FINANCIAL TIMES

"بريكست" يتحول بهدوء إلى تمرين للحد من الضرر

"بريكست" يتحول بهدوء إلى تمرين للحد من الضرر

لأول مرة في الأعوام الخمسة منذ استفتاء بريكست، تظهر حدة التوتر في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة علامات مبدئية على الهدوء. العداوات الخطابية شرسة كالعادة بالطبع، لكن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات وعلى أرض الواقع يتحرك كلا الجانبين بهدوء للحد من الضرر.
تقليل المزيد من الضرر الاقتصادي لن يقضي أبدا على الضرر الذي حدث بالفعل. أدى انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني بعد التصويت إلى إجبار الناس في المملكة المتحدة لدفع المزيد مقابل الواردات وخفض مستويات المعيشة بنسبة 2.9 في المائة، وفقا لورقة بحثية جديدة نُشرت في المجلة الاقتصادية "إنترناشونال إيكونوميك ريفيو". يؤدي فرض الضوابط والرقابة على البضائع على حدود المملكة المتحدة إلى خفض معدلات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، تماما كما حذر الاقتصاديون.
مع تشوه أرقام التجارة بشدة بسبب فيروس كورونا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من الأفضل عدم الإفراط في التأثر بإحصائية واحدة، مثل توقف المملكة المتحدة عن كونها واحدة من أكبر عشرة شركاء تجاريين لألمانيا. عوضا عن ذلك، تظهر الاتجاهات طويلة المدى التي تم إبرازها في بيانات المملكة المتحدة انخفاضا ثابتا وواضحا في صادرات المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاث أعوام، مع انخفاض الواردات من القارة بشكل أسرع حتى. وطالما أننا نفترض أن التجارة كانت ذات قيمة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، فإن التعطيل في تكلفة البضاعة المباعة أضر باقتصاد كلا الجانبين وبمستويات المعيشة. ويتم الشعور بغالبية هذا الألم، بالطبع، في المملكة المتحدة لأن التجارة مع الاتحاد الأوروبي أكثر أهمية بالنسبة لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من لندن، يسهل إلقاء اللوم على بريكست في كثير من المشكلات الحالية. غير أن النقص في سائقي الشاحنات وعمال الرعاية المنزلية وموظفي الضيافة إلى عديد من القضايا غير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحده، لكن من المستحيل إنكار أن القيود الجديدة المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع من الاتحاد الأوروبي قد فاقمت النقص.
كانت هذه النتائج أثرا مباشرا لتنفيذ نتيجة الاستفتاء، وعلى هذا النحو، لربما لا يمكن تجنبها. الإدخال السريع للقيود الإضافية غير الضرورية من شأنه أن يفاقم الضرر الاقتصادي. في الوقت الحالي، يبدو أن حكومة بوريس جونسون تتفهم ذلك وأظهرت يوم الثلاثاء استعدادا مرحبا به للتباطؤ في تنفيذ الضوابط الحدودية الكاملة التي تأتي ضمن اتفاقه مع الاتحاد الأوروبي.
خلال مفاوضات بريكست، توقع رئيس الوزراء أن الاتحاد الأوروبي لن يفرض صراعات على الحدود لأن شركات صناعة السيارات الألمانية وغيرهم سيصرون على تمتع المملكة المتحدة بالوصول الكامل إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. لكن بالنظر إلى القوة التجارية غير المتكافئة بين الجانبين، بعد فترة طويلة من فرض الاتحاد الأوروبي الضوابط على صادرات المملكة المتحدة، فإن لندن هي التي تتراجع عن فرض تدابير مماثلة على الحدود. تخشى هذه الحكومة من رد الجمهور إذا أصبحت الواردات التي يحبها الناس أكثر تكلفة ويصعب شراؤها.
أجلت لندن أول مرة فرض عمليات التفتيش على الحدود قبل ستة أشهر وأجلت الآن تنفيذ الضوابط الحدودية الكاملة مرة أخرى حتى صيف عام 2022. ويبدو أن أفضل طريقة لتحسين الحياة في المملكة المتحدة، وفقا للحكومة، هي عدم استعادة السيطرة.
لا تعد واردات البضائع هي المجال الوحيد الذي يكون فيه الحد من الضرر هو النهج المتبع في التعامل مع بريكست الآن. سمح وزراء المملكة المتحدة للشركات باستخدام علامة الاتحاد الأوروبي للسلامة "سي إي" CE التي تثبت أن المنتجات تلبي معايير السلامة لعام آخر، بدلا من الإصرار على شهادة "يو كيه سي أيه" UKCA الجديدة للجودة والسلامة، وتجنب الازدواجية غير المجدية في شهادة معيار المنتج.
وكلما طال بقاء هذه التسهيلات في مكانها، كانت الشركات البريطانية والمستهلكون أفضل حالا. مع تأجيلاتها، تعترف الحكومة متأخرة بالواقع الاقتصادي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتتراجع – بحكمة.
الأهم من ذلك، أن هذا ليس من جانب واحد فقط. يبدو أن الحد من الضرر كان الدافع وراء اتخاذ المفوضية الأوروبية إجرائها الأخير لتهدئة التوترات في إيرلندا الشمالية. هذا الشهر "أخذت علما" فقط بقرار حكومة المملكة المتحدة الأحادي لتمديد فترة السماح المؤقتة في اتفاقية بريكست التجارية إلى "أجل غير مسمى" للسماح للنقانق المبردة، غير المطبوخة، والأطعمة المشابهة بالوصول من بريطانيا العظمى إلى إيرلندا الشمالية.
طالما لا يزال هناك دليل ضئيل على وجود باب خلفي كبير للبضائع لدخول السوق الأوروبية الموحدة عبر الحدود البرية المفتوحة وغير الخاضعة للرقابة في إيرلندا، كان رد فعل الاتحاد الأوروبي الهادئ على فشل المملكة المتحدة في فرض بروتوكول إيرلندا الشمالية حكيما وفي مصلحتها الخاصة. لم تعد بروكسل بحاجة لأن تثبت للدول الأعضاء الأخرى أن مغادرة الاتحاد الأوروبي لها تكاليف باهظة.
الهدنة على الأرض تمثل توازنا غير مستقر. مع ذلك، كلما طالت مدتها زادت فرصة بقاء حقوق المرور مؤقتة دون أن تكون دائمة. آخر شيء يحتاج إليه أي شخص الآن هو مفاوضات علنية أخرى. كانت الأنظمة المؤقتة التي استمرت لعقود من الزمن سمة مميزة لتاريخ الاتحاد الأوروبي، وكلما أصبح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جزءا من هذا التقليد، ستكون الحياة أفضل على جانبي القناة.
إلى حد كبير أصبح بريكست الآن تكلفة مدفوعة بالفعل ولا يمكن استردادها. لقد قدم لأنصاره في لندن أدوات القوة التي سعوا إليها. لكن مع القوة تأتي بعض المسؤولية ولا يمكنك الاستمرار في جعل الحياة أسوأ بفكرة نقية عن بريكست دون أن يلاحظ الناس ذلك. يحق لجونسون والاتحاد الأوروبي تماما الصراخ حول الفوائد الثانوية التي يجلبها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لكلا الجانبين، لكن سيكون من الحكمة الاستمرار بهدوء في الحد من الأضرار على الأشياء الكبيرة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES