بعض هتافات التأييد وصرخة استهزاء

بعض هتافات التأييد وصرخة استهزاء

يحب معظم الأمريكيين أن يكون لهم قائد محبوب من الأجانب. إلا أن بعضهم يتمنى لو كان يثير الخوف في النفوس أكثر

بعد أول رحلة طويلة لباراك أوباما كرئيس في الخارج، انقسمت آراء الأمريكيين. فالبعض يشعر بالسعادة لأن الكثير من الأجانب يحبونه. إلا أن هناك آخرين، مثل ميكافيللي، يخشون أنه من الأفضل غالبا أن يشعر الناس بالخوف منه لا بالحب تجاهه، وأن الأشخاص الذين يجب أن يخافوا من أمريكا لا يأخذون أوباما على محمل الجد.
ويشير المتفائلون إلى أن أوباما يحظى بالشعبية في كل مكان أكثر من سلفه. فالقادة الأوروبيون يتدافعون لالتقاط الصور معه. وتحاول الحشود التي تحب النجوم أن ترى زوجته ولو من بعيد. وفي قمة مجموعة العشرين في لندن الأسبوع الماضي، احتشدت الدول الغنية في العالم خلفه لمعالجة الأزمة المالية العالمية. وقد لقي أوباما استقبالا جيدا حتى في الدول الإسلامية، مثل تركيا، حيث يحتاج جورج بوش بذل جهود جبارة لملء غرفة واحدة بوجوه ودودة. ومن المفترض أن حسن النية هذا سيكون في صالح أمريكا.
وحتى الآن، يشكل المتفائلون أغلبية كبيرة. فقد أشاد النقاد بأداء أوباما في أوروبا. وارتفع التأييد العام لطريقة تعامله مع السياسة الخارجية من 54 في المائة في شباط (فبراير) إلى 61 في المائة في نهاية آذار (مارس)، وذلك وفقا لمؤسسة غالوب. وهذه نسب كبيرة جدا، إلا أن الاستطلاع نفسه وجد أن عدم الموافقة على طريقة تعامله مع السياسة الخارجية ارتفع أيضا بواقع ست نقاط، من 22 إلى 28 في المائة. وانخفضت فقط نسبة الذين قالوا "لا أعلم". وبما أن أوباما بدأ يشكل سجل نجاح، بدأ عدد أكبر من الأمريكيين يشكلون آراء حول هذا السجل.
ويقول المتشككون إنه من الجيد أن أوباما يقطع وعودا متفائلة بشأن ضرورة أن يقف الجميع معا "من أجل حق الشعوب في كل مكان بالعيش دون خوف في القرن الحادي والعشرين". إلا أن اقتراحه الرئيسي فيما يخص السياسة لتحقيق هذا الهدف - رؤيته بعالم خال من الأسلحة النووية - هو "وهم خطير"، كما قال Newt Gingrich، رئيس مجلس النواب الجمهوري السابق، وذلك في محادثة على الإنترنت مع قرّاء صحيفة Politico.
وفي الخامس من نيسان (أبريل) في براغ، كرر أوباما حملته بقطع الوعود بعقد محادثات مع روسيا لتخفيض المخزونات النووية لكل من أمريكا وروسيا، من أجل الضغط نحو حظر عالمي للتجارب النووية ولتأسيس بنك وقود نووي دولي للمساعدة في برامج الطاقة النووية السلمية. وفي اليوم نفسه، أطلقت كوريا الشمالية، التي صنعت بالفعل قنبلة نووية واحدة على الأقل بصورة غير قانونية، صاروخ تجارب فوق اليابان.
ومع أن الصاروخ سقط في البحر، إلا أن الكثير من الجمهوريين يعتقدون أنه يبرز سذاجة أوباما. فالمشكلة لا تكمن في القوى العظمى التي تملك المخزونات النووية، كما يقولون، بل في الأنظمة المارقة مثل كوريا الشمالية وإيران. ويهزأ الصقور بالقول إن أوباما يخاطب مثل هذه الأنظمة المارقة بكلمات لطيفة دون التلويح بالعصا. فقد وعد أن انتهاك كوريا الشمالية المعاهدة سيكون له عواقبه، إلا أن تلك العواقب ليست حتى الآن سوى توبيخ وانتقادات غير فعالة.

ويتمثل انتقاد المحافظين لأوباما في أنه نسخة من جيمي كارتر: مثالي صوفي يعتقد أنه قادر على إقناع الأشرار بتصويب سلوكهم عبر الكلام اللطيف. ويخشى الجمهوريون أنه في الوقت الذي يسعى فيه لإجراء محادثات مع إيران، يكتم القادة الإيرانيون ضحكاتهم وراء لحاهم الطويلة أثناء استمرارهم بتخصيب اليورانيوم.
وتعكس مثل هذه الشكاوى الاستقطاب المتزايد. فقد وجد استطلاع جديد لمركز Pew تم إجراؤه هذا الشهر أن الفجوة بين مستويات تأييد أوباما الأولى بين الديمقراطيين (88 في المائة) والجمهوريين (27 في المائة) كانت أكبر من الفجوة لأي رئيس خلال العقود الأربعة الماضية. ولكن بما أن أعداد الجمهوريين بدأت بالتضاؤل، لا تزال نسبة تأييد أوباما كبيرة. فعلى سبيل المثال، يوافق 81 في المائة من الأمريكيين على هدفه بتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي، ويثق 65 في المائة بأنه قادر على تحقيق هذا الهدف بطريقة "صحيحة"، وفقا لاستطلاع Washington Post-ABC News الذي تم إجراؤه هذا الأسبوع. (من ناحية أخرى، لا يزال أمريكي واحد من أصل عشرة يعتقدون بصورة خاطئة أن أوباما مسلم).
ويعتقد معظم الأمريكيين أيضا أنه على الرغم من طريقة رئيسهم الجديد التي تتميز باللطف، إلا أنه صارم بما فيه الكفاية. فزيارته المفاجئة للعراق في السابع من نيسان (أبريل) اجتذبت عناوين صحف مواتية. ويعتقد نحو ثلثي الأمريكيين الآن أنه يمكن الفوز بالحرب هناك. ويعتقد معظمهم أن أوباما يقوم بعمل جيد في العراق، وتعتقد نسبة كبيرة أن خطته لسحب معظم الجنود الأمريكيين بحلول نهاية عام 2010 جيدة. إلا أن الأمريكيين أقل يقينا من أن الأمور تسير على ما يرام في أفغانستان. ويعتبر الكثيرون أن خطة أوباما بإرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى هناك أنها شر لا بد منه. ويفضل الأمريكيون، بنسبة 51 في المائة إلى 41 في المائة أن يتم التركيز على سحق طالبان عسكريا بدلا من إعادة بناء الاقتصاد الأفغاني. ويشير المحافظون إلى أنه على الرغم من شعبية أوباما في الخارج، إلا أن حلفاء أمريكا لا يرسلون سوى عدد قليل من الجنود لمساعدته على فعل ذلك.
وهناك جانب أو اثنان من سياسة أوباما الخارجية لا يحظيان بالشعبية في الوطن. فقد أثارت محاولات وزير الأمن القومي الأمريكي لاستبدال كلمة "الإرهاب" بكلمة "الكوارث من صنع الإنسان" السخرية. والأخطر من ذلك هو أن الأمريكيين يعارضون خطة أوباما لإغلاق معتقل جوانتانامو بنسبة 50 في المائة إلى 44 في المائة. ولكن بما أنه ليس واضحا ما سيفعله بشأن السجناء - ترك الباب مفتوحا أمام احتمالية احتجاز أخطر الأشخاص إلى أجل غير محدد - فقد يتغير هذا. وما يحظى بشعبية أقل هو قرار أوباما برفع الحظر عن المساعدات الفيدرالية لمجموعات، مثل جماعة تنظيم الأسرة Planned Parenthood، التي تجري عمليات الإجهاض أو تقدم المشورة بشأنها في الدول الأجنبية. ولا يوافق سوى نسبة 35 في المائة من الأمريكيين على هذا، في حين تبلغ نسبة المعارضين 58 في المائة.
ولكن في الغالب، فإن الرأي العام يوافق عموما على سياسات أوباما الخارجية. فعلى سبيل المثال، يقترح أوباما تحسين العلاقات قليلا مع كوبا. ولطالما كان معظم الأمريكيين يفضلون التطبيع الكامل. ولا يزال الحظر موجودا فقط لأن أنصاره أكثر حماسا من معارضيه، إلا أن هذا بدأ بالتغير أيضا. ولا يزال الأمريكيون الكوبيون الذين هربوا من نظام فيديل كاسترو الديكتاتوري ليعيشوا في مدن ميامي يفضلون فرض عقوبات، إلا أن أطفالهم أقل اقتناعا منهم بذلك. وبما أن الأشخاص التقليديين الذين يعارضون التغيير نادرا ما يصوتون للديمقراطيين على أية حال، فقد لا يرى أوباما خطرا كبيرا في إزعاجهم.
وهناك مخاطر أقل في إعلان أوباما أخيرا أنه قد يرسل قوات إضافية إلى الحدود المكسيكية للحد من العنف الذي تمارسه عصابات المخدرات. ويؤيد 85 في المائة من الأمريكيين هذه الفكرة، بعد أن شعروا بأخطار ذلك من التغطية التلفزيونية المثيرة - على سبيل المثال، سأل أحد مراسلي شبكة CNN رجل عصابات مكسيكيا عن ثمن اغتيال شخص ما في أمريكا.
وبصفة عامة، يشعر الأمريكيون بالرضا لأن أوباما يفضل التحدث مع الأجانب المثيرين للمشكلات، بدلا من وضعهم على القائمة السوداء. ولكن ليس إذا بدأ الحديث مع الأشخاص الذين وفروا ملجأ للقاعدة في السابق. وقد وجد استطلاع لشبكة ABC الشهر الماضي أن 53 في المائة من الأمريكيين يعارضون التفاوض مع طالبان حتى لو وافقوا على تعليق الهجمات على القوات الأمريكية والأفغانية. ولا يثق الأمريكيون بالمنظمات العالمية غير الفاعلة: يعتقد نحو الثلثين أن أداء الأمم المتحدة سيئ في معالجة المشكلات التي تواجهها.

الأكثر قراءة