الطاقة- النفط

سياسات المناخ تعيد الهيمنة والأرباح إلى منظمة "أوبك"

سياسات المناخ تعيد الهيمنة والأرباح إلى منظمة "أوبك"

الأمير عبدالعزيز بن سلمان.

سياسات المناخ تعيد الهيمنة والأرباح إلى منظمة "أوبك"

في الوقت، الذي يدعو فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى هدف الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات بحلول 2050 لتأخير الاحتباس الحراري، وفي الوقت، الذي يجبر فيه المساهمون الناشطون شركة إكسون موبيل لتبني الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ترى السعودية مستقبلا مشرقا لما هي بارعة فيه: إنتاج البترول.
"دع الآخرين يعيشوا في أوهامهم بأن مصادر الوقود البديلة يمكن أن تلغي الحاجة إلى الاستثمارات الجديدة في إمدادات البترول"، هكذا قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة. وعندما سئل عن تقرير أوصى بذلك لوكالة الطاقة الدولية، كان الأمير جاهزا للرد بإجابة لاذعة، فقال في المؤتمر الصحافي لـ"أوبك بلس" المنعقد عبر الاتصال المرئي "أرى أنه تتمة لفلم (لا لا لاند)، لم علي أن آخذه على محمل الجد؟".
الأمير عبدالعزيز، الذي يجلب رسالته إلى "وول ستريت" هذا الأسبوع في مؤتمر جي بي مورجان/ روبين هود للمستثمرين ليس وحده في التحذير من أن الضغوطات للابتعاد من الوقود الأحفوري سابقة لأوانها. ففي الوقت الذي تنشغل فيه كبار شركات البترول وشركات الطاقة الأخرى الأمريكية والأوروبية ببيع أصول لها للتقيد بأهداف إزالة الكربون، الطلب العالمي على الوقود الأحفوري مستمر في الارتفاع، ولا سيما في الصين والهند، أكثر بلدان العالم سكانا. وهذا من شأنه أن يتيح الفرصة أمام شركات البترول الوطنية مثل أرامكو السعودية لاسترداد الهيمنة السوقية، وتحقيق أرباح ضخمة، وإعادة مركز إنتاج البترول والغاز إلى منظمة "أوبك".
وفي هذا إشارة أيضا إلى احتمالية حدوث أزمة طاقة جديدة في الغرب. في الولايات المتحدة، يبدو أن أيام الازدهار لثورة النفط الصخري قد ولت. شركات التصديع المائي مثل ديفون إنيرجي وأوكسدنتال بتروليوم منشغلة بسداد ديونها أكثر من انشغالها بحفر آبار جديدة، فهي متخوفة من الإنفاق للتوسع، خاصة أن إدارة جو بايدن قد أوقفت الترخيص للآبار الجديدة في الأراضي الفيدرالية. ونتيجة لذلك عادت الولايات المتحدة، لتكون مستوردا صافيا للبترول بما في ذلك البترول الخام والمنتجات البترولية مثل البنزين بعد أن أصبحت مصدرا صافيا أخيرا في 2020. وكذلك أسعار البترول والبنزين في أعلى مستوى لهما تقريبا في آخر ستة أعوام.
بعدما تولى بايدن زمام الرئاسة في شهر يناير جعل تخفيض استخدام الوقود الأحفوري شعارا له، مستحدثا منصبا وزاريا لمبعوث المناخ عين عليه وزير الخارجية السابق جون كيري، وتعهد بالسعي لتحقيق هدف الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات بحلول 2050، وهو هدف لـ60 دولة أخرى تقريبا.
المؤسسات الاستثمارية منتبهة لذلك، ففي نهاية شهر يناير حذرت أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم "بلاك روك" الشركات، التي تستثمر فيها بأن عليها أن تفصح عن استراتيجياتها طويلة المدى للوصول إلى الحياد الصفري. ونص تقرير وكالة الطاقة الدولية على أن الحملة الدولية إن أرادت أن تحقق الوصول إلى الحياد الصفري في الوقت المحدد، فإن الاستثمارات الجديدة لإنتاج البترول والغاز يجب أن تتوقف. لكن التقرير يتوقع في الوقت نفسه أن الطلب على أنواع الوقود الكربونية سيستمر في الارتفاع في العقدين القادمين.
وافق رأي الأمير عبدالعزيز الساخر من التقرير إيجور سيتشين الرئيس التنفيذي لـ"روس نفت" أكبر شركة بترول روسية، فقد قال في معرض حديثه في منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي في الخامس من يونيو إن العالم "يخاطر بمواجهة عجز حاد في البترول والغاز" إذا توقفت الاستثمارات في الإنتاج، وحذر من التركيز بصورة رئيسة على مصادر الطاقة البديلة.
شركات البترول الوطنية في دول اتفاق "أوبك بلس" هي الشركات الوحيدة، التي تستطيع مقاومة الضغوطات لتخفيض إنتاج الوقود الأحفوري. تمكن صندوق تحوط صغير لناشطين يدعى Engine No. 1 من خلع ثلاثة أعضاء مجلس إدارة من إكسون موبيل لأن الناشطين شعروا أن الشركة لم تعدل استراتيجيتها بالقدر الكافي لمراعاة تغير المناخ.
ضغوطات مشابهة قادت شركة البترول الفرنسية توتال لتعيد صياغة هويتها تحت اسم جديد هو "توتال إنيرجيز"، وتتعهد بتخصيص 20 في المائة من ميزانية استثماراتها السنوية الحالية لمصادر الطاقة المتجددة. كذلك أصدرت في غضون ذلك محكمة هولندية حكما يجبر شركة "رويال دتش شل" على خفض انبعاثاتها 45 في المائة من مستويات انبعاثاتها لـ2019 بحلول 2030. شركات توتال، وشل، وبريتش بتروليوم، جميعها تعيد تنظيم أصولها لتتخلى عن مشاريع الوقود الأحفوري الأقل ربحية وتضيف مشاريع طاقة متجددة.
