«البحر أمامكم» اللبناني .. خوف من الماضي وترقب للمستقبل

«البحر أمامكم» اللبناني .. خوف من الماضي وترقب للمستقبل
مخرج العمل إيلي داغر.
«البحر أمامكم» اللبناني .. خوف من الماضي وترقب للمستقبل
بوستر العمل.

من رحم المعاناة يولد الإبداع، ومن قلب المأساة يولد النجاح، فالابتكار في تداخل الأحداث عند إيلي داغر المخرج اللبناني لم يكن وليد الحاضر، بل إنه امتداد لمسيرة مهنية أطفأت شمعتها السادسة على وقع صدى النجاح الذي حققه فيلمه الجديد "البحر أمامكم"، حاصدا عديدا من الجوائز، منها أفضل فيلم في ورشة "فاينال كات" فينيسيا، في مرحلة ما بعد الإنتاج من "مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، جوائز منصة الجونة السينمائية ضمن المشاريع في مرحلة التطوير، وجائزة مالية من مؤسسة دروسوس. كما فاز بمنح من "مؤسسة الدوحة للأفلام" و"الصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق" و"صندوق البحر الأحمر" لدعم الأفلام وغيرها.

من الواقع...

لأن الأفكار تنبثق من المعاناة، ليس أفضل من البيئة اللبنانية في الوقت الحاضر لإطلاق العنان لسيناريوهات يعيشها المجتمع بشكل يومي، أبرزها الهجرة، وما يرافق ذلك من تفاصيل يومية صعبة ليس فقط أثناء الهجرة وما بعدها، بل أيضا بعد العودة الى الوطن، كالطفل الذي تذوق الحلاوة ليكتشف بعدها، بجدية أكثر، مرارة تلك الحلاوة، وهذا ما حصل مع "جنى" فتاة لبنانية اضطرت إلى العودة إلى وطنها بعد أربعة أعوام دراسة أمضتها في فرنسا، في الغربة.
في حديث خاص لصحيفة "الاقتصادية" يقول المخرج إيلي داغر "إن الفيلم مبني على مستويات سردية عدة، ويسلط الضوء على الحاضر المعلق الذي لم يستطع التحرر من رواسب ماض مثقل بالهموم والصعاب، ولم يستطع السير نحو مستقبل أفضل لأن المستقبل في هذه البلاد المجبولة بالحروب والصراعات غير مضمون، ولم يقتصر الأمر على الحروب والصراعات بل سوء الإدارة، والسرقة والنهب لكل الموارد الطبيعية وغير الطبيعية التي أدت إلى استنزاف الدولة والوصول بها إلى الحضيض".

من جنى؟!

يصف لنا داغر شخصية جنى التي قدمتها الممثلة منال عيسى، ويعود بالذاكرة إلى عام 2016 عندما رأى الممثلة منال عيسى تؤدي دور البطولة في فيلم Peur De Rien للمخرجة والكاتبة دانيال عربيد، فشعر حينها بأن هذه الممثلة مناسبة جدا لدور جنى، وبدأت الفكرة تتضح أكثر داخل مخيلته، فهي الفتاة التي ستجمع بين الحبكة التي كتبها والأداء الذي من المفترض أن يكون، وأكد أن منال عيسى أدخلت كثيرا من الأداء الإيجابي على شخصية جنى.
وعن الممثلين الآخرين عمل داغر على بناء علاقة وثيقة بينهم، تجعل المشاهد ينخرط في حقيقة أن جنى ووالديها عائلة واحدة، وهذا ما يميز العمل، الواقعية في القصة والأداء، بحسب داغر.
وعن اختياره شخصية أنثوية للفيلم، يؤكد داغر "وجود علاقة عميقة لا يمكن تفسيرها بينه وبين المرأة، وليس هذا فحسب، بل إن الصورة النمطية للرجل الذي يسافر بهدف الحصول على المال ستنسف الفكرة الرئيسة للفيلم، ولكانت أخذت الفيلم في اتجاه مغاير".

مسلسل التحديات المتكررة

لم تتمخض أفكار داغر من الخيال بل جميعها يأتي من الواقع، لذلك المشاهد يشعر بأن أي مشهد يعنيه مباشرة، وعن فيلم "البحر أمامكم" يقول داغر "بدأت 2015 بكتابة الأحداث من الواقع المرير الذي نعيشه، ولطالما أستلهم الأحداث من الواقع، لكن التصوير لم يبدأ إلا في أواخر 2019"، ورغم التحديات التي فرضتها جائحة كورونا استطاع داغر التغلب عليها وبالتالي إنجاز الفيلم الذي يلقي الضوء على واقع الشعب اللبناني خلال العامين الأخيرين، يقول داغر "إن معاناة اللبنانيين هي نفسها منذ أعوام عديدة، لكن في الأعوام الأخيرة الوضع كان أكثر مرارة من الأزمة الاقتصادية إلى قمع للثورة، ثم جائحة كورونا، وتفجير بيروت، وما زال المسلسل مستمرا".

التمويل .. عائق أساسي

عن المصاعب التي واجهت داغر في إنجاز هذا العمل يقول "إن التمويل هو العائق الأساسي الذي كان أمامنا، كما واجهنا صعوبات لوجستية تتعلق بأوضاع لبنان غير المستقرة، وإقفال الطرقات والمصارف واندلاع "ثورة 17 تشرين" وانتشار وباء كورونا، وكلها عوامل عاقت سير العمل، فكنا نحاول التوفيق بين الاحتجاج في الشارع والتصوير"، وأوضح أن "تفجير مرفأ بيروت، تسبب في تأخير المونتاج لفترة شهر ونصف مع صعوبة وضع اللمسات الأخيرة والألوان وغيرها".

لا صناعة سينمائية في لبنان .. ولكن!

عن واقع السينما اللبنانية، أكد داغر أنه لا توجد صناعة سينمائية حقيقية في لبنان، وسأل كيف يمكن أن تكون هناك صناعة أفلام في غياب وزارة الثقافة والدولة، أو بدون أي نوع من أنواع الدعم من قبل المؤسسات العامة؟! وأكد أن هناك مبادرات فردية يخوضها فنانون ومنتجون، تبرهن على أهمية وقوة السينما اللبنانية، وعلى الرغم من كل هذا الواقع، ما زالت السينما اللبنانية موجودة على الصعيدين المحلي والعالمي. موضحا أن الصناعة متجهة حاليا نحو المسلسلات الدرامية التي تخصص لها مبالغ أكبر، خصوصا بعد أزمة كورونا ومعاناة القطاع السينمائي في العالم الركود، وإقفال صالات العرض.
مع الإشارة إلى أن الفيلم هو من تأليف وكتابة إيلي داغر، ومن بطولة منال عيسى ويارا أبو حيدر وربيع الزهر وروجر عازار. أما الإنتاج فيعود إلى شركة أندولفي برودكشن "المنتج أرنو دوميرك"، بالتعاون مع كل من "بيشسايد"، "أبوط برودكشن"، "بيفر آند بيفر" و"رونج مان"، في حين تتولى شركة "ماد سوليوشن" توزيعه.

خطوات على خطى الإبداع العالمي

يشهد الفيلم اللبناني الروائي الطويل الأول للمخرج إيلي داغر عرضه العالمي الأول في الدورة الـ74 من مهرجان كان السينمائي الدولي، في برنامج نصف شهر المخرجين "من 7 حتى 17 يوليو" الذي يقام ضمن "مهرجان كان السينمائي"، ويعد البرنامج انطلاقة عالمية لأي مخرج يشارك فيه، فهذه العروض تغامر وتختار مخرجين صاعدين لإيمانها بموهبتهم السينمائية، وكان قد سبق وشارك فيها مخرجون كانوا مغمورين، وتحولوا إلى عالميين أمثال سكورسيزي وكوبولا.
وأشادت لجنة التحكيم بيينالي فينيسيا المؤلفة من الفرنسية ماري بيار ماسيا ممثلة MPM Film والإيطالي أنطونيو ميديتشي ممثلا BIM Distribuzione، والفرنسي ميشال زانا من مؤسسة Sophie Dulac Distribution، بفيلم "البحر أمامكم"، على اعتباره يطرح أسئلة وجودية تتعلق بالجيل الجديد في لبنان اليوم، كما عدت اللجنة المخرج إيلي داغر شابا موهوبا وفذا، وفيلمه يستحق المشاهدة.
تجدر الإشارة إلى أن مهرجان كان السينمائي يشهد هذا العام مشاركة 64 فيلما، منها 24 شريطا طويلا، تتنافس على جائزة السعفة الذهبية في المسابقة الرسمية، وضم عديدا من الأسماء الشهيرة، كما ضمت المسابقة أيضا عددا من المخرجين الذين سبق أن توجوا بالسعفة الذهبية من قبل.

الأكثر قراءة