكالمة شخص غريب عندما يعرف الكثير عنك. أنت فقط تستمر في الاستماع حتى تقع في الفخ".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES