الرواية التاريخية .. أمجاد الماضي وتسلية الحاضر

الرواية التاريخية .. أمجاد الماضي وتسلية الحاضر
"سمرقند" الرواية التي تمت مناقشتها.
الرواية التاريخية .. أمجاد الماضي وتسلية الحاضر
جانب من الأمسية.
الرواية التاريخية .. أمجاد الماضي وتسلية الحاضر
عادل الدوسري

ربما لم تسافر أو تشاهد مدينة سمرقند التاريخية، لكنك ستحبها كما أحبها قراء رواية "سمرقند" لأمين معلوف، الذي يغوينا بوصفه لها، حينما يقول عنها "أجمل وجه أدارته الأرض يوما نحو الشمس".
كانت القصة درامية بشكل يستحق أن يروى، تستحضر التاريخ لتكون مزيجا بين البحث التاريخي والفن الروائي، لكن هل أحداثها حقيقية فعلا؟ سؤال في محله تماما.
يميل الناس إلى التصديق بأن كل ما مر به الشاعر الحكيم عمر الخيام كان حقيقيا، وبات للرواية أثر إيجابي في تقريب حوادث التاريخ والترويج لها، فهل يعد هذا النوع من الروايات توثيقا للتاريخ أم إعادة قراءة له؟ وما حدود الحقيقة والخيال عند سردية التاريخ؟

إحياء التاريخ في رواية

يقصد بالرواية التاريخية، كما جاء تعريفها في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، أنها سرد قصصي يرتكز على وقائع تاريخية، تنسج حولها كتابات تحديثية ذات بعد إيهامي معرفي، وتنحو غالبا إلى إقامة وظيفة تعليمية وتربوية، فيما تعرف أيضا بأنها سرد قصصي يدور حول حوادث تاريخية وقعت بالفعل، وفيه محاولة لإحياء فترة تاريخية بأشخاص حقيقيين أو خياليين أو بهما معا.
وثمة مزج في هذا النوع من الروايات بين التأريخ والعمل الروائي، إلا أن هناك قواعد تحكم هذه العملية السردية، فليست كل رواية كتبت في الماضي هي رواية تاريخية طالما لم تؤرخ لأحداث واقعية، وهنا تتضح الصعوبة والتعقيدات، فعلى الروائي أن يكون أمينا على الأحداث الواقعية ويطوع عناصرها في خدمة روايته.
ولعل من أبرز الروائيين الذين برزوا في هذا الجنس الأدبي عالميا الروائي أمين معلوف، بلغته الفرنسية وعقلية الشرقي ترك بصمته في عالم الرواية التاريخية، ولا بد أن نستحضر أعماله المعروفة وعلى رأسها "ليون الإفريقي" و"سمرقند" و"صخرة طانيوس" و"الحروب الصليبية كما رآها العرب" حينما نتناول الراوية التاريخية، التي طغى عليها أسلوب التحقيق الصحافي، كما يعلق عليها، بعد أن ترك الصحافة مبكرا.

