ثقافة وفنون

ألعاب الإنترنت .. داء جماعي ومشكلة تهدد المستقبل 

ألعاب الإنترنت .. داء جماعي ومشكلة تهدد المستقبل 

حققت مبيعات هذه الألعاب ارتفاعا صاروخيا بنسبة 127 في المائة بالقارة الأوروبية فقط.

صارت الألعاب الإلكترونية جزءا لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين والشباب، والكبار في بعض الأحيان، مع تطور الأجهزة التكنولوجية بفضل تراكمات الثورة الرقمية. بيد أن دائرة المخاوف بدأت تتسع بشأن تأثيرات هذه الألعاب في الناشئة، خاصة بعد انقلاب الأمر من مجرد لعبة وتسلية إلى إدمان.
رافق هذه الألعاب ظهور وتطور الحاسوب، لكونها من الناحية التقنية، أي المعلوماتية، مجرد برمجيات تحاكي واقعا حقيقيا أو افتراضيا، بالاعتماد على إمكانات الحاسوب في التعامل مع الوسائل المتنوعة (أصوات، صور، حركة...). 
وتجسد من الناحية الاجتماعية التفاعل بين الإنسان والآلة، قصد الاستفادة من إمكاناتها في التعليم والتسلية والترفيه. 
وتبقى على الصعيد الاقتصادي صناعة عالمية سريعة النمو، تزيد قيمتها، وفق أحدث التقارير، على 300 مليار دولار. يعود أول ظهور للعبة الإلكترونية إلى أواسط القرن الماضي، وتحديدا في 1953، حين تمكن أحد المختصين من إظهار "قملة" على شاشة كبيرة من المصابيح، وتحريكها باستخدام حاسوب ضخم، بلغت تكلفته حينذاك ملايين الدولارات، تلتها بعد ذلك محاكاة مبسطة لألعاب تقليدية مثل الداما والشطرنج. طور ثلاثة طلاب في معهد مساشوستس التقني، في 1960، لعبة "غزاة الفضاء" التي لقيت نجاحا كبيرا، وكانت سببا في ارتفاع نسبة الغياب عن المدارس في أمريكا. هذا الإقبال على اللعبة كان قد دفع بالشركات إلى تقديمها هدية مع الحاسوب.
في 1972، ظهرت أول شركة ألعاب إلكترونية في الولايات المتحدة، وطرحت في الأسواق لعبة "بونج" Pong التي تحاكي بشكل مبسط رياضة كرة الطاولة، ما سهل سرعة انتشارها وإقبال العامة عليها بشكل منقطع النظير. ظهرت لعب أخرى مثل "الأتاري" و"الكويكبات" و"القنطرة" و"باتمان"، أسهمت في تعزيز انتشار سوق الألعاب الإلكترونية، بما يوفر من ترفيه وتسلية وجاذبية.
 لم تستمر هذه الانتعاشة طويلا، فقد شهدت سوق الألعاب بداية عقد الثمانينيات أزمة حرجة، استمرت لعدة سنوات، حتى أنها أوشكت على الانتهاء في السوق إلى الأبد. وذلك عائد إلى الانفجار الضخم في إنتاج الألعاب، فأحكمت الرداءة قبضتها على السوق، ما أدى إلى فقدان المستهلكين الثقة بالشركات، وانخفاض المبيعات بشكل مهول، فمن 3.8 مليار دولار هوى الرقم إلى 100 مليون دولار فقط. استعادت هذه السوق جاذبيتها بدءا من تسعينيات القرن الماضي، مستغلة الثورة في عالم تصنيع أجهزة الكومبيوتر. 
فظهرت الألعاب وذاع صيتها، وحافظت هذه الصناعة على أدائها الإيجابي، بشكل لافت منذ ذلك الوقت. ودخلت في زمرة الصناعات الاستثنائية التي تمكنت من الإفلات من قبضة فيروس كورونا. فالتقارير تفيد بأن أسهم شركات الألعاب الالكترونية سجلت ارتفاعا كبيرا بالبورصة، في 2020. فقد حققت مبيعات هذه الألعاب ارتفاعا صاروخيا، بنسبة 127 في المائة بالقارة الأوروبية، مع نمو بلغ 183 في المائة بفرنسا، و213 في المائة بإسبانيا، و227 في المائة بإيطاليا. وتتحدث الصين عن عائدات فاقت41 مليار دولار، متفوقة على نظيرتها الأمريكية بأكثر من أربعة مليارات دولار. عوائد ترتفع على حساب جيل يتهدم مستقبلهم، بعدما صار الملايين من الأطفال والشباب مدمنين لهذه الألعاب. ففي الصين مثلا، يوجد أكثر من 720 مليون لاعب، من بينهم نحو 110 ملايين دون 18 عاما.
 وسجل الصينيون معدل لعب بلغ 12.4 ساعة في الأسبوع، متجاوزين بذلك الرقم المسجل في الولايات المتحدة، 7.7 ساعة في الأسبوع، والمتوسط العالمي البالغ 8.5 ساعة في الأسبوع. تبقى هذه النتيجة طبيعية بالنظر لاحتفاء الحكومة الصينية بالرياضة الإلكترونية، إذ صنف المكتب الوطني الصيني للإحصاء، في 2019، الرياضة الإلكترونية رسميا على أنها رياضة احترافية. أعقبه في العام الموالي إعلان حكومات بلدية كل من شنغهاي وبكين عن تقديم الدعم، وتنظيم حملات ترويجية لمواصلة تطوير الرياضة الإلكترونية في مدنها. وبالموازاة مع ذلك، عرضت هيئة الإذاعة الصينية المملوكة للدولة، سلسلة وثائقية من ستة أجزاء عن الرياضات الإلكترونية، في وقت أطلقت فيه الجامعات بالبلد مواد اختيارية وتخصصات بحثية تتعلق بالألعاب عبر الإنترنت.
سرعان ما اكتشفت الصين أن هذا الاحتفاء في غير محله، ما دفعها إلى ترويج خطاب مناهض لهذه الألعاب بعدما وقفت عند حجم إدمان الصينيين لهذه الألعاب، حد تهديد الاستقرار الاجتماعي. ما دفعها للبحث في كافة الجبهات عن حلول آنية، للإفلات من خطر محدق، بفئة كبيرة من المجتمع الصيني، يلوح في الأفق. لم تتردد الحكومة الصينية في إصدار لوائح شاملة، تمنح الأطفال، دون سن 18 عاما، نافذة لمدة ثلاث ساعات فقط للاستمتاع بألعاب الفيديو كل أسبوع. وفق التقنين الجديد يسمح للصغار في الصين بممارسة الألعاب، في الفترة ما بين الثامنة وحتى التاسعة مساء فحسب، وذلك خلال أيام نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية.
 في معرض دفاعها عن القرار الحكومي نبهت الإدارة الوطنية للصحافة والنشر إلى أن "إدمان الألعاب أثر في الدراسات والحياة الطبيعية. وأصبح العديد من الآباء بائسين". يذكر أن وتيرة السجال حول الألعاب الإلكترونية ارتفعت في الآونة الأخيرة داخل الصين، وداخل بعض الدوائر الحكومية على وجه التحديد. 
فقد سبق لصحيفة تابعة لوكالة الأنباء الرسمية أن انتقدت بشدة شركات الألعاب الإلكترونية، لاستهدافها الأطفال والشباب.  
بهذا تكون الصين الدولة ذات المفارقة العجيبة في مجال الألعاب الإلكترونية، فهي صاحبة الريادة في هذه الصناعة عالميا، بعائدات ربحية تجاوزت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وفي الآن ذاته أول بلد يضع قوانين تضبط سياسات ألعاب الأطفال. بإجراءات شديدة القسوة تقيد وقت اللعب في الصين، فيما يشبه العلاج الجماعي لمشكلة اجتماعية، تهدد مستقبل الصين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون