العمل عن بعد يعيد صياغة شكل الإعلانات الخارجية

العمل عن بعد يعيد صياغة شكل الإعلانات الخارجية
سبب الارتفاع في صناعة الإعلانات الخارجية يتمثل في رجوع الجمهور، لكن في أماكن وأوقات مختلفة من اليوم.

"مرحبا بعودتك إلى رحلة التنقل الرائعة". يعد هذا الشعار الساخر والمكتوب على محطات مترو الإنفاق في لندن، والعربات والسلالم المتحركة من قبل شبكة الهاتف المحمول إي إي، أحد الجمل العديدة التي ابتكرها المعلنون للاحتفال بالعودة إلى العمل في المكتب.
السؤال عما إذا كان العمال سيستأنفون التنقل لخمسة أيام في الأسبوع هو سؤال لا يطارد فقط التجار في وسط المدينة وأصحاب العقارات التجارية، إذا استمر تحول العمل إلى المنزل، فإن ذلك سيؤدي أيضا إلى إعادة صياغة شكل الإعلانات الخارجية.
لقد أنفق المعلنون 40 مليار دولار على مستوى العالم على ما يسمى بوسائط الإعلام الخارجية في عام 2019، قبل أن تدمر جائحة كوفيد -19 هذا القطاع - وهو ارتفاع يقدر بـ60 في المائة تقريبا عن العقد الذي سبق، وذلك وفقا لشركة الإعلان زينيث.
ومع انقسام جماهير التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى، احتفظت اللوحات الإعلانية الكبيرة والملصقات بقدرتها على الوصول إلى قطاعات واسعة من السكان. وتعد منصات النقل والعربات المزدحمة طريقة فاعلة بشكل خاص للعلامات التجارية لكسب الانتباه.
لكن هذه الوسيلة قد تضررت تحديدا عندما تم فرض قيود الإغلاق في بداية الجائحة، الأمر الذي دفع المعلنين إلى خفض الإنفاق. ثم ما لبثت أن تعافت مبيعات اللوحات الإعلانية الكبيرة مع عودة حركة المرور، لكن إجمالي الإنفاق على الإعلانات الخارجية قد انخفض 28 في المائة العام الماضي ليبلغ 29.1 مليار دولار، وفقا لشركة زينيث.
وقال جان فرانسوا ديكو، الرئيس التنفيذي المشارك ورئيس شركة جيه سي ديكو، وهي أكبر شركة للإعلانات الخارجية في العالم، إن هذا العام كان أيضا "صعبا للغاية"، مشيرا إلى إعادة فرض القيود في أماكن مثل ملبورن وسيدني.
ومع ذلك، فقد أضاف "إن الخبر السار هو أنه بمجرد رفع القيود، فإن الأعمال ستعود إلى طبيعتها بسرعة كبيرة".
بدت هناك علامات أولية على حدوث انتعاش في بعض الأسواق. حيث قالت هيئة النقل في لندن إن الخميس الماضي كان أكثر الأيام ازدحاما على شبكتها منذ بدء الجائحة، على الرغم من أن 2.17 مليون رحلة عبر الإنفاق لا تزال تشكل 54 في المائة فقط من مستوياتها في عام 2019. وكانت الصورة مشابهة أيضا في شبكة مترو إنفاق نيويورك في اليوم نفسه، وفقا لهيئة النقل في العاصمة.
قال ديكو، "لا تعد هذه مشكلة في الدول الناشئة - أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو أوروبا الشرقية - فالناس جائعون ويريدون العودة إلى المكتب". وأضاف، "إن وتيرة العودة إلى المكتب هي أبطأ في أمريكا... والاقتصادات الأقدم في أوروبا هي بشكل أو بآخر على الشاكلة نفسها - ثلاثة أيام في الأسبوع".
وقال مالكو وسائل الإعلام المنافسة، إن المعلنين ظلوا حذرين بشأن وسائل الإعلام الخارجية. وقالت كارولين ماكول، الرئيسة التنفيذية لقناة آي تي في، وهي أكبر جهة بث تجارية مجانية في المملكة المتحدة، "ما زال خروج الناس إلى أماكن مختلفة أقل مما كان عليه قبل عامين"، مضيفة "لقد استفاد التلفاز من ذلك بالتأكيد".
المستثمرون أيضا حذرون. فبينما كسبت أسهم جيه سي ديكو ومقرها باريس 50 في المائة على مدار العام الماضي، لكنها لا تزال أقل مما كانت عليه في بداية عام 2020.
أما فيما يتعلق بشركة كلير تشانيل آوتدور ومقرها الولايات المتحدة، التي تعد ثاني أكبر شركة في هذا القطاع، فقد تعافت 70 في المائة العام الماضي، لكنها لا تزال منخفضة 60 في المائة عما كانت عليه في الأعوام الخمسة الماضية. وكانت الشركة تحمل ديونا صافية تبلغ قيمتها نحو 6.2 مليار دولار في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، وفقا لشركة إس آند بي كابيتال آي كيو، مقارنة بالقيمة السوقية لها هذا الأسبوع البالغة 1.2 مليار دولار.

