الحي المالي في لندن يواجه موجة من لوائح ما بعد بريكست
الحي المالي في لندن يواجه موجة من لوائح ما بعد بريكست
موجة من الإصلاحات الحكومية في المملكة المتحدة، مصممة لجعل الحي المالي في لندن أكثر جاذبية بعد بريكست، كان لها بالفعل نتيجة غير مقصودة: إلغاء التنفيذيين في القطاع المالي العطلات الصيفية للتعامل مع أعباء العمل الزائدة.
الحجم الهائل للمشاورات يعني أنه لم يكن من المتاح أخذ وقت للاستراحة في آب (أغسطس)، كما قال أحد المختصين في السياسة في إحدى الشركات الكبرى لإدارة الأصول.
بالنسبة للسياسيين البريطانيين الحريصين على الاستفادة من الحريات الجديدة والهروب مما يرون أنه قواعد غير ملائمة تمليها عليهم بروكسل، تعد الإصلاحات ضرورية لضمان بقاء لندن قادرة على المنافسة باعتبارها مركزا ماليا رائدا.
لكن عديدا من مديري الأصول الكبار يشككون في الخطاب بشأن التخلص من البيروقراطية، لأسباب ليس أقلها اشتغالهم على مستوى العالم، وأنهم يريدون قواعد تسمح لهم بالاستمرار في الوصول إلى الأسواق بأقل تكلفة.
قالت شيلا نيكول، رئيسة السياسة العامة في شرودرز، أكبر شركة إدارة أصول مدرجة في لندن "نحن لا نرى ذلك على أنه منافسة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي". أضافت "هناك فرص واحتياجات لنمو السوق بالكامل، ولذلك لا يتنافس كلا جانبي القنال مع بعضهما على الأعمال التجارية. نحن نتنافس معا لنمو الوعاء الكلي".
مع ذلك، يعتقد أكثر من 70 في المائة من العاملين في قطاع إدارة الأصول في المملكة المتحدة أن القدرة التنافسية للحي المالي تدهورت منذ استفتاء عام 2016. ووجد بحث أجرته مؤسسة نيو فاينانشال هذا العام، وهي مؤسسة فكرية، أن شركات التأمين وشركات إدارة الأصول نقلت ما يزيد على 100 مليار جنيه استرليني من الأصول والأموال من بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي ردا على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبعد أشهر من المشاورات غير الرسمية مع القطاع، نشرت حكومة المملكة المتحدة مئات الصفحات من الإصلاحات المقترحة الآن، تشمل إصلاح نظام الإدراج في المملكة المتحدة، وتغييرات في قواعد إطار عمل الأسواق المالية لرزم استثمارات التجزئة والمنتجات التأمينية "ميفيد 2" على مستوى الاتحاد الأوروبي، ولوائح تأمين الملاءة 2، وقواعد بريس لكيفية تسويق المنتجات الاستثمارية للمستهلكين.
إلى جانب ذلك، تتصارع شركات إدارة الأصول مع كل من التغييرات التي تطرأ على اللوائح الخاصة بالنشرات التمهيدية، والتقديم المحتمل لصندوق يمكنه الاستثمار في الأصول طويلة الأجل، وإصلاحات مختلفة للمعاشات التقاعدية، ودراسة رون خليفة الاستعراضية لجعل المملكة المتحدة أكثر جاذبية لشركات التكنولوجيا المالية، والقوانين المحتملة فيما يتعلق بالاستدامة.
قال روبرت كريفتينج، رئيس تمويل الشركات في شركة إم آند جي إنفستمينت "هناك كثير من الأشياء التي تحدث في الوقت نفسه". أضاف "إن من الجيد أن تفكر الحكومة في كيفية جعل لندن أكثر قدرة على المنافسة. نريد أن تنجح لندن، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
وبينما كانت الحكومة حريصة على الزّج بفكرة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يقود عملية الإصلاح التنظيمي، تشير نيكول إلى أن بعض هذه المراجعات كان من المقرر إجراؤها على أية حال.
قلة في الحي المالي توقعوا تغييرات كبيرة في القوانين، لأسباب ليس أقلها أن بريطانيا كانت القوة الدافعة وراء العديد من القوانين الأصلية. قال أحد خبراء السياسة في إدارة الأصول العالمية "لقد ساعدت المملكة المتحدة حقا في تشكيل نظام الخدمات المالية (في الاتحاد الأوروبي). بصمات الخبراء البريطانيين موجودة في جميع جوانب ميفيد 2".
لكن بعد ما يقارب ثمانية أشهر من مغادرة المملكة المتحدة للسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، بدأ العديد من مديري الصناديق في التفكير في أن الوقت قد حان لإعادة النظر في بعض القوانين.
قال كاي سوينبرن، نائب رئيس الخدمات المالية في كيه بي إم جي، وهو عضو سابق في البرلمان الأوروبي وأحد مهندسي ميفيد 2 "لقد كان هناك تغيير جذري في الطريقة التي يتحدثون بها عن هذا في الأشهر الـ12 الماضية. انخفض الإدراك بأن لوائح الاتحاد الأوروبي لا يقصد بها أن تكون ثابتة".
جرت مراجعة رسمية لقواعد ميفيد 2 عام 2018، كانت مصممة لتعزيز حماية المستثمرين وضخ الشفافية في أسواق الاتحاد الأوروبي، وقد تم إدراجها في القواعد الأصلية.
أظهرت المملكة المتحدة سيطرتها بالفعل، واقترحت إلغاء القواعد المتعلقة بتداول الأسهم في المجمعات المظلمة، وتجديد المعايير حول الاحتفاظ بمراكز كبيرة في السلع. من المقرر أيضا إعادة كتابة متطلبات إعداد التقارير الخاصة بتداول السندات. وسيراقب مديرو الأصول عن كثب لمعرفة ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيحذو حذوها، خاصة أن المجمعات المظلمة وحدود مراكز السلع قد أثارت الجدل في السابق.
قالت كاي سوينبرن، من كيه بي إم جي، إن العديد من مديري الأصول شعروا أن "المتداولين وغيرهم سيكون لهم تأثير أكبر" على القوانين. لكنها أضافت أن المنظمين يبحثون عن مديري الأصول من أجل إبداء آرائهم. "إنهم يريدون أن تكون السوق فعالة ليس فقط للوسطاء الماليين، بل للمستثمرين كذلك. إنهم يريدون أن تكون السوق جذابة لمديري الأصول كي يباشروا ممارسة أعمالهم".
قال أندرو نينيان، مدير الإشراف وحوكمة الشركات في جمعية الاستثمار، وهي الهيئة الخاصة بصناعة الاستثمار، إن هناك قبولا متزايدا بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أتاح "فرصة جيدة لنا لنخطو خطوة إلى الوراء ونتساءل عما هو مناسب لنا الآن".
قالت نيكول "قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان يتعين علينا تخصيص بعض الوقت لإقناع الدول الـ27 الأخرى، أو قضاء بعض الوقت في الرد على الآخرين. وفي داخل المملكة المتحدة، لدينا جميعا الوقت الآن لبعض التفكير الحر".
ومع ذلك، بعد عقد من التنظيم المكثف، فإن العديد من التغييرات المخططة للمملكة المتحدة هي تغييرات طفيفة نسبيا وتقنية، ما يشير إلى أن الحكومة استجابت لنداءات الحي المالي لتجنب تخفيف اللوائح بصورة جذرية. وكان من الممكن أن يؤدي هذا الخيار إلى استبعادهم من الاتحاد الأوروبي والأسواق الأخرى، حيث تخشى السلطات من أنه قد يضعف المعايير العالمية.
قال جون جودفري، مدير شؤون الشركات في ليجال آند جنرال "إن الصعوبة تكمن في التفاصيل حول مدى رغبة المرء في التباعد. لكن هناك بعض الفرص للتباعد، مثل نظام الملاحة سولفينسي 2".
ويخشى مديرو أصول آخرون من أن المملكة المتحدة تمضي قدما في إصلاحات مختلفة دون التفكير في كيفية توافقها.
يشير كريفتينج إلى أن مراجعة الإدراج التي أجراها اللورد جوناثان هيل تهدف إلى تسهيل إدراج الشركات في لندن، لكن في الوقت نفسه تتطلع المملكة المتحدة إلى إدخال إصلاحات على أعمال تدقيق "تخلق المزيد من البيروقراطية للشركات المدرجة".
وقال نينيان إن هناك "المزيد من العمل الذي يتعين القيام به للوصل بين النقاط" فيما بين مختلف الإصلاحات التنظيمية. "نحتاج إلى التأكد من استجماع كل هذه المراجعات وأنها متسقة وتسير في الاتجاه الصحيح".
وبينما اضطر بعض خبراء السياسة العاملين في الحي المالي إلى التخلي عن عطلاتهم الصيفية، ليس الجميع على قناعة بحصول تغييرات كثيرة بعد المراجعات التنظيمية.
قال أحد المتخصصين في السياسة في إحدى شركات إدارة الأصول الدولية: "نحن نتحدث عن تغيير الأشياء قليلا بدلا من إصلاح الأمور بالكامل".
مراجعة هيل لعمليات الإدراج تواجه بعض المعارضة
يرغب مديرو الأصول في جعل المملكة المتحدة أكثر تنافسية، إلا أن بعضهم يعارض جوانب في مراجعة اللورد جوناثان هيل لإجراءات الإدراج في المملكة المتحدة. مثلا، هناك مخاوف بشأن إدخال أسهم فئة مزدوجة لإدراج أقساط التأمين، إضافة إلى صدامات محتملة مع إصلاحات التدقيق المخطط لها.
قال أندرو نينيان، من جمعية الاستثمار "من المهم أن نحصل على الشركات المناسبة للإدراج في المملكة المتحدة. لكن يجب أن يكون التركيز أوسع من ذلك. هل يقومون بمجرد الإدراج فقط؟ أم إنهم يشتغلون ويضيفون منفعة إلى عموم الاقتصاد".
علاوة على ذلك لا تسعى توصيات هيل، إلى حد كبير، إلى إلغاء أو تعديل قواعد الاتحاد الأوروبي. قالت شيلا نيكول، من شركة شرودرز، إن كثيرين ببساطة يجعلون لندن تتماشى مع بقية العالم. "نقطة انطلاقنا هي أننا بحاجة إلى الحفاظ على المملكة المتحدة مكانا جاذبا للإدراج. هناك توازن بين تطبيق معايير عالية جدا وبين إبعاد الناس فعليا".