شركات البترول الوطنية مثل أرامكو السعودية وشركة أدنوك الإماراتية في معزل عن هذه الضغوطات. حتى إرسال بايدن لجون كيري إلى أبوظبي في رحلته الدولية الأولى لم يمنع منتجي البترول من السخرية. الدول المنتجة في منظمة "أوبك"، خصوصا في وضع يؤهلها للاستفادة من الانكماش الغربي في الوقود الأحفوري، بل إن استراتيجيتها هي الاستثمار بصورة أساسية في أعمالها الرئيسة التقليدية من إنتاج البترول والغاز واستخدام بعض رأس المال في الاستثمار في قدر من مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة– مروجين لمفاهيم مثل "الهيدروجين الأخضر" و"الأمونيا الأزرق".
إلى جانب البترول ربطت السعودية أخيرا أول محطة طاقة شمسية لها (كهروضوئية بسعة 300 ميجاوات) بشبكتها الكهربائية، وتخطط لمشاريع طموحة أخرى. لكن أرامكو هي من تبقي بالبترول والغاز أجهزة التكييف مشغلة في الرياض، التي تبلغ حرارتها 44 درجة مئوية. كذلك تستثمر أكبر شركات البترول في العالم مليارات الدولارات في زيادة إنتاجها المستدام من البترول الخام من 12 مليون برميل يوميا إلى 13 مليون برميل يوميا.
أبدت أرامكو اهتماما بتخفيض كثافة كربون عملياتها وبدراسة احتجاز الكربون أكبر من اهتمامها بالتحول الفعلي من الوقود الأحفوري. وسعيها إلى دخول تقنيات الطاقة المتجددة والنظيفة ما زال في مهده، فقد أنشأت صندوق رأسمال استثماري بقيمة 500 مليون دولار للاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. ومع ذلك فأرامكو مؤمنة إيمانا قويا بأن الوقود الأحفوري سيظل ضروريا لفترة أطول مما تعول عليه الشركات مثل بريتش بتروليوم وشل، وتكلفة إنتاج أرامكو المنخفضة تمكنها من تعظيم الأرباح من الوقود الأحفوري وخوض التجربة في مجال تقنيات الطاقة المتجددة والنظيفة دون مخاطر مالية حقيقية.
في الإمارات العربية المتحدة، توجهت "أدنوك" إلى الطاقة المتجددة أكثر من أرامكو، ولكنها ما زالت تراهن على أعمالها الرئيسة في الوقود الأحفوري. في نوفمبر 2020 والتزمت "أدنوك" بضخ 112 مليار دولار من الاستثمارات خلال الأعوام الخمسة المقبلة في زيادة إنتاجها من البترول والغاز. في الوقت ذاته، تعهدت بخفض الانبعاثات 25 في المائة بحلول 2030.
وبما أن بعض كبرى شركات البترول الغربية تخفض إنتاجها أو تبيع إمداداتها في الوقت الذي تقوم فيه شركات البترول الوطنية بالعكس، فإن الآثار المترتبة على هذه السياسات المتعارضة قد تكون كبيرة. هل يستطيع القطاع والجهات التنظيمية الحكومية تحويل إنتاج الطاقة واستهلاكها بهذا القدر الكبير، الذي يجعل من البترول والغاز مواد أولية لا أكثر لأسواق متخصصة مثل صناعة البلاستيك؟ من الناحية النظرية ممكن، لكن التقنيات المطلوبة للوصول إلى ذلك ليست جاهزة للسوق ولا حتى قريبة من ذلك.
ماذا لو كان السعوديون والإماراتيون محقين في أن الوقود الأحفوري سيستمر في كونه جزءا أساسيا من اقتصاد الطاقة والنقل العالمي؟ هذا ليس أحد السيناريوهات، التي يبدو أن القياديين السياسيين في أمريكا وأوروبا مستعدون للتفكير فيها حاليا.
تسعى النرويج إلى طريق وسط، ففي الوقت، الذي صرحت فيه وزيرة البترول والطاقة تينا برو أن شركة إكوينور الحكومية لن تتخلى عن إنتاج البترول والغاز، ستستمر الدولة الإسكندنافية في تطوير مصادرها الخاصة بالطاقة المتجددة وتخفيض انبعاثات الكربون. النرويج الآن تحصل على جل طاقتها من الطاقة الكهرومائية، وهي ملتزمة بإنشاء محطات رياح بحرية أكثر، سواء طافية أو ثابتة.
من البدائل، التي تستكشفها دول الخليج أيضا الطاقة النووية، ففي أبريل الماضي، افتتحت أبوظبي أول محطة طاقة نووية في المنطقة، والسعودية لديها كذلك النية في الطاقة النووية لكنها ستحتاج إلى الحصول على التعاون الدولي والتقيد بالمعايير العالمية لإنشاء محطاتها وتشغيلها.
الحقيقة هي أن البترول والغاز سيظلان جزءا مهما من مزيج الطاقة العالمي لعقود قادمة إذا كانت الاقتصادات الغربية تأمل في المحافظة على مستواها المعيشي، وإذا كانت دول العالم النامي ترجو أن تتخلص من فقر الطاقة المتفشي أخيرا. التعامل مع الأمر كما لو أن العالم يستطيع الازدهار دون الوقود الأحفوري سيضر تلك الدول والشركات والشعوب، التي تبنت أشد السياسات صرامة.. الوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2050 هدف نبيل.

المصدر : مجلة فورين بوليسي

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- النفط