دنيا جديدة في العمل واللعب
إن سبب الارتفاع في صناعة الإعلانات الخارجية يتمثل في رجوع الجمهور، لكن في أماكن وأوقات مختلفة من اليوم.
"التنقل هو أحد العناصر المستخدمة للإعلان، ولكن بالطبع المسرح، والأحداث الرياضية، والأحداث الموسيقية، والنوادي قد عادت للإعلان أيضا"، هذا ما قاله أدريان سكيلتون، الشريك الإداري في تالون آوتدور، وهي شركة إعلامية متخصصة في الإعلانات خارج المنزل ومن عملائها ماكدونالدز وجوجل.
وقال ماثيو ديردن، الرئيس السابق لشركة كلير تشانيل يوروب الذي أسس شركة ألايت ميديا المتخصصة في الإعلان خارج المنزل، إنه لا يزال بإمكان المعلنين استهداف العاملين الأغنياء في المكاتب. وقال: "إن من الواضح أنه لا يمكنك الوصول إليهم وهم يصعدون الدرج إلى العلية، لكنهم يخرجون هنا وهناك أكثر مما كانوا عليه قبلا في منطقتهم المحلية."
وأشار ديكو إلى أن تجارة اللوحات الإعلانية للشركة قد استفادت مع الزيادة في استخدام السيارات، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى المخاوف المتزايدة بين الناس من التقاط الجراثيم. وأضاف أنه حتى الآن في الربع الثالث، فإن مستوى المبيعات في أقسام اللوحات الإعلانية وأثاث الشوارع للشركة هو أعلى من مستويات عام 2019.
وبالنسبة إلى بعض المعلنين، أصبحت الحافلات والقطارات أكثر مواءمة لهم من أي وقت مضى. حيث قال لاكسمان ناراسيمان، الرئيس التنفيذي لشركة ريكيت بينكيسر، إن الشركة المصنعة للصابون والمطهرات باتت تعلن بشكل أكبر عبر وسائل النقل العام لأن الزبائن المحتملين يهتمون بالنظافة بشكل خاص في مثل هذه البيئات.
وأضاف، "نريد أن نؤكد وجودنا في الأماكن التي يكون فيها الناس على درجة عالية من الحذر تجاه الجراثيم". وقد أطلقت العلامة التجارية "ديتول" التابعة للشركة حملة تخبر فيها ركاب مترو الإنفاق في لندن، أنهم "موجودون هنا لدعم رحلتك"، حيث كانت تروج لمطهرات الأيدي المتوافرة بالمجان في المحطات.
ولدى الإعلان الرقمي المنتشر خارج المنزل قيمة خاصة، حيث يسمح ببيع المساحة الإعلانية نفسها لمعلنين متعددين برسوم إضافية مقابل نشر رسائل الفيديو.
وأشارت جيل ريد، رئيسة قسم الإعلانات خارج المنزل في وكالة الإعلام ميدياكوم يو كيه، إلى كيفية استخدام عملاء الإعلان في القطاع العام لهذه الوسيلة للترويج للحملات الصحية أثناء الوباء.
فقد تم تصميم الرسائل الإعلانية وفقا للقيود المفروضة محليا في مناطق معينة حيث يمكن تحديثها في غضون ساعات من تغيير تلك القيود. وقالت ريد، "إن هذه الخاصية تظهر لكثير من العملاء كيف يمكن وكيف ينبغي استخدام الإعلان (الرقمي) خارج المنزل".
ومع ذلك، قال كريستوف تشيربلان، رئيس أبحاث قطاع الإعلام في سوسيتيه جنرال، إنه ليس هناك شك كبير في أن التراجع في التنقل سيكون ضارا للإعلان على شبكات النقل. وقال "في النهاية، سيكون من الرائع لو لم يكن هناك عدد أقل من أعين الناس".
وأشار إلى أن ذهاب العمال من وإلى المكاتب يعد أمرا حيويا لأصحاب وسائل الإعلام في بعض المواقع المحددة. واستطرد قائلا، "انظر إلى خط النقل من باريس إلى لاديفانس، إنه ممتلئ إلى حد كبير بالركاب".
تتوقع زينيث أن المعلنين على مستوى العالم سينفقون نحو 33.8 مليار دولار هذا العام على الإعلانات خارج المنزل بجميع أنواعها، وهو ما سيكون أقل 16 في المائة من عام 2019. لقد خصص المعلنون بالفعل مبلغ 37.5 مليار دولار لعام 2022، وهو لا يزال أقل من الإجمالي في فترة ما قبل الجائحة.

تغيير الأماكن
هناك بعض الإشارات على أن الصناعة تمر في بداية لتحول استراتيجي نحو الضواحي والمدن الأصغر حجما. فقد اشترت شركة جيه سي ديكو شركة إعلانات خارجية صغيرة في غرب فرنسا العام الماضي، وهي آبري سيرفيسيز ميديا. حيث قال ديكو إن عملية الاستحواذ كانت "من أجل تعزيز تغطيتنا فيما نسميه المدن من الدرجة الثانية والثالثة".
ربما كانت الشركة "قد تكون مهتمة أكثر" في إبرام مزيد من العقود مع السلطات المحلية في المدن الأصغر في المملكة المتحدة، على الرغم من أن ديكو قال إن المجموعة لن تتخذ قرارات متسرعة، خاصة أن الصفقات مع السلطات المحلية تقضي بالالتزام لعدة أعوام.
وأضاف "نحن بحاجة إلى تقييم ما إذا كان العمل من المنزل سيكون ممارسة عصرية قصيرة المدى أم أنه سيصبح اتجاها طويل الأجل".
وقال ديردن، الذي تدير شركته إعلانات في مواقف الحافلات عبر جنوب يوركشاير في إنجلترا، "هناك كثير من مصادر البيانات المختلفة، فبعضها يتعارض مع البعض الآخر، لكن الاتجاهات الأساسية متشابهة، فالسفر إلى مراكز المدن الرئيسة قد انخفض كثيرا، في حين أن السفر إلى المدن الخارجية منخفض قليلا فقط، بينما السفر حيث يعيش الناس يعد مرتفعا جدا".

الأكثر قراءة