أرباح اليوم استثمارات للغد من أجل إتاحة المزيد من فرص العمل
عندما سئل الكاتب الساخر كارل كراوس ذات مرة من قبل أحد الطلبة عن الهدف من دراسة أخلاق الاقتصاد؟ أجابه قائلا :" عليك أن تعرف إجابة هذا السؤال بنفسك وأن تقرر إن كنت ستلتزم بهذا أم تسلك الطريق الآخر"
فهل هذه هي الحقيقة ؟ وهل يوجد تناقض بالفعل بين الالتزام الأخلاقي وبين الحفاظ على النجاح الاقتصادي؟ بمعنى آخر:
هل تصبح شركة ما شركة ذات سمعة طيبة فقط من خلال استغنائها عن جزء من نجاحها الاقتصادي أم يجب عليها أن تضحي بالمثل الأخلاقية العليا للحفاظ على تفوقها ؟ إن الجواب في كلتا الحالتين واضح وهو: لا، رغم أنه في المناقشة العامة يتم إبراز الانطباع العكسي تماماً.
ينبغي أن يسعى كل من يتحمل مسؤوليته الاجتماعية بشكل صحيح إلى التطابق مع مصالح المجموعة الذي هو جزء منها. وإذا طبقنا هذا على الاقتصاد، فإن هذا يمكن أن يعني أن المسؤولية الاجتماعية للشركة تكمن فقط في تأمين نجاح دائم للشركة وتشجيعه. وإذا لم يحدث هذا النجاح، فإنه لا يمكن للشركة أن تنمو، ولا أن تستمر في البقاء طويلاً. والشركات الناجحة فقط هي التي يمكنها العمل على تأمين فرص العمل للعمال، وتعمل على إيجاد فرص عمل جديدة.
وهذا بالضبط هو الذي توصلت إليه استطلاعات الرأي التي أجريت بمبادرة من رابطة البنوك "خلق فرص عمل جديدة والمحافظة على فرص العمل المتوافرة" ونال هذا موافقة 97 في المائة من الألمان المستطلعة آراؤهم، إذ يعتبرونها من أهم العناصر الضرورية للمسؤولية الاجتماعية تجاه الاقتصاد. وإن الرخاء الاجتماعي، والنمو، والتشغيل، ممكنة فقط عندما تحقق الشركات نجاحاً وتثبت نفسها بهذا الأسلوب على الدوام في إطار المنافسة.
وكلمة تحقيق الأرباح هي بالتأكيد كلمة جذابة تغري بسوء الفهم. وبهذا يمكن تفسير أن نسبة 23 في المائة من الألمان فقط يعتقدون أن أرباح الشركات سوف تعود بالخير أيضا على الجميع بشكل عام. وعلى أية حال، فإن كل واحد من ثلاثة من الألمان يعتقد أن أرباح الشركات مشكوك فيها من الناحية الأخلاقية.
ولكن للمستشار الأسبق هيلموت شميت كلمة شهيرة يقول فيها: "إن الأرباح التي تجنى اليوم هي الاستثمارات ليوم غد، وهي فرص العمل ليوم بعد غد". ودون أرباح الاستثمارات، لا يمكن لأي شركة أن تدخل نفسها في أبواب المنافسة والبقاء على قيد الحياة. ولإثبات النفس يوماً بعد يوم في المنافسة، تبرز المسؤولية الخاصة لكل شركة، ولكل مقاول، ولكل مدير، تجاه المجتمع وتجاه المساهمين والعاملين، وأيضا تجاه الزبائن و العملاء.
وتتجاوز التوقعات من الشركات اليوم هذه المسؤولية الأولية. فهناك تسعة أشخاص من كل عشرة ألمان يتوقعون أن تحصل مبادرة من الشركات للعمل التطوعي تجاه المرافق والمنشآت الاجتماعية، والرياضية، والثقافية، والتعليمية، بحيث تكون عادلة وعلى مستوى رفيع تجاه مسؤوليتها المؤسسية. وتبرز هنا أهمية أن الشركات تأخذ مهامها وواجباتها التي تؤديها بكل جدّية. وهذا يظهر في البنوك الخاصة في ألمانيا التي تبادر اليوم إلى تشجيع التعليم، والثقافة، والعلوم، والموسيقى والفنون. وتقوم كذلك بتشجيع الرياضة، ودعم المشاريع الخيرية والاجتماعية، وتلوّح بالعلم في المجال البيئي، وتقدم مساهمة للتعليم الديمقراطي للشباب من خلال توصيل قيم مثل التسامح والانفتاح على العالم.
وفي هذا السياق يدخل دعم المدارس ومعلمي المدرسة في مهامهم من أجل مساعدة الجيل الجديد وتعريفه بالتعليم الأساسي الاقتصادي والمالي. وهو مجال تنشط فيه البنوك الخاصة منذ زمن طويل. غير أن قيام الشركات بالإمساك بزمام المبادرة في مثل هذه الأمور لا يعد من البديهيات لأن أي مساهمة اجتماعية تتجاوز جوهر نشاط الشركات غير ممكنة إذا لم تحقق النجاح التجاري. أضف إلى هذا أن كل ما تعمله الشركات في إطار نشاطاتها الاجتماعية، يجب أن يبقى تطوعياً.
ويعتقد المواطنون أنه من الممكن للحالة الاجتماعية أن تصبح حالة نشاط عملي ويعتبرون ذلك مشروعا. ويرى 75 من الألمان أن المبادرة الاجتماعية للشركات لا تفقد قيمتها حين تكون مرتبطة بإنجاز نشاط عملي. وعلى الأرجح، فإن إدراك أو ملاحظة المسؤولية الاجتماعية يتحول إلى ربح للشركة، ولمالكيها أنفسهم، ولموظفيها، وللمجتمع سواءً كان في ذلك من خلال مشروع إقامة ناد رياضي، أو قاعة الفنون، أم أي مشروع في مجال مساعدات التنمية لدول العالم الثالث.
وتكمن مساهمة الشركات في المسؤولية الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين في استمرار نجاحها وفي المبادرة التطوعية الاجتماعية التي تتجاوز ذلك بدلا من أن توجه نفسها للمصالح التجارية فقط . وكذلك الحال في إطار السياسات، حيث تلتزم مرة أخرى بوجود إطار الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكلما كانت متجاوبة مع هذا الالتزام من خلال توحيد الموازنات العامة، وبوجود إصلاحات حازمة في أنظمة التأمين الاجتماعي، واستحداث قانون ضريبة مبسط، ومرونة في سوق العمل، والعلاقات المالية الفيدرالية، تحسن الوضع الأساسي للاقتصاد. وهذا يخدم النجاح العملي للشركة بشكل جيد، إضافة إلى مبادرتها الاجتماعية.