قيم الشركات مهمة لكن يجب أن تتجاوز الكلمات الطنانة

قيم الشركات مهمة لكن يجب أن تتجاوز الكلمات الطنانة

غالبا ما تكون البيانات الرسمية مزيجا من الهراء والثرثرة الدافعة للجنون. عندما اعتمدت الشركة الأم السابقة لـ"فاينانشال تايمز" "الفاعلية" كأحد أهدافها الرئيسة، سخرت غرفة الأخبار المتشككة من القرار لأيام. وأكدت دراسة استقصائية جديدة أجرتها شبكة "إي إم أو" الاستشارية لـ525 من أكبر الشركات العامة في العالم، أن رؤسائي السابقين ليسوا وحدهم في حماسهم للمبادئ المبهمة.
وتصدرت قائمة العبارات الرنانة الشائعة كلمات مثل النزاهة والابتكار والاحترام والمسؤولية والاستدامة، كما ورد في التقارير السنوية من العامين الماضيين. حتى إن بعض الشركات اختارت الفرح.
وأظن أن شعبيتها تكمن في حقيقة أنها من الصعب جدا قياسها. حيث تشير النزاهة إلى أن الشركة تخطط للالتزام بمبادئها، دون تحديد فعلي لما هذه المبادئ. والاحترام والمسؤولية يستدعيان السؤال "لمن، وماذا". وكان تعريف الاستدامة محفوفا بالمخاطر لدرجة أن الاتحاد الأوروبي أصدر أخيرا لائحة جديدة تنص على نظام تصنيف رسمي.
ومن الصعب عدم الاستهجان من بعض الخيارات الأكثر تميزا، مثل القرب واستباقية الحلول و"السلامة القانونية". ويبدو التناقض صارخا بين رسالة شركة "بيبسي" المتمثلة في "إيجاد مزيد من الابتسامات" وإضراب العمال عن العمل بسبب نوبات العمل القاسية لمدة 12 ساعة في مصنعها فريتو-لاي في توبيكا، كانساس.
بخلاف الكلمات الطنانة، يكشف الاستطلاع أن احتجاجات كوفيد -19 والصيف الماضي على عدم المساواة العرقية كان لها تأثير. وقامت "إي إم أو" بتصنيف ما يقارب 2300 مبدأ فردي إلى فئات ووجدت اختلافا في التأكيد. حيث يتصدر القائمة الآن "الناس والمجتمع"، بينما تراجعت "الأخلاق والنزاهة" و"الإبداع والابتكار".
ويقول تشارلز فليمنج، الذي أجرى البحث، "إننا نعيد اكتشاف معنى المجتمع، إنه تحول يبتعد عن المصطلحات الأكثر تحديدا التي تركز على الذات - مثل شركتي وموظفينا وعملائي - إلى نظرة أكثر عالمية وأكثر طموحا".
وإن كنا أكثر تشاؤما، فإن قادة الشركات يعتقدون أن هذا ما يرغب العملاء والموظفون والمستثمرون بسماعه. وهذا يعيدني إلى اعتبار الاقتباس المنسوب عادة لجروشو ماركس، "إنها مبادئي، وإن لم تعجبك... فلدي مبادئ أخرى".
وعلى الرغم من أن الشركات الأمريكية شعرت بالضغط لمعالجة التمييز بعد احتجاجات حركة "حياة السود مهمة"، فإن تغير القيم ليس مجرد ظاهرة أمريكية. حيث وجد استطلاع "إيه إم أوه" أن واحدا، على الأقل، من أفضل خمسة مبادئ قد تغير ترتيبها في كل سوق وقطاع تم فحصه تقريبا. كان الاستثناء الملحوظ ألمانيا، حيث بقيت القيم الخمس الأولى دون تغيير، مع المسؤولية والاستدامة في المقدمة.
ويمثل عدم الاتساق هذا مشكلة. ويلاحظ أندريه سبايسر، وهو أستاذ السلوك التنظيمي الذي يساعد على تطوير بيان مبادئ لكلية كاس للأعمال، "تكون القيم أكثر أهمية إذا كانت ثابتة مع مرور الوقت، تبنى القيم الجيدة على أساس ما تقوم به الشركة بالفعل، وأين تكافئ وأين تعاقب".
وجد بحث بقيادة دونالد سول من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العام الماضي عدم وجود علاقة تقريبا بين القيم الرسمية ومدى التزام الشركات الأمريكية بهذه المبادئ في نظر موظفيها.
ومع ذلك، تجادل أميليا ميزاد، أستاذة قانون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، بأن الشكوك حول بيانات الرسائل في غير محلها. حيث إنها درست رأسمالية أصحاب المصلحة لمدة ستة أعوام، ووجدت أن بيانات قيمة الشركة تؤثر في السلوك مع مرور الوقت.
وتقول، "إنها الخطوة الأولى. عندما تدلي الشركات بتصاريح، يحاسبها أصحاب المصلحة والمستثمرون على تلك التصريحات". وقد يدفع المستثمرون لربط رواتب المسؤولين التنفيذيين بأدائهم على أساس القيم، أو كما كان الحال بالنسبة لـكوكا-كولا وخطوط دلتا الجوية، فقد يطلب العملاء من الشركات إبداء الرأي حول حقوق التصويت.
وفي ربيع هذا العام، طلبت مجموعة الاستثمار "إس أو سي"، التي تعمل مع صناديق التقاعد النقابية، من عشر شركات أمريكية الالتزام بكلماتها الرائعة حول التنوع من خلال عمليات تدقيق مستقلة لأدائها في مجال المساواة العرقية. واتفقت "بلاك روك" و"مورجان ستانلي" على ذلك. ورفض الثمانية الآخرون، لذلك طالبت "إس أو سي" بأصوات المساهمين التي حصلت على 44 في المائة من الدعم في "أمازون"، و40 في المائة في "جي بي مورجان"، حيث جثا جيمي ديمون الرئيس التنفيذي بشكل دراماتيكي على ركبة واحدة وسط احتجاجات العام الماضي على صدى مقتل جورج فلويد على يد الشرطة.
ويقول ديتر وايزنيغر، المدير التنفيذي للمجموعة، "ستكون هناك اختبارات حقيقية للشركات، هذه الكلمات لها في الواقع معنى بالنسبة لعملائك ومساهميك". وتخطط "إس أو سي" للمطالبة بمراجعة الحسابات مرة أخرى العام المقبل، وتأمل بالحصول على مزيد من الدعم من مستثمرين مثل "بلاك روك".
تخيل فقط كم ستتغير مبادئ الشركات لو علمت أنه يجب الالتزام بها.

الأكثر قراءة