يجب تعديل سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعالجة التضخم

يجب تعديل سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعالجة التضخم

يبدأ الأمر بالصخرة العرضية حيث يتجادل صانعو السياسة حول بحر الإنكار. ثم يظهر عديد من الصخور. وأخيرا، يرون أنهم يبحرون نحو جرف تضخمي. بجهد كبير فقط يقومون بقلب السفينة والتجديف إلى بر الأمان.
هكذا بدأ الشعور بالعالم لشخص بدأ حياته كخبير اقتصادي في السبعينيات. قلة هم الذين أرادوا تصديق تحذيرات ميلتون فريدمان. لكنه كان على حق. فقد بدأت العملية في الظهور مع قفزات في الأسعار فيما أطلق عليه الراحل جون هيكس أسواق "الأسعار المرنة"، مثل أسواق الطعام. يمكن تفسير بعض القفزات في الأسعار من خلال قيود العرض، مثل حظر النفط في 1973 -1974. وفيما أسماه هيكس أسواق "الأسعار الثابتة"، رأينا زيادة في الطلب ونقصا. ولكن، مع تزايد عمومية ارتفاع الأسعار وتآكل الأجور الحقيقية، أصبح العاملون متشددين بشكل متزايد. وأخيرا، أصبحت دوامة أسعار الأجور العامة ظاهرة للعيان.
ما الذي كان وراء كل هذا؟ إن الإجابة هي، الإفراط في التفاؤل بشأن العرض المحتمل، حتى فات الأوان. هل نرتكب الأخطاء نفسها الآن؟ في رأيي، نعم. حتى إذا كان ارتفاع الأسعار الذي نشهده يمكن أن يكون عابرا، فإنه يخاطر بأن يصبح دائما. علاوة على ذلك، حتى لو كان المرء أكثر تفاؤلا من ذلك، يبدو أنه من المستحيل تبرير إعدادات السياسة النقدية الحالية، خاصة في الولايات المتحدة. إن السياسة الحالية يمكن أن تكون منطقية في حالة الكساد. لكننا لم نعد في خطر الكساد.
في أيار (مايو) 2020، أشرت إلى تحذيرات من الخبير الاقتصادي المؤمن بالنظرية النقدية، تيم كونجدون، بشأن التضخم القادم. ففي أوائل 2021، انضم الكينيزيون المشهورون، ولا سيما لورانس سمرز وأوليفييه بلانشارد، ردا إلى حد كبير على التحفيز المالي الضخم الذي اقترحه جو بايدن. لقد كررت مخاوفي بشأن التضخم في آذار (مارس) وأيار (مايو) وفي مناسبات أخرى.
الآن، يشعر القلقون بأنهم قلقهم مبرر. ففي عمود كتب أخيرا، يعرض سمرز ردا مفصلا على وجهة نظر "الفريق المؤقت" التي طرحها جاي باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في جاكسون هول في آب (أغسطس). إن هذا ليس مستغربا. ففي الولايات المتحدة، بلغ معدل التضخم العام 6.2 في المائة في العام المنتهي في تشرين الأول (أكتوبر) 2021. والأسوأ من ذلك، بلغ معدل التضخم الأساسي (بدون أسعار الغذاء والطاقة) 4.6 في المائة. لحسن الحظ، يبدو الوضع أفضل في منطقة اليورو والمملكة المتحدة، حيث بلغ معدل التضخم الأساس 1.9 في المائة و2.9 في المائة على التوالي. يبدو أن وجهة نظر البنك المركزي الأوروبي القائلة بأن خطر التضخم أصغر بكثير في منطقة اليورو من الولايات المتحدة صحيحة.
ففي الوقت الحاضر، كما يشير سمرز، ترتفع الأسعار في عديد من قطاعات الاقتصاد الأمريكي، بما فيها قطاع الإسكان. إضافة إلى ذلك، ارتفعت توقعات التضخم المستمدة من الفجوة بين سندات الخزانة التقليدية والمرتبطة بالمؤشرات بنحو نقطة مئوية خلال العام الماضي. وكما يؤكد جيسون فورمان من جامعة هارفارد، تظهر علامات الضغط في أسواق العمل. بالتأكيد، لقد تعافت الأخيرة إلى حد كبير. (انظر الرسوم البيانية.)
ومع ذلك، لا يزال بإمكان المرء ملاحظة عوامل خاصة. من بينها ارتفاع أسعار الغاز. ويصف تحليل مفصل أجرته وكالة الطاقة الدولية عددا من العوامل على جانب العرض والطلب - من بينها أن "مستويات خزانات الغاز الأوروبية تحت الأرض في نهاية أيلول (سبتمبر) كانت أقل من متوسطها لخمسة أعوام 15 في المائة ". لذلك، بينما لعبت قوة الطلب دورا، لم تكن العامل الوحيد.
ونقطة مشابهة هي طبيعة الزيادة في الطلب بعد الأزمة، خاصة الاندفاع لشراء السلع الاستهلاكية المعمرة. يفترض أن هذا كان نتيجة لأن كثيرا من الناس قلقون بشأن الخروج للاستمتاع بوجبة أو بعض الخدمات الأخرى. ينعكس الارتفاع في الطلب على البضائع المعمرة في الطلب على المدخلات الصناعية، وكذلك النقل عبر سلاسل التوريد الموسعة في العالم. في الواقع، يؤكد نيل شيرينج، كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس، أن القصة الحقيقية "تكمن في مدى صمود سلسلة التوريد في ضوء التحول الهائل في الطلب نحو البضائع".
لكن، ومع مرور الوقت، تصبح العوامل الخاصة أقل مصداقية ويخشى أن يصبح التضخم متأصلا بشكل أكبر. ومع تشديد السياسة المالية الآن، حتى في الولايات المتحدة، يقع عبء استقرار الاقتصاد الكلي على عاتق البنوك المركزية خاصة الاحتياطي الفيدرالي. ومع ذلك، لا توجد حالة اقتصادية كلية لعدم الاستمرار في برنامج بايدن "إعادة البناء بشكل أفضل". هذا، يجادل فورمان بأنه "سيكون له تأثير ضئيل في التضخم على المدى المتوسط والطويل" كما أنه لن يفيد كثيرا.
لا تزال جميع البنوك المركزية الكبرى محصورة إلى حد كبير في إعدادات السياسة التي تم تقديمها في آذار (مارس) 2020، في ذروة الذعر الناجم عن كوفيد. وفي الولايات المتحدة، يبدو هذا غير مناسب إلى حد بعيد. فبعد كل شيء، مع ارتفاع التضخم بسرعة كبيرة، تقترب أسعار الفائدة الحقيقية قصيرة الأجل من سالب 5 في المائة، حتى على معدل التضخم الأساس. من الصعب أن نفهم لماذا يجب أن تكون هذه هي الحال الآن. ذلك أن مشكلات اليوم هي مع العرض وليس الطلب. ولا يستطيع الاحتياطي الفيدرالي فعل أي شيء حيال ذلك.
قد يكون السبب هو أن الاحتياطي الفيدرالي يتراجع عن التحركات الواضحة نحو التطبيع بسبب تحوله نحو استهداف متوسط التضخم. ومع ذلك لم يكن من المنطقي بالنسبة لي أبدا أن يرد البنك المركزي الرائد في العالم على إخفاقاته السابقة من خلال الارتكاب المتعمد لأخطاء مضادة في المستقبل، وهي وجهة نظر طرحها بالتفصيل ويليم بيوتر. وهذا يضيف فقط عناصر جديدة من عدم اليقين.
قد يكون السبب الآخر للنأي بالنفس هو الاعتقاد بأن إدارة الاقتصاد "الساخن" ستجلب منافع اجتماعية كبيرة وتكاليف محدودة. إن هذه حجة جيدة لاستدامة الطلب. لكنها حجة محفوفة بالمخاطر لعدم الاستجابة للارتفاعات السريعة في التضخم. يكمن الخطر في أن النتائج قد تستمر في إثبات أنها أسوأ بكثير مما كان متوقعا. في تلك الحال سيضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى اللحاق بالركب. وستتجاوز تكاليف ذلك إلى حد كبير تكاليف تعديل سياسته شديدة التساهل الآن.
إنني آمل بشدة أن يتلاشى هذا التضخم. لكن الأمل لا يكفي. تبدو إعدادات السياسة الحالية غير ملائمة. إن الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى إدارة عليا جديدة مستعدة للتراجع والتفكير مليا في أين تقف اقتصادات الولايات المتحدة والعالم. إن التحول الأسرع نحو الاعتدال النقدي الآن يمكن أن يمنع الاضطرار إلى التحول المفاجئ في وقت لاحق.

الأكثر قراءة