معمودية النار

معمودية النار

وزير الخزانة ممزق بين السياسة والسياسات

حين سُئل وزير خزانة باراك أوباما، تيم جيثنر، بعد أن ألقى خطابا في الثاني والعشرين من نيسان (أبريل) فيما إذا كان قد ندم على قبول منصبه الجديد، توقف لفترة بدت كأنها دهر، ثم قال: "أنا.. آآ.. أشعر بأني محظوظ". وانفجر الجمهور بالضحك.
لقد كانت أول ثلاثة أشهر لتيم جيثنر بمثابة معمودية النار. فقد ارتفعت الأسواق في الخريف الماضي حين تم الإعلان عن اسم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لنيويورك. ولكن بعد أسابيع من توليه منصبه في كانون الثاني (يناير)، أصبح البعض في واشنطن العاصمة يعدون الأشهر المتبقية قبل استقالته، وذلك بسبب مشكلات ضريبية شخصية، وخطة لم تلق قبولا جيدا لإصلاح النظام المالي، وردة الفعل السلبية ضد عملية إنقاذ المجموعة الأمريكية الدولية.
ولم يعد هناك حديث عن استقالته بعد انتعاش الأسواق وتجدد الأمل بشأن الاقتصاد. وهدأ الغضب بسبب المجموعة الأمريكية الدولية. وسجل جيثنر بعض النجاحات: اقترح منح سلطات فيدرالية جديدة للاستيلاء على المؤسسات المالية الفاشلة، وقاد الطريق نحو مجموعة العشرين لزيادة ائتمان صندوق النقد الدولي بمقدار 500 مليار دولار لدعم الدول المتعطشة للنقد.
ومع ذلك، لم يتمكن جيثنر من إسكات المتشككين بعد. ففي بلدة مليئة بالأشخاص الغارقين في السياسة دون جوهر حقيقي، يكون جيثنر العكس تماما. فلا يشكك الكثيرون في مؤهلاته في مجال صنع السياسة. وبوصفه مساعد لوزراء مالية سابقين، ثم بوصفه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، اشتهر بتحليلاته السريعة واستجاباته الحاسمة.
ولكنه كان يقوم بتلك الوظيفة وراء الأبواب المغلقة، وبفضل استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كان يقوم بذلك دون وجود الكثير من القيود السياسية. إلا أن منصب وزير الخزانة يتطلب مهارات مختلفة نوعا ما. ومن ضمنها إظهار التعاطف مع العمال، ورعاية الصفقات بصبر لتمريرها من الكونجرس، والتغلب على المصالح المتضاربة التي تكون حادة غالبا. ويتحدث جيثنر بسرعة، ويضيف إلى خطاباته مصطلحات خاصة يفهمها الاقتصاديون أكثر من أعضاء الكونجرس. وفي مناسبات عدة، كان أوباما أقدر على شرح خطط وزارة المالية بصورة أفضل من جيثنر. وقد كتب أحد كتاب المدونات، وهو Felix Salmon، مازحا: "باراك أوباما لمنصب وزير الخزانة".
إلا أن معالجة الأزمة الحالية من شأنه أن يضع تحت الاختبار حتى أمهر السياسيين المخضرمين. ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى أن إصلاح النظام المالي يعني وضع الأموال العامة في أيدي البنوك وغيرها من المؤسسات المالية التي يتهمها الشعب بأنها المتسببة في الأزمة. والثمن واضح، في حين أن الفائدة الرئيسية - أي تجنب دورة تنازلية كارثية من الائتمان المتقلص والركود - أمر مفترض، مهما كان يبدو معقولا. وإذا نجحت عمليات الإنقاذ، سيكون من الصعب تقديم برهان قاطع على أنها كانت ضرورية.
وهذا يعني أنه كان على جيثنر ابتكار حلول قد تضحي بالتأثير السياسي لإنقاذ الشرعية السياسية. ولإنقاذ النظام المصرفي من القروض الفاشلة، درس جيثنر اقتراح إنشاء "بنك سيئ" تديره الحكومة، كما فعلت السويد وكوريا الجنوبية سابقا، ولكنه رفضه، لأنه كان عرضة لاتهامات دفع مال أكثر من اللازم لشراء الأصول. ويعتمد الحل الذي اقترحه، وهو "برنامج استثمار بين القطاعين العام والخاص"، على المستثمرين للتفاوض على سعر مع البنوك، مع أنهم سيكونون مدعومين من القروض المدعومة من الحكومة.
وربما يتطلب إنشاء بنك سيئ أيضا المال الذي لا يميل الكونجرس في الوقت الحالي إلى منحه. فميزانية أوباما المقترحة تضيف، في الواقع، 750 مليار دولار إلى أموال عمليات الإنقاذ. إلا أن جيثنر لن يطلب هذا المال إلا حين يصبح متأكدا أنه بحاجة إليه. وهو يقول إن برنامج الاستثمار بين القطاعين العام والخاص أفضل من البنك السيئ، إلا أن الخبراء المختصين لا يتفقون معه في الرأي، وهو يعلم هذا بلا شك.
وكان جيثنر يسعى منذ زمن طويل إلى محاسبة البنوك على أموال الإنقاذ. ولكن خوفا من إبعاد البنوك والمستثمرين وإضعاف هذه المحاولة، عارض هو ولاري سامرز، المستشار الاقتصادي لأوباما في البيت الأبيض، بثبات فرض شروط صارمة بالصورة التي يرغبها البعض في الكونجرس.
وقد عارضا لنفس السبب النداءات لتأميم البنوك. ويريد جيثنر وسامرز الحفاظ على النظام المصرفي كما هو، في أيدي القطاع الخاص: لا يقدّر دعاة التأميم ببساطة الضرر على المدى الطويل الذي سيحدثه هذا على كفاءة أداء الاقتصاد. وهذه نقطة صحيحة، ولكنها عرضتهما لاتهامات بالوقوف إلى جانب المصرفيين. وفي اجتماع مع لجنة مختارة من الكونجرس مسؤولة عن الإشراف على برنامج إغاثة الأصول المضطربة بقيمة 700 مليار دولار في الحادي والعشرين من نيسان (أبريل)، اضطر جيثنر إلى تصحيح السائل الذي كان يظن أنه كان في السابق مصرفيا استثماريا.
وقدم جيثنر تفسيرا شاملا لأسباب الأزمة، واستجاباته، وحالة الاقتصاد، والإصلاح التنظيمي. إلا أن أعضاء اللجنة نافدي الصبر كانوا يريدون التركيز على إذا ما كانت البنوك قد حصلت على صفقة ممتازة. وسأل أحدهم: "كيف يمكن أن تكون حماية المساهمين في Citi على حساب دافعي الضرائب مفيد لاقتصادنا؟".
ويتم الإشراف على برنامج إغاثة الأصول المضطربة من قبل ما لا يقل عن ثلاث هيئات منفصلة، ويبدو أحيانا أن لديها موظفين أكثر من الموظفين الذين يديرون البرنامج في وزارة الخزانة (لا يزال جيثنر المسؤول الوحيد في وزارة الخزانة المؤكد من قبل مجلس الشيوخ). وفي الأسبوع الماضي، أوصى Neil Barofsky، المحامي من نيويورك الذي تم تعيينه المفتش العام على البرنامج العام الماضي، بأن على أية شركة تشارك في برنامج الاستثمار بين القطاعين العام والخاص الكشف عن أسماء المالكين المستفيدين - مثل شركائها من صناديق التحوّط. واقترح أيضا أن تخضع مثل تلك الشركات إلى نفس قيود المديرين التنفيذيين المفروضة على البنوك التي تم إنقاذها. وقد تبعد مثل هذه الشروط المستثمرين.
والأسواق هي قضية صعبة أخرى بالنسبة لوزير الخزانة. فقد قدّر الكثير من البنوك بوصفها معسرة. وفي المقابل، يعتقد جيثنر وبن بيرنانك، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أن معظم البنوك الأمريكية تملك رساميل كبيرة وأنها قادرة على الإقراض. وستحدد نتائج اختبارات الجهد التي من المقرر أن تصدر الشهر المقبل البنوك القليلة التي تحتاج إلى مزيد من رأس المال. ولكن لا يتعين على الأسواق، مثل الناخبين، أن تكون على حق للتأثير في نتيجة سياسات جيثنر. وإذا انخفضت أسهمها، سيصعب على البنوك جمع رأس مال جديد وسيكون من الصعب أن ينتعش الاقتصاد.
ومن جهة أخرى، إذا نجح البرنامج وتحولت علامات التحسن إلى انتعاش، سينسب إلى جيثنر كثير من الفضل. ولا يعني هذا أن حياته ستصبح أسهل: حين تنتهي الأزمة، سيكون عليه أن يخفف الدين الوطني ويصلح الأنظمة المالية العتيقة في أمريكا. ويزعم جيثنر أنه يستمتع بهذا التحدي. فقد قال ردا على سؤال عما إذا كان قد ندم على قبول منصبه: "عليك أن تكون هناك في هذه اللحظة، وتقوم بهذه المهمة. ليس هناك بديل معقول".

الأكثر قراءة