عبدالله بن إدريس .. رقة الشاعر ونقاء الأديب
رحل عن عالمنا أمس أديب لا يتكرر من طراز يتعطش دوما للعلوم ولا يؤمن في المعرفة بالحدود. يشعر باللغة ويشتغل في الفكر، برع في العلوم الأدبية والشرعية معا. وتدرج في المهمات الوطنية إداريا وإعلاميا وتعليميا. يكتب الشعر برقة متناهية ويمارس الأدوار الموكلة إليه بصرامة حانية.
عبدالله بن إدريس المولود في حرمة سدير (1929) والرئيس السابق لنادي الرياض الأدبي، شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى لرعاية العلوم والفنون والآداب، والأمين العام لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
تنوعت مهامه وتدرجت مناصبه ولم يتغير إتقانه. لذلك أجمع ملوك البلاد والقادة الذين عاصرهم وعمل معهم على الثقة بما يعمل وفيما يعمل. الملك سعود أهداه ساعة فاخرة في إحدى المناسبات الثقافية معبرا عن إعجابه. والملك فيصل بارك توليه رئاسة تحرير مجلة "الدعوة" في أول إصدار لها.
ليقدم ابن إدريس برفقة محرريه عملا إسلاميا في توجهه الصحافي، وسطيا في قيمه الدينية، الساعية إلى الذب عن السلفية المعتدلة، جامعا كلمة الأمة على سواء التقدم والصلاح، بشهادة الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، الذي أثنى عليها، قائلا "إن "الدعوة" ترسم الطريق السوي القويم إلى ميادين الإصلاح".
وبعد العام الأول لصدورها أضيف إليه عمل المدير العام لمؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية، فجمع بين رئاسة التحرير والإدارة العامة. وكان أول صحافي سعودي يجمع بين هذين العملين معا في عهد المؤسسات الصحافية.
كما عمل بن إدريس مع الملك فهد بن عبدالعزيز في وزارة المعارف موظفا ورجل دولة قبل أن ينتدب إلى مهماته الصحافية والأدبية التي امتدت بعد ذلك لعقود من الزمن توجت بإدارته للنادي الأدبي في الرياض في عام 1401هـ حتى استقالته منه في عام 1423هـ وهو أحد المؤسسين الأوائل لهذا النادي في بدايته عام 1395هـ.
وإذ تذكر جميع صولات هذا الأديب وتشكر جولاته المفعمة بالعمل الجاد والمثمر مع جميع القادة والملوك لا يمكن إغفال الطريقة العفوية والجميلة التي اختارها الملك سلمان بن عبدالعزيز لتكريم بن إدريس. حيث فاجأه بزيارة لمنزله بينما أبناؤه وأحفاده يحتفلون به وبشكل أسري مختصر. وشاركهم خادم الحرمين الاحتفال ببساطته المعهودة.
الملك سلمان العارف بقيمة وقامة هذا الأديب أراد أن يوصل رسالة ضمنية تبين مكانة هذا الأديب وعظيم ما قدمه على مدار أجيال وعقود. أخا وأبا، مسؤولا وصديقا صدوقا ومقربا من الجميع.
أما الجانب الإنساني للأديب الشاعر عبدالله بن إدريس فلا ينفصل عن الجانب الإبداعي فقد كان عامرا بالمواقف المتميزة. ليس آخرها وإن كان أميزها موقفه من زوجه رفيقة العمر التي لم ينسَها من السؤال والثناء والدعاء حتى في أوج وعكته المرضية السابقة، كاتبا لها قصيدته المؤثرة والمعبرة في آن "أأرحل قبلك أم ترحلين". إذ تزامن مرضهما ذلك الوقت مع تنويم متباعد في مستشفيين مختلفين.
وعن هذه القصيدة يقول الراحل غازي القصيبي، "لعلها أول وأجمل قصيدة رومانسية كتبها شاعر من صحراء نجد في زوجته، في بيئة ثقافية نجدية لا يكاد الزوج فيها يسامر زوجته داخل بيته فكيف يفعل ذلك شعرا وأمام الملأ؟!"، وتبقى الإجابة الدائمة عن هذا السؤال وغيره من الأسئلة حول حياة الرجل وموقفه واحدة .. إنه الأديب عبدالله بن إدريس.