ثقافة وفنون

الأسماء المستعارة .. تباينت الدوافع و«التسويق» واحد

الأسماء المستعارة .. تباينت الدوافع و«التسويق» واحد

جرأة الأفكار والطرح قد تكون دافعاً إضافياً للكتابة تحت اسم مستعار.

الأسماء المستعارة .. تباينت الدوافع و«التسويق» واحد

الأديب الراحل غازي القصيبي اختار لقب "العجوز".

الأسماء المستعارة .. تباينت الدوافع و«التسويق» واحد

ثلاثي إسباني فاز بمليون يورو تحت اسم امرأة.

حادثة غريبة شهدها الوسط الأدبي العالمي قبل أيام، حينما فازت روائية إسبانية بجائزة أدبية رفيعة قيمتها مليون يورو، لكن من تسلمها هم ثلاثة رجال، اتضح أنهم كانوا يكتبون تحت اسمها المستعار، لتفتح الحادثة ملف الكتابة تحت الأسماء المستعارة، وتطرح تساؤلا مهما: لماذا يختبئ الأدباء وراء اسم وهمي؟
يروي التاريخ أن النساء هن من لجأن أولا إلى الكتابة تحت أسماء رجال وإخفاء هويتهن، لحمايتهن من التحيز ضد الكاتبات لدى الغرب، وفي الشرق اختار رجال أسماء سيدات أو أسماء وهمية أو كنية وحروفا رمزية لأسباب متباينة، مثل خيرية السقاف، حمد الجاسر، عبدالله بن خميس، غازي القصيبي الذي اختار لقب "العجوز"، وأجاب عن أسئلة الجمهور في إحدى المجلات لأعوام بشكل لاذع وطريف، في سر لم يكشف إلا بعد وفاته.

روائية وهمية

القصة التي توسعت فيها صحيفة "واشنطن بوست" تحدثت عن كاتبة روائية تدعى كارمن مولا، الأولى في مجال الإثارة والجريمة، أستاذة وأم كما تدعي، وكان حفل جائزة بلانيتا الأدبية هو الذي أزاح الستار عن هذه الشخصية الوهمية.
كتبت كارمن لأعوام روايات دموية، كانت ترسم البطولة بأيدي بطلات قويات، واشتهرت بثلاثيتها "غريبة ومنفصلة"، وتدور حول مفتشة شرطة في قصة مميزة، ترجمت إلى 11 لغة، ويجري تحويلها إلى نص يلائم الشاشة، على حد تعبير الصحيفة.
ولم يكن هذا وحده غريبا، بل أدرج معهد المرأة الإسباني فيلم "الفتاة" لكارمن مولا المستوحى من ثلاثيتها، ضمن الكتب والأفلام التي تجب قراءتها من قبل النساء لتساعد على فهم واقع المرأة وتجاربها، في حين حقق فيلم "الوحش" المقتبس من كتب كارمن نجاحا يحسب لها، وهو فيلم إثارة تاريخي يركز على حوادث قتل الأطفال في مدريد أثناء تفشي الكوليرا 1834.

اختبأوا وراء الاسم

لماذا اختاروا هذا الاسم؟ هذا ما تحاول الصحف العالمية تسليط الضوء عليه، فكارمن في حقيقتها هي خلاصة أفكار ثلاثة كتاب هم: خورخي دياز، وأجوستين مارتينيز، وأنطونيو ميرسيرو، كتاب سيناريو تلفزيونيون إسبان في الأربعينيات والخمسينيات من أعمارهم.
"الاقتصادية" في تتبعها للقصة الغريبة، تبين أن الثلاثي اختاروا الاسم عن طريق الصدفة والمتعة، دون التفكير بشكل خاص في جنس الاسم أو الآثار المحتملة.
ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن دياز قوله بعد فوزه بجائزة بلانيتا "كارمن مولا ليست مثل كل الأكاذيب التي نقولها، أستاذة جامعية، نحن ثلاثة أصدقاء قررنا يوما ما قبل أربعة أعوام دمج موهبتنا في سرد ​​قصة".
أما ميرسيرو فصرح لصحيفة "إل باييس" الإسبانية "لا أعرف إذا ما كان اسم مستعار سيبيع أكثر من اسم مستعار آخر، ليس لدي أدنى فكرة، لكني أشك في ذلك، لم نختبئ وراء امرأة، اختبأنا وراء اسم".

عملية تسويق رائعة

لا شك أن مولا الإسبانية كانت درسا تسويقيا رائعا، فقد اختار الثلاثي الإسباني صورة بالأبيض والأسود لامرأة نحيفة وظهرها مقلوب إلى الكاميرا، على صفحة الناشر، وكتبت صحيفة "موندو" في مقابلة مع المؤلفين "لم يغب عن أحد أن فكرة أستاذة جامعية وأم لثلاثة أطفال كانت تقدم دروسا في علم الجبر في الصباح، ثم كتبت روايات مروعة فوق عنيفة في قصاصات من وقت الفراغ في فترة ما بعد الظهيرة، قد أدت إلى عملية تسويق رائعة".
فيما وصفت بياتريس جيمينو الرئيسة السابقة لمعهد المرأة الأدباء الثلاثة بـ"المحتالين"، وكتبت على "تويتر" بعد إعلان الجائزة "بصرف النظر عن استخدام اسم مستعار للإناث، فقد أمضى هؤلاء الرجال أعواما في إجراء المقابلات، إنه ليس الاسم فقط، إنه الملف الشخصي المزيف الذي اعتادوا عرضه للقراء والصحافيين، إنهم محتالون".

