FINANCIAL TIMES

لم يعد بإمكان المستثمرين تجاهل انفصال الصين عن أمريكا

لم يعد بإمكان المستثمرين تجاهل انفصال الصين عن أمريكا

لم يعد من الممكن تجاهل خطر انفصال الصين عن أسواق رأس المال الأمريكية. هذا درس مهم جاء من قرار اتخذته الأسبوع الماضي مجموعة ديدي شوشينج الصينية لخدمات استدعاء سيارات الأجرة، تحت ضغط من هيئة الرقابة على الأمن السيبراني في الصين، يقضي بشطب أسهمها من بورصة نيويورك وطرحها للاكتتاب العام في هونج كونج.
المخاطر المتعلقة بهذا الأمر ليست صغيرة. كان الطرح العام الأولي لمجموعة ديدي بقيمة بلغت 4.4 مليار دولار في حزيران (يونيو) هو أكبر إدراج لشركة صينية في نيويورك منذ إدراج مجموعة علي بابا في 2014.
جاءت هذه الخطوة بعد تقارير تفيد بأن الصين تخطط لمنع الشركات من طرح أسهمها للاكتتاب العام في أسواق الأسهم الأجنبية عبر كيانات ذات مصالح متغيرة، وهي الهياكل القانونية الواهية القائمة في الملاذات الضريبية، التي دعمت عمليات التعويم في الولايات المتحدة لشركات مثل علي بابا، وجيه دي.كوم، وبيندوودو.
رغبة بكين الواضحة في جعل الشركات الصينية تدرج أسهمها قرب الوطن قد تؤدي إلى إلحاق خسائر بالمستثمرين الغربيين، مع إقدام مزيد من الشركات الصينية على شطب أسهمها، أو تحولها إلى شركات خاصة.
لقد لحقت بالفعل أضرار كثيرة بعدد من المحافظ الاستثمارية نتيجة لهجوم بكين على شركات التكنولوجيا الكبرى ورجال الأعمال المليارديرات البارزين، في حين إن محنة مطوري العقارات المنهكين مثل "إيفرجراند" فاقمت المعاناة.
في الوقت نفسه، من المقرر أن تجبر لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية الشركات الصينية على الشطب إذا فشلت في الكشف عن مزيد من المعلومات حول عمليات التدقيق والرقابة الحكومية على عملياتها.
الشيء المثير للفضول هو أن رأس المال، حتى الآن، كان أعمى عن الواقع السياسي ـ تواصل الصين جذب مبالغ قياسية من الاستثمار الأجنبي المباشر. وجدت دراسة استقصائية حديثة أجرتها غرفة التجارة الأمريكية أن 59.5 في المائة من الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات أبلغت في 2021 عن زيادة الاستثمار 30.9 في المائة مقارنة بـ2020. ومن بين الشركات المصنعة المنتجة في الصين، لم يكن لدى 72 في المائة خطط لنقل أي إنتاج خارج الدولة في الأعوام الثلاثة المقبلة. يا للحسرة على تفكيك العولمة.
أما بالنسبة إلى تدفقات المحافظ، فقد قفزت حيازات الولايات المتحدة من الأسهم الصينية وسندات الدين من 765 مليار دولار في 2017 إلى 1.2 تريليون دولار في 2020، مدعومة بتخفيف القواعد التي تتعلق بالوصول الأجنبي.
تم تسريع هذا التوجه من قبل مزودي المؤشرات بما في ذلك مزيد من الأوراق المالية الصينية في المؤشرات العالمية والإقليمية، ما تسبب في زيادة تعرض الصناديق الخاملة تلقائيا للصين.
في الواقع، توفر سوق السندات الحكومية الصينية أرضا خصبة للباحثين بعد العائد. خلال العام الماضي، قدمت السندات لأجل عشرة أعوام دخلا بلغ نحو 3.5 في المائة، مقارنة بما يقارب 1.5 في المائة على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام. مع بلوغ التضخم الصيني نحو 1.5 في المائة، فإن العائد الحقيقي إيجابي، على عكس سندات الخزانة الأمريكية التي تعيش في ظل معدل تضخم بلغ 6.2 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر).
مع ذلك، فإن ربط الرنمينبي الفعلي بالدولار واليورو يعني أن السندات السيادية الصينية تقدم قليلا من التنويع، أو لا تقدم على الإطلاق تنويعا لمديري الاحتياطيات الرسميين الذين يمثلون المشترين الأجانب الرئيسين، لأن الدولار واليورو هما الدعامة الأساسية لمحافظهم الاستثمارية. يجب أن يكون هناك سؤال حول متانة الوتد. بالنظر إلى المشكلات المتجذرة في سوق الإسكان، تعتمد الصين بشكل كبير على الصادرات لدفع النمو، الأمر الذي قد يجعل السعي إلى الحصول على سعر صرف أكثر تنافسية مغريا.
ما ينبثق عن كل هذا هو أن التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين لا يبرر التشابه مع الحرب الباردة. يتمتع الأنموذج الاقتصادي الصيني بدرجة غير عادية من الاندماج في النظام العالمي، أكبر بكثير مما كان لدى الاتحاد السوفياتي. بقدر ما تكون هناك حرب في أسواق رأس المال، فإنها تقتصر إلى حد كبير على جانب السوق المتعلق بإصدار الأسهم.
مع ذلك، هناك احتمال قوي أن تتزايد الضغوط السياسية في الولايات المتحدة لفرض قيود على الاستثمار في الصين. أحد المؤشرات الواضحة هو التقرير السنوي الأخير للجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأمريكية ـ الصينية، وهي وكالة أمريكية مستقلة.
أشار التقرير إلى أن "الانفتاح" المالي الاسمي في الصين هو في الواقع عملية مدارة بعناية تهدف إلى تعزيز سيطرة الدولة على أسواق رأس المال وتوجيه التمويل الأجنبي نحو تحقيق الأهداف الوطنية.
كذلك أعرب المفوضون عن قلقهم من أن رأس المال الأمريكي يمكن أن يساعد على تقدم التحديث العسكري الصيني، ويسهل انتهاكات حقوق الإنسان، أو يدعم الممارسات التجارية غير العادلة من قبل الشركات الأمريكية.
هل هذا يعني أن الصين منطقة استثمارية ذات نهاية مغلقة؟ أود أن أجادل بأن الكيانات ذات الاهتمامات المتغيرة غير مقبولة لأنها لا تقدم للمستثمرين حقوق ملكية حقيقية ولا تتمتع بأي قوة تصويت. بالنسبة إلى الصناديق الملتزمة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، تعد الصين أيضا منطقة مليئة بالتحديات لأنها أكبر ملوث في العالم. وهناك مخاوف بشأن حقوق الإنسان لا يمكن إنكارها. ومن المعروف أن حوكمة الشركات لا ترقى إلى مستوى معايير العالم المتقدم. لكن بالنسبة إلى البقية، فإن الأمر يتعلق ببساطة بمسألة إذا ما كان يتم تسعير المخاطر بشكل واقعي.
من الواضح أن أجندة بكين الخاصة بـ"الرخاء المشترك"، وميلها إلى المبادرات السياسية العشوائية، وسلوكها التدخلي في الأسواق، هي مسائل تتطلب خصما مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا واليابان. يرى عديد من المستثمرين أن الخصم كاف. أصبحت المخاطر الجيوسياسية أكثر صعوبة، لكن هجرة رأس المال ليست واردة بعد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES