متفائلة رغم الظروف الصعبة

متفائلة رغم الظروف الصعبة

لا يزال الكثير من الظلال تخيم على سوق الأسهم المالية.

انظر دائما إلى الجانب المشرق من الحياة. لا بد أن مستثمري الأسهم كانوا متفائلين جدا الشهر الماضي. ففي اليوم الرابع عشر من التداول حتى السابع والعشرين من آذار (مارس)، قفز مؤشر ستاندرد & بورز 500 نسبة 21 في المائة، وهو أكبر انتعاش منذ عام 1938.
ولكن في الوقت الذي كانت فيه أسواق الأسهم المالية تحتفل، شهدت سوق سندات الشركات 35 حالة تخلف عن السداد، وهو أكبر عدد من المتخلفين عن السداد في شهر واحد منذ فترة الكساد العظيم، وذلك وفقا لوكالة Moody's التصنيفية. ويبلغ معدل التخلف عن السداد الآن 7 في المائة، بعد أن كان 1.5 في المائة قبل عام، وتتوقع وكالة التصنيف أن يبلغ 14.6 في المائة بحلول الربع الأخير.
ومع بدء الشركات الأمريكية موسم إيرادات الفصل الأول، فإن الأخبار على هذه الجبهة ليست مشجعة أيضا. ويتوقع أن تنخفض الأرباح بنسبة 37 في المائة، وفقا لـ Bloomberg. وسيكون هذا سابع انخفاض فصلي على التوالي، وهي أطول فترة خسارة متواصلة منذ فترة الكساد العظيم أيضا.

ما الذي يفسر إذن هذا التفاوت الكبير بين أسعار الأسهم والأساسيات؟ لقد هبطت الأسواق حتى الآن بسرعة كبيرة جدا بحيث إنها أصبحت تعكس بالفعل الكثير من الأخبار السيئة. ونادرا ما تنخفض الأسعار في خط مستقيم، حيث إنها غالبا ما تنتعش حين يحصل المستثمرون الذين لجأوا للبيع على المكشوف (المراهنة على انخفاض الأسعار) على أرباح. وكان هناك خمس حالات انتعاش بنسبة 20 في المائة أو أكثر بين عامي 1930 و1932، خلال أسوأ فترة في التاريخ انخفضت فيها الأسعار في السوق بصورة حادة.
ومن الأسباب التي أسهمت أيضا في تفاؤل المستثمرين هو العلامات التي تشير إلى أن وتيرة الركود بدأت بالتباطؤ. وأطلق على هذا العامل "المشتق الثاني"، أو معدل التغير في معدل التغير. وما شجع المضاربين على ارتفاع الأسعار هو أن بعض أقوى حالات الانتعاش حدثت في الأسواق الناشئة، التي لها أكبر تأثير عادة على الاقتصاد العالمي. وقد كانت الزيادة بنسبة 14.2 في المائة في آذار (مارس) على مؤشر MSCI للأسواق الناشئة هي الأفضل منذ كانون الأول (ديسمبر) 1993.

إلا أن David Rosenberg من Bank of America Merrill Lynch، الذي كان من أوائل الاقتصاديين القلائل في وول ستريت الذين توقعوا الركود الحالي، متشكك في ذلك. فهو يشير إلى أنه على الرغم من أن مؤشر التصنيع الأمريكي لمعهد إدارة الإمداد انتعش من 32.9 إلى 36، إلا أن الرقم الأخير لا يزال رابع أسوأ رقم خلال السبعة والعشرين عاما الماضية. وتقول شركة Capital Economics الاستشارية إن مؤشر الانتعاش الخاص بها يوحي أن احتمالية كون الركود الأمريكي قد انتهى تقل عن 10 في المائة.
وتلقي مؤشرات أخرى أيضا ظلال الشك على فكرة حدوث انتعاش حاد. ويعتبر مؤشر Baltic Dry لأسعار الشحن مقياسا لنشاط التجارة العالمية (مع أنه يتأثر أيضا بإمدادات الشحن). وقد بلغ أدنى مستوى له في كانون الأول (ديسمبر)، إذ انخفض بنسبة 94 في المائة عن مستواه المرتفع في أيار (مايو) 2008. ومن ذلك الوقت، ارتفع أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول أوائل آذار (مارس)، وهي دلالة على انتعاش في النشاط. ولكنه استأنف انخفاضه منذ ذلك الحين وانخفض بنسبة تقارب الثلث في الأسابيع الأربعة الماضية. ولا يوجد أيضا ما يدل على ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير؛ يبلغ مؤشر Dow Jones AIG نسبة أعلى من النسبة المنخفضة التي بلغها في الثاني من آذار (مارس) ولكنه لا يزال أقل من منتصف ذروته التي بلغها في تموز (يوليو) الماضي.
وما حدث كما يبدو هو تراجع حدة الشعور بالفزع الشديد الذي انتشر في تشرين الثاني (نوفمبر) وشباط (فبراير). وتبلغ نسبة التقلب، بقياسها على مؤشر Vix في بورصة Chicago Board Options Contract، نحو نصف المستوى المرتفع الذي بلغه العام الماضي.
وتبذل السلطات العالمية أقصى جهودها لمعالجة الأزمة، ويكمن الأمل في أن تنجح في النهاية تركيبة انخفاض أسعار الفائدة والحوافز المالية والتسهيل الكمي (أي ما يعادل طباعة المال). وقد ساعدت إحدى نتائج التسهيل الكمي، وهي تحول البنوك إلى مشترية لسندات الشركات، على انتعاش تلك السوق، وإن كان ليس بنفس حدة انتعاش الأسهم.

وفي هذه الأثناء، بدأت تخف الرغبة في الاحتفاظ بالمال بأسعار فائدة تبلغ الصفر تقريبا. ووفقا لبنك HSBC، لم يكن هناك هذا العام تدفقات صافية إلى صناديق الاستثمار في أسواق المال الأمريكية. والمستثمرون يتصيدون صفقات جيدة في السندات: انخفضت الهوامش على السندات عالية الإيرادات بنسبة تزيد على ثلاث نقاط مئوية عن ذروتها.
ولكن قد تؤثر دورة أخرى من الأخبار السيئة على حماس المستثمرين. وسيكون أول اختبار لحماس المستثمرين هو موسم النتائج. فقد وجهت ثلاث شركات من أصل أربع من تلك التي أصدرت توجيهات في الربع الأول مستثمريها لتوقعات منخفضة. وفي الربع الثاني من عام 2007، حذرت أقل من نصف الشركات من نتائج سلبية. وتعتقد مجموعة Citigroup أن الانخفاض من الذروة إلى الحضيض للأرباح العالمية سيبلغ 50 في المائة.
وقد تكون العقارات التجارية أيضا مصدر قلق للمستثمرين مثل العقارات السكنية, وقد تم أخيرا بيع أحد أبرز المباني في شيكاغو، وهوJohn Hancock Tower، في مزاد علني بسبب حبس الرهن مقابل 660 مليون دولار. وكان قد تم شراؤه بمبلغ 1.3 مليار دولار في عام 2006. وقالت وكالة ستاندرد & بورز، وهي وكالة تصنيف أخرى، إن الكثير من الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية التجارية عرضة لتخفيض الدرجة. ويبلغ الهامش على سندات الخزانة لمؤشر لشركة Markit التي توفر البيانات للأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية التجاري في أمريكا الشمالية التي حصلت على درجة AAA، ست نقاط مئوية تقريبا، مقارنة بأكثر قليلا من نقطة واحدة في أيار (مايو) الماضي.

وقد تسوء البيانات الاقتصادية مرة أخرى، بعد أن استقرت لبعض الوقت. ولا بد أن يؤثر الارتفاع المتواصل لمعدل البطالة سلبا في معنويات المستهلكين. ولا تزال أرقام الإنتاج الصناعي في العديد من الدول المتقدمة تظهر انخفاضات سنوية عالية.
ويعتقد Teun Draaisma، الخبير الاستراتيجي في Morgan Stanley الذي كان أحد أدق المتوقعين بفترات صعود وهبوط الأسواق الأخيرة، أن سوق انخفاض الأسعار لم تنته بعد. ولم تبلغ الأساسيات من حيث أرباح الشركات وأسعار المنازل والقروض المصرفية أدنى مستوى لها بعد، كما يعتقد. ولم تبلغ التقييمات بعد مستويات البيع بأسعار منخفضة جدا؛ ويبلغ المعدل الدوري للسعر إلى العائد المعدّل للسوق الأمريكية 14.5، مقارنة بفترات انخفاض الأسعار السابقة في السوق التي كانت بأرقام فردية. ويبلغ العائد على الأسهم في مؤشر ستاندرد & بورز 500 نسبة 3.2 في المائة فقط، ومن المحتمل تخفيض الدفعات.
وبطبيعة الحال، يمكن للأسواق أن تكتشف حالات الانتعاش في الأرباح والأساسيات الاقتصادية قبل فترة طويلة من تأكيدها بالبيانات الرسمية. ولعل المستثمرين لديهم مثل هذه البصيرة الاستثنائية في الوقت الحالي، أو أنهم ببساطة يلتقطون مجرد إشارات وهمية.

الأكثر قراءة