سعوديون اختاروا التواري

توارى عدد من الأدباء والكتاب السعوديين خلف الأسماء المستعارة، وتشير تقديرات إلى أنها تتجاوز مائتي اسم مستعار، يقف وراءها أدباء كبار، منهم عبدالله بن خميس رائد الثقافة، الذي اختار اسم فتى الدرعية، واختار حمد الجاسر علامة الجزيرة العربية اسم الشاعر الهزلي، ومرة الشاعر النجدي، والأصمعي في مرة ثالثة، ورابعة أبومي، وخامسة بدوي من نجد.
خيرية السقاف بدورها كانت ممن اختار أسماء رجال، مثل وحيد، وإنسان، وكتبت في مسيرتها أيضا تحت اسم سخاء الحيدر، حواء، إباء، مطرقة.
ومن الأدباء من اختار نحو 14 اسما مستعارا، مثل عبدالقدوس الأنصاري الأديب والكاتب، الذي اختار مرة اسم الشاعر المجهول، ومرة مطالع، أو أبو العلاء، في حين اختار أحمد السباعي شيخ المؤرخين اسم خديجة، ومرة كتب باسم سمراء الجزيرة، متعلمة حجازية، فتاة الحجاز، وشيخ الصحافة.
حمزة شحاتة الشاعر والأديب والفيلسوف كان يحبذ اختيار الأسماء الطريفة، مثل خنفشعي، الليل، شاعر قديم، العاصف، هول الليل، أبو عرب، كاتب لم يشأ ذكر اسمه.
ويسجل التاريخ أن عبدالله مناع أيضا كتب تحت أسماء مستعارة، مثل ابن الشاطئ، أحدهم، متفرج، التائه، واحد، متفرج، واختار سعد البواردي أسماء: فتى الوشم، أبو سمير، أبو نازك، كما اختار عبدالفتاح أبو مدين اسما ابن الصحراء والسائح.
حسن مصطفى الصيرفي شاعر المدينة المعروف، كتب مرة تحت اسم المعداوي القديم، مجنون، أشعب، فاضي، طفران، فيما اختار طاهر زمخشري الشاعر والأديب لقب موظف، ومتقاعد في مرات أخرى، و"عجوز الروضة"، في عادة أدبية سبقهم إليها مؤلفون عرب وغربيون.

إثارة الفضول

هذه الأسماء المستعارة جديرة بالتأمل في معانيها ورمزياتها، أما أسبابها فهي كثيرة، قد يجد فيها بعض الكتاب هربا من المساءلة القانونية، أو تحرجا من إبداء الرأي علنا، أو خوفا من النقد، فيستعين الكاتب باسم مستعار مؤقتا، لضمان تقبل القراء رأيه.
النزعة القومية والتأثر بالتاريخ كانا سببا لاختيار الشاعر علي أحمد سعيد اسم "أدونيس"، أشهر الأسماء المستعارة اليوم، ومي زيادة كتبت باسمي "عائدة" و"إيزيس كوبيا"، وكانت أول امرأة تكتب في جريدة "الأهرام"، ومثلها اختارت الكاتبة المصرية عائشة عبدالرحمن اسما مستعارا "بنت الشاطئ"، لأن أسرتها محافظة لم تعتد خوض نسائها غمار الثقافة.
الأسباب كانت مختلفة للروائي إبراهيم الورداني، الذي بدأ حياته بالكتابة تحت اسم "مي الصغيرة"، وحينما أثار فضول القراء واستولى على اهتمامهم، كشف النقاب عن اسمه الصحيح.
ووصل الأمر ببعض الأدباء أن يمهروا مؤلفاتهم وإصداراتهم بأسماء مستعارة، وبرز هذا الفعل لدى العراقيين كثيرا، قد يكون سببه الخوف من فشل التجربة الأولى الكتابية، فيما أخفى كتاب أسماءهم خوفا من إظهار المشاعر الحقيقية، مثل الحب والحقد والظلم والانتقام والأفعال اللا أخلاقية، والتستر بأسماء تحمي صاحب الكتاب من المساءلة، خاصة إن كان من الشخصيات العامة أو يعمل في وظيفة حساسة.
"فولتير" مثلا هو اسم مستعار للكاتب فرنسوا ماري أرويه، بعد أن اختار الابتعاد عن أي شبهة أو علاقة تربطه بعائلته أو أبيه، و"موليير" أو جان باتيست بوكلين أراد أن يبتعد بالحرج عن عائلته البرجوازية، وخشي أن يؤذي سمعتها بسبب ما يكتبه مسرحيا من تراجيديا وكوميديا.
جرأة الأفكار والطرح قد تكون دافعا إضافيا للكتابة تحت اسم مستعار، لكنها قد تكون كذلك خدعة تسويقية بحتة، مثلما فعل الأدباء الإسبانيون الثلاثة، فحصدوا جائزة المليون يورو.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون