شبابنا والمسؤوليات الأسرية

 شبابنا والمسؤوليات الأسرية

عبء كبير يقع على رب العائلة السعودية التي لا تمتلك سائقا خاصا عندما يتعلق الأمر بقضاء احتياجات الأسرة اليومية كتوفير المستلزمات من السوق أو نقل بعض أفراد العائلة إلى المستشفى أو المدرسة أو زيارة الأقارب وإلى ما لا نهاية من المهام الروتينية التي لا بد من القيام بها. هناك عدة أسباب تجعل رب الأسرة السعودية في عناء يومي خاصة من لا يملكون سائقا. لهذا العبء بعض الأسباب وتتعلق بالشباب توجز بما يلي:
أولاً: يقوم الرجل بأعمال يمكن للمرأة القيام بها فيما لو كانت قادرة على الحركة والتنقل خارج المنزل للتبضع وتوفير احتياجات الأسرة ونقل الأبناء إلى المستشفى عند الحاجة أو زيارة الأقارب، إلا أن كل ذلك غير ممكن بالطبع بسبب الموقف الرسمي والشعبي من قيادة المرأة للسيارة.
ثانياً: يتناسى بعض أرباب الأسر أن لديهم أبناء يمكنهم القيام بكثير من المهام الصغيرة خاصة الذين تتوافر لديهم سيارات ممن هم في المرحلة الجامعية أو دونها بقليل. وحقيقة فإن تكليف الأبناء ببعض المهام كشراء احتياجات الأسرة وأخذ المريض إلى الطبيب يزرع لديهم حس المسؤولية ويدفعهم إلى الاعتماد على أنفسهم ناهيك عن الخبرة التي يمكنهم اكتسابها عند احتكاكهم مع أفراد خارج المنزل كالباعة وأصحاب الحوانيت وحتى الشحاذين والسوقة، مما يساعد الأبناء على الإلمام بخبرات جديدة سوف يحتاجون إليها عند تقدمهم في العمر. ومن المفيد جداً إعطاء الأبناء مبلغا ماليا على شكل "نثرية أسبوعية أو شهرية" لتوفير بعض احتياجات الأسرة دون الرجوع إلى الأب أو الأم. ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن كثيراً من الآباء الذين تحدثت معهم حول هذه القضية غير راضين عن أبنائهم ويتهمونهم باللامبالاة والكسل وأنهم يأخذون ولا يعطون. بعض الآباء يصف أبناءه بأنهم "نبتة غار" كناية عن استمرائهم الدعة والخمول، ناهيك عن جهلهم بأبسط الأمور كاستقبال الضيوف وطريقة تقديم القهوة مثلاً، وكل ذلك بسبب اعتمادهم الدائم على الأب.
ثالثا: يغيب عن أذهاننا أحياناً مبدأ ذهبي، ألا وهو مبدأ "تقسيم العمل" داخل المنزل. ويعود غياب ذلك إلى مركزية السلطة عند رب العائلة السعودية (الرجل الأب) وهي سمة متجذرة في مجتمعاتنا العربية بسبب البنية الأبوية للأسرة العربية، حيث درجت العادة على سلطوية الأب ومن ثم تغييب دور المرأة والشاب والفتاة ناهيك عن الطفل، حيث يقوم الرجل العائل بكل الأعمال التي تتطلب الخروج من المنزل، مما يوضح معاناة بعض الأسر التي لا يتوافر لها العائل الذكر والأسر التي ليس لديها أبناء ذكور. وليس من شك أن تقسيم العمل يخفف من الأعباء الملقاة على كاهل رب الأسرة، الأمر الذي يشعر كل فرد في المنزل أن له دوراً يؤديه وأن هذا الدور حيوي وعضوي لبقية أفراد الأسرة. إن تقسيم العمل داخل الأسرة يزرع حس المسؤولية عند جميع أفراد الأسرة ويمكن الأبناء من الاعتماد على أنفسهم عند غياب الأب عن المنزل لفترات طويلة.
رابعاً: معظم شبابنا ممن يستخدمون الإنترنت بكثافة، ومع ذلك فإننا لا نستفيد كثيراً من جهودهم في إنجاز بعض الأمور من خلال الإنترنت والخدمات التي يمكن إنجازها تلفونيا. صحيح أن فواتير الخدمات كالكهرباء والتلفون وبعض الأقساط يمكن الآن سدادها هاتفيا، بينما يمكن عمل حجوزات الطيران على الإنترنت، إلا أن مهمات كثيرة لا يمكن إتمامها إلا بالذهاب شخصياً إلى الإدارات الحكومية والتردد عليها مما يخلق مشكلات لا حصر لها. وليتنا نأخذ بما يتم في الإمارات، حيث يمكن إنجاز 600 خدمة بالهاتف والإنترنت (حكومة إلكترونية) وقد حاولت حصر ما نحتاج إليه هنا فلم أجد أكثر من 30 خدمة وجميعها يمكن إتمامه من خلال التلفون والإنترنت. إن الأخذ بذلك يوفر كثيراً من الجهد والمال والطاقة ويفتح مجالا مناسبا للشباب لتحمل بعض المسؤوليات الأسرية، بل إن ذلك يجعل الأبناء والزوجات يستغنون عن رب الأسرة. وتصبح فائدتهم مضاعفة إذا كان رب الأسرة من النوع المتسلط..!!!

**
[email protected]
أستاذ الأنثربولوجيا الاجتماعية في جامعة الملك سعود

الأكثر قراءة