تجارب ناجحة وتحديات كبيرة في عالم تمويل المشاريع الصغيرة
في عام 1997 استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن أول قمة للقروض الائتمانية. حينها هبت نسائم إنسانية منعشة دفعت أعضاء ما يُسمى المجتمع المدني للهتاف بصوت مؤثّر" حان وقت الانتصار". ووقف رواد لحركة القروض الائتمانية الصغيرة مثل محمد يونس مؤسس بنك جرامين بانك Grameen Bank، في بنجلادش ليروي قصصا مختلفة من واقع الحياة عن رجال ونساء شديدي الفقر يحلمون بالقيام بأعمال تجارية صغيرة مثالية حالما يتمكنون من إيجاد مصادر دخل مالية.
اليوم ومع نهاية عام القروض الصغيرة أعلنت الأمم المتحدة عن ازدهار في مجال القروض الائتمانية الصغيرة في محيط المؤسسات التنموية وذلك بسبب وجود البنوك التجارية. ويقوم نحو 20 في المائة من الفقراء في العالم بإدارة أعمال تجارية جيدة من خلال القروض الائتمانية. ليس هذا فحسب بل إن الناس في الدول النامية أشاروا إلى معدلات توفير جيدة ونسبة فشل لا تزيد على 2 في المائة فقط. وباختصار فإن التجارة تزدهر باطراد من خلال القروض الائتمانية الصغيرة التي أصبحت تضم منذ ثمانية أعوام نحو ثمانية ملايين سيدة في الدول النامية.
ويوجد اليوم أكثر من 60 مليون فرد حول العالم من زبائن مؤسسات التمويل الصغير التي يقدر عددها بنحو12 ألف مؤسسة ويزداد هذا العدد يومياً حيث استفاد نحو 100 مليون شخص فقير من القروض الائتمانية الصغيرة. والفرص المتوافرة ليست سيئة، حيث سيتمكن " نحو نصف الفقراء البالغ عددهم 1.2 مليار من تحقيق مدخل إلى القروض الائتمانية الصغيرة حتى عام 2015 وبالتالي سيتمكنون من تحسين معدلات أجورهم وعوائدهم بصورة دائمة وفقما تشير إليه أهداف تنمية الألفية
ورغم الحرفية الزائدة لتجارة القروض الائتمانية الصغيرة فما يزال الهدف الأساسي للقروض الائتمانية الصغيرة قائما ألا وهو مكافحة الفقر والجوع. وتعمل القروض الائتمانية الصغيرة بفعالية أكثر من الوسائل الأخرى كافة غير المجدية لمحاربة الفقر. وفي دول البلقان، وبعض المناطق المتنازع عليها في إفريقيا، حققت بنوك القروض الائتمانية الصغيرة اتجاهاً مستقراً وثابتاً لم ينجح في توطيد الثقة عقب فترات الحرب فحسب، بل وفي توضيح طريق البداية نحو المستقبل لجميع الفرقاء والأحزاب.
وتمثل النساء نحو 80 في المائة من زبائن القروض الائتمانية الصغيرة ولهذا فإن مردود ذلك كبير حيث يحقق مساهمة ذات قيمة كبيرة في تحرير النساء اجتماعياً ومالياً. ويمكن توافر المزيد من المال في أيدي النساء العديد من العائلات من التغلّب على حالة الفقر المدقع على مدى فترة من الوقت. وعندما يتم توفير الفرصة للنساء لمواجهة متطلبات الحياة يمكنهن حينها رعاية الأسرة بشكل أفضل مثل الاعتناء بصحة الأطفال بشكل أفضل والاهتمام بإرسالهم إلى المدارس.
وبفضل القروض الائتمانية البسيطة أصبحت هناك في الوقت الراهن أسس عالمية للتمويل الصغير. حيث إن الزبائن يمكنهم اليوم أن يعتمدوا على تنوع الخدمات المالية ويمكن للناس البسطاء الحصول على تلك الخدمات التي تراوح من القروض إلى التوفير إلى التأمين أو أي من عروض الخدمات المالية الحديثة في البنوك بغض النظر الموقع الجغرافي فهذا الأمر يتم وفق القواعد نفسها في أوغندة، أو فيتنام، أو بلغاريا، أو السلفادور، أو كوسوفو على حد سواء. ولا تقتصر مساهمات الفقراء على القروض الائتمانية فقط بل إنهم زبائن لصناديق التوفير كلما سنحت لهم الفرصة لذلك. ويمثل هذا قيمة إضافية للبنوك الصغيرة لأن التوفير هو أبسط الوسائل لإعادة التمويل.
وعلاوة على هذا فإن النظام المالي الثابت كما هو معلوم يعد أحد العناصر الأساسية للتنمية المتوازنة والمستدامة، كما أنه يعطي الجهات الدولية المانحة والحكومات المتطلعة في الدول النامية فرصة كبيرة لإقامة ترابط وطيد بين مؤسسات التمويل الصغيرة والنظام المالي.
وتتعاون مؤسسات القروض الائتمانية مثل مؤسسة KFW مع 84 شريكاً مالياً صغيراً في 37 دولة ويتم إنفاق أكثر من 460 مليون يورو لتمويل المشاريع الصغيرة، إذا كانت القروض الصغيرة سلاحا في مواجهة الفقر، فمن ناحية ثانية نجد أن هذا التمويل قد لا يصل إلى كل الفقراء، فالأشخاص شديدو الفقر لا يمكنهم أن يسددوا قروضهم إن لم يكن لديهم أجر ثابت وتتسبب القروض الائتمانية الصغيرة في زيادة ديون هؤلاء ما يؤدي إلى زيادة الفقر. ومن أجل هذه الشريحة التي تقبع في قاع الهرم الاجتماعي يلزم توفير الدعم المختص، وبرامج التزويد المختصة كذلك، وتمويل هذه المجموعات بالكامل من قبل صناديق المساعدة.
والواقع يشير إلى أن الشركات الصغيرة وورش العمل اليدوية، والتجار الصغار الناشطين اقتصادياً التي حصلت على قروض ائتمانية الصغيرة وميسرة لم تتمكن من تحقيق الاستفادة المرجوة في إنجاز فرص نمو جيدة وذلك يرجع إلى عدم توافق المحيط الاقتصادي العام مع أجواء الاستثمارات والنمو. وتقل الاستفادة بشدة من القروض الائتمانية في حالة وجود الكثير من معوقات التنمية بشكل عام مثل انخفاض معدلات الاستثمار وتدهور البنية التحتية وانهيار مستوى خدمات توفير الماء والطاقة.