موقف أم موعظة؟

احتلت الرواية التاريخية خلال الأيام الماضية حديثا ذا شجون، من خلال أول الأمسيات التي نظمتها مبادرة "بيت الرواية" في مقهى "لوركا" الشريك الأدبي لوزارة الثقافة، وأقامت الأربعاء الماضي جلسة نقاشية تحت عنوان "الرواية التاريخية، بين سرد الواقع وتخيله والإنسان التاريخي"، وطرح فيها عادل الدوسري الروائي السعودي تساؤلا جوهريا مفاده: إلى أي مدى نعد الرواية التاريخية مرجعا يمكن العودة إليه؟ وهل يذوب الواقع في الخيال؟ وجاءت أسئلته في محاولة لفهم الواقع التاريخي في الرواية التاريخية من حيث واقعيتها التي تعتمد على مرويات منذ آلاف الأعوام وأصابها ما أصابها من عوامل الزيادة والنقصان، لفرط ما تداولها الرواة والتاريخيون بين ناقل ومنقول.
صاحب روايات "جوزة البلوط، شرنقة، الظل والأغلال، جلباب العابد، موت طارئ" مضى في حديثه الشيق إلى أسئلة أكثر إحكاما وتوجها ومباشرة، حينما تساءل أيضا "إذن هل نحن إزاء موعظة؟ قطعا لا، هل نحن إزاء موقف؟ ربما. فنحن العرب نحيل كثيرا من أزماتنا إلى التاريخ، لا تأصيلا وتجذيرا، لكن بحثا عن حلول مخبوءة في المجد التليد الذي بأيدينا أضعناه، أو غالبا نجد العزاء في البكائيات المطولة، والوقوف على أطلال عروبتنا وأحيانا إنسانيتنا".
واستشهد الدوسري بكتاب "فلسفة التاريخ"، آخر كتاب لجوستاف لوبون المؤرخ الفرنسي، الذي يوضح أنه يمكن تعيين مزاج الأمة النفسي بدراسة إنتاجها الأدبي، ويقول "تعد الوثائق الأدبية - كالقصص والأمثال والحكايات والروايات... إلخ - من أصلح الوسائل لتصحيح مزاج الأمة النفسي، فمن شهادتها يعلم سلوك الأمة في مختلف أحوال حياتها ودرجة قيمها، ولا ريب أن أخلاق الشعب تظهر من خلال جميع ما ينتج، لكنه يجب أن يبحث عن هذه الأخلاق في آثاره الأدبية خاصة، وتكون الملاحم الكبرى قليلة الفائدة، لأنها تدلنا على أناس مبالغ في مشاعرهم وأعمالهم، ولنا بالأمثال والحكايات والأقاصيص الشعبية... إلخ، معرفة أدق مما بالملاحم"، أما الروائي الدوسري بالنسبة إليه فإن التاريخ ما تعرفه وتجهله في آن واحد، وهو وعيك الذي تشهده في التو واللحظة ثم يمضي.

رواية سكنت الأدراج

في الأمسية الممتعة التي شاركت فيها أيضا الدكتورة زينب الخضيري الروائية والكاتبة الصحافية، المشرفة على مبادرة "بيت الرواية"، قسم الدوسري الرواية التاريخية إلى ثلاثة أنواع، أولها رواية تاريخية حول وقائع ما زال لها بيننا أشهاد عيان، ورواية حول تاريخ بعيد تحتمل التخييل في الوقائع وحياة الشخصيات، ورواية تكمن تاريخيتها في حقبتها الزمنية لا في وقائعها وشخوصها، مستعرضا رواية سعد الدوسري "الرياض - نوفمبر 90"، التي وثقت أحداثا ما زالت حتى الآن حاضرة وحية في الذاكرة، وهي حرب الخليج، تحدث مؤلفها بواقعية مفرطة، متجاوزا كل ما يسمى بـ"الخطوط الحمراء"، والدليل على ذلك ما كتبه الدكتور عبدالله الغذامي في تقديمه للرواية، حيث قال إن سعد الدوسري احتفظ بهذه الرواية في أدراجه قرابة الـ20 عاما، بسبب خوف المؤلف من الوقع الذي ستحدثه الرواية، وهنا ما يسمى سلطة التاريخ أو سلطة الواقع وشخوصه.
ووثقت الرواية تاريخا سريا من خلال تناول بعض ما يمكن أن يسمى بالمسكوت عنه، ويقصد بذلك أحداثا من داخل البيوت التي يترقب أهلها اندلاع حرب وشيكة، فضلا عن حالات من قصص التطوع الميداني، فيما تقدم رواية "مسرى الغرانيق في مدن العقيق" لأميمة الخميس الروائية السعودية رصدا تاريخيا لحالة الجدل حول العقل، وتنوعا ثقافيا أحاط ببطل الأحداث، خلال رحلته من الجزيرة العربية إلى بغداد ثم القدس ثم مصر والأندلس، وتظهر الفلسفة أو العمق الفلسفي للرواية في الوصايا التي يحملها خلال النشأة والترحال.
كما استعرضت الأمسية "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور الكاتبة المصرية، حول الأحداث التي وقعت في غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس، ورواية "وردة" لصنع الله إبراهيم الروائي المصري، بحضور عدد من القراء، الذين أثروا النقاش وأثاروا الأسئلة حول إشكالية العلاقة بين التاريخ والرواية.

الأكثر قراءة