بيت الشعر.. من رمز في الصحراء إلى فناء المنازل والاستراحات
يروق للسعوديين التحلق حول شبت النار واحتساء القهوة والشاي متجاذبين أطراف الحديث، خاصة في مثل هذه الأيام والتي تنخفض فيها درجة الحرارة ويكون الطقس باردا نوعا ما، في بيت مصنوع من شعر الماشية يتوسط فناء أحد البيوت في العاصمة الرياض.
بيت الشعر الذي كان في القدم منزلا لساكنيه ومأوى لهم من حرارة الشمس صيفا وبرودة الطقس شتاء، أصبح اليوم مجلسا إضافيا يوضع في فناء المنزل أو الاستراحة يكون للترويح عن النفس بالتعايش مع الماضي، حيث يحرص الكثيرون على نصب بيوت الشعر من منازلهم الحديثة وقصورهم في المدن، بعد أن كان مكانها الصحراء.
وشهدت الحركة التجارية من هذا النوع من الصناعات (صناعة بيوت الشعر والخيام)، انتعاشا من دخول فصل الشتاء، حيث الإقبال يكثر عليها مع انخفاض درجة الحرارة ونزول الأمطار واخضرار الأرض مع كثرة الطلعات البرية والرحلات الممتعة.
"الاقتصادية" تجولت في عدد من محلات بيع وتجهيز بيوت الشعر والخيام، والتعرف على طريق صناعتها ومدى الإقبال عليها، إضافة إلى الكشف عن مدى الممارسات غير الشرعية من بعض العمالية الوافدة التي تمتهن هذه الحرفة.
في البداية، قال لـ "الاقتصادية" عبد الله بن ماجد القحطاني أحد المستثمرين في صناعة بيوت الشعر والخيام، "إن نشاطنا يتركز في بيع مستلزمات بيوت الشعر والخيام وتصنيعها وتجهيزها، حيث أمضينا نحو 30 عاما من الخبرة في مجال صناعة وبيع بيوت الشعر والخيام بمقاسات مختلفة".
وبين أن للخيام أنواعا كثيرة منها الصباحية وهي معروفة منذ القدم لدى الكثير من الناس وهي أفضل وأحسن الأنواع ومقاساتها تختلف وأسعارها مختلفة بحسب المقاس. منها ما يصل إلى 40 متراً في عرض 10أمتار. كذلك من أنواع الخيام التي يفضلها الكثيرون دائماً الخيام الباكستانية وهي موجودة بكثرة وبمقاسات مختلفة.
وعن أنواع بيوت الشعر قال، بيوت الشعر لها أنواع كثيرة لكن أفضلها على الإطلاق الألماني (خاص) وهذا النوع يتم تفصيله بحسب رغبة الزبون ويباع بأسعار معقولة جداً لا توجد مبالغة فيها فمثلاً طول ستة أمتار بعرض أربعة أمتار يصل سعره إلى ثمانية آلاف ريال ويشمل طبقاته السدو، عازل مائي، عازل حراري، وشعر، إضافة إلى وجود المدخنة.
وأضاف القحطاني يكون الإقبال على الخيام وبيوت الشعر كبيراً عندما يحل فصل الشتاء، ومواسم الإجازات حيث يصل إلى نحو 70 في المائة مقارنة بموسم الصيف فهناك الكثير من الأسر وخاصة في هذه الأيام يقومون بعمل مخيمات في المنتزهات البرية وكذلك هناك الكثير من المواطنين يحب عمل بيوت شعر خاصة في الاستراحة الخاصة به أو في المنازل. وقد كان الطلب يزداد على الخيام في موسم الحج أيضاً ولكن في السنوات الأخيرة توقف ذلك بسبب تجهيز الخيام من قبل الجهات المختصة التي تعمل أثناء موسم الحج، مبينا أن الطلب على الخيام وبيوت الشعر يكثر في المناطق الشمالية والشرقية والوسطى والجنوبية ويقل في الغربية، كما أن هناك طلبات من دول في الإمارات وقطر.
وأشار إلى أن القماش يتم الحصول عليه على شكل «رولات» وهي أنواع تتمثل في (تنزاني، روسي، باكستاني) وأجودهن التنزاني الثقيل، ويصل المتر الواحد تفصيل ما يقارب من 23 ريالاً، والروسي يصل إلى 20 ريالاً للمتر المربع الواحد، ويليه الباكستاني ويصل 16 ريالاً للمتر المربع الواحد.
واختتم حديثه بأن الراغبين في عمل بيوت الشعر أو الخيام عليهم الانتباه الجيد في عمليات التوصيلات الكهربائية داخل هذه الخيام وبيوت الشعر، بالإضافة إلى شراء المصابيح الجيدة الصنع، لأن المصابيح الرديئة والمفاتيح غير الجيدة قد تسبب حرائق - لا سمح الله -، كما أن هناك بعض الغش في الحديد المستخدم ونوعية بيوت الشعر حيث إن كثرة التستر في هذه المهنة جعل هناك الكثير من التجاوزات من قبل العمالة الوافدة التي لا تهمها السمعة بقدر ما يهمها جمع المال.
وتطرق إلى أن هناك تطويرا في عملية صناعة بيوت الشعر من حيث إنها تتصف بأنها مقاومة للماء والحريق، وأن جزءا منها تم تصميمه ليكون مشافيا للمرضى. كاشفا عن أن هناك سعىا لدى مؤسستهم في البدء إلى تصنيع خيام تحمل مواصفات البيوت الحجرية، من حيث عزلها للماء والحرارة والأمان الذي توفره، وأن تطوير هذه الخيام تم بعقول سعودية.
وكانت مصانع للخيام في المملكة قد بدأت في إنتاج خيام مجهزة لتمديدات كهربائية آمنة، وتمديدات صحية، إضافة إلى تجهيزات ترفيه أخرى.
من جانبه، بين عويد العنزي أن البيت الشمالي منتشر وهو خيمة بسيطة تعتمد عليها أغلب الأسر حيث لا يكاد يوجد بيت إلا وفيه بيت من الشعر.
وقال العنزي إن أغلب النساء يعملن منذ القدم عندما كان لبيت الشعر قيمته لدى الإنسان البدوي فهو بمثابة القصر على عكس الزمن الحاضر.
وعن مهنة صناعة بيوت الشعر يقول العنزي "هذه صنعة توارثناها من آبائنا وأجدادنا ولا نزال تعمل بها النساء حتى الآن ويجدون فيه المتعة على الرغم من التعب من أجل الانتهاء من بيت واحد فقط والذي يستغرق نحو التسعة أشهر إلى السنة حيث يتم شراء صوف الأغنام من الرياض وحفر الباطن وقد يحتاج إلى الشراء من بعض الدول المجاورة مثل سورية بعد ذلك يبدأون غزله أولا ومن ثم برمه ونسجه وتخييطه، والأغنام التي يستفاد منها لصناعة بيت الشعر هي العمانية والشامية والنجدية والعربية وبيت الشعر الواحد يستهلك صوف 450 ـ 500 رأس من الأغنام.
ويضيف العنزي أنه مع دخول فصل الشتاء تبدأ السوق بالتحرك والبيع، مشيرا إلى أن هناك فرقا كبيرا بين بيوت الشعر في الزمن الماضي وفي الوقت الحالي، معتبرا أن بيوت الشعر قديما كانت تصبر وتعيش 20 سنة دون أن تتضرر من العوامل الخارجية كالشمس والأمطار والأتربة والغبار، أما في الوقت الحالي فهي لا تكاد تمضي سنوات قليلة إلا وقد تفتت وتمزقت والسبب في هذا يعود إلى وجود خيوط النايلون مع صوف الأغنام، كما أن طريقة بناء بيوت الشعر وشكلها قديما تختلف عن الوقت الحاضر حيث كانت ترفع من الوسط فقط بعمودين من الخشب أما الآن فهي ترفع من الوسط بأعمدة حديدية وترفع مع الجوانب.
وقال العنزي إن أغلب النساء اللاتي يعملن في هذه المهنة يستعن بالعمالة النسائية من الجنسية الآسيوية للخياطة وبناء بيوت الشعر من أجل مساعدتهن في الخياطة فهن نساء مسنات لهن طاقة معينة وفي حاجة إلى من يساعدهن وهن يعرفن بعض خفايا صناعة بيوت الشعر ولكن هناك أسرارا للصنعة لا يعرفها إلا هن ومهما صنعوا وعملوا فصناعة المرأة البدوية ستكون هي الأفضل والناس تبحث عن الأفضل